مقالات

وحوش منفلتة وجَذوات تحت الرماد

وليد حبش 

في هذا العصر الذي سمي بــ (ما بعد الحداثة) وإلى أن تهيمن القوى الرأسمالية على مناطق نفوذ لها وبأقل التكاليف، ستقوم باستخدام قوى محلية تابعة لها أو عصابات مرتزقة تتلاقى مصالحهم مع بعضها، وبعد أن غضت الطرف عن تنظيم “القاعدة” ويمكن بمساهمة منها قامت بالسيطرة على أفغانستان ضد المد الشيوعي، وتفرعت عنها تنظيمات ك “داعش، جبهة النصرة، طالبان، بوكو حرام” وغيرها من الجماعات المتشددة مدعية تطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد انطلاقة ما سمي بـ “الربيع العربي” سنة /2010/ من تونس، عملت تلك القوى للسيطرة على الانتفاضات الشعبية بإلباسها الطابع الإخواني، وأُوكلَتْ قيادتها إلى حكومة (AKP – MHP) التركية، وانتعش هذا التنظيم في المنطقة باسم دولة العراق والشام (داعش) وكذلك (جبهة النصرة) وجلب مرتزقة تركمان من مناطق بعيدة ليقوموا بعمليات إجرامية وإرهابية وخاصة بين (العراق وسوريا) ليطبعوا التغيير القادم في المنطقة بطابع إسلامي متشدد، فسيطروا على مناطق واسعة أهمها (وسط العراق، والكثير من المناطق السورية ومدنها)، وجعلوا من مدينة “الرقة” عاصمة لخلافتهم، وبعد التوسع في جوارها، تم في /2014/ مهاجمة كركوك وحواف هولير واحتلوا “شنكال” في /آب/ 2014، وثم انطلقت جموعهم بعد أن اغتنمت الأسلحة والأموال من الجيش العراقي في الموصل إلى محاولة احتلال “كوباني”، لكن تصدت لها قوات (YPG, YPJ) ببسالة نادرة، وبمساندة التحالف الدولي تم تحرير المدينة منهم وكذلك معظم المناطق التي احتلوها في سوريا وخاصة عاصمتهم المزعومة “الرقة”، وكان تحرير “الباغوز” آخر معاقلهم في آذار/2019/ فقُتل واستسلم الكثيرون منهم وعوائلهم إلى قوات (QSD).

تم جمع الآلاف المستسلمة منهم في سجون متوزعة في مناطق “الإدارة الذاتية”، وكان أكبر تجمع لهم حوالي /3500/ عنصر في (سجن غويران) بالحسكة، وعوائلهم تُقدّر بحوالي ال/50/ ألف في مخيم “الهول”، وعلى الرغم من النداءات المتكررة من (QSD) والإدارة الذاتية بضرورة الإسراع في محاكمتهم وعلى الأراضي التي ارتكبوا فيها جرائمهم لكن لم تلق هذه النداءات آذاناً صاغية من المجتمع الدولي، وحتى من الدول التي لهم رعايا أسرى معتقلون في أن يستلموهم ولم تستجب سوى القلة منهم.

إن هؤلاء المجرمون خطيرين جداً على الأمن العالمي ولا يمكن الاحتفاظ بهم كل هذه المدة وخاصة بالإمكانات البسيطة لدى الإدارة الذاتية. إنهم بين كل فترة وأخرى يقومون باستعصاءات في السجون والهجوم عليها من الخارج ــ من العراق والمناطق السورية المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقتهم ــ بقصد تحرير هؤلاء الدواعش، كما حصل في شباط العام الماضي، حيث تم تفجير بوابة السجن بعدّة سيارات مفخخة وهروب بعضهم والاختباء بين الأهالي، وفي المواجهات استشهد العشرات من القوى الحامية للسجن، وتم قتل العديد منهم، وبهدف تخفيف حملات التمشيط التي تقوم بها (QSD) ضد الخلايا الإرهابية النائمة؛ يقوم النظام التركي بعمليات قصف واغتيالات وتفجيرات في مناطق الإدارة الذاتية انتقاماً للعناصر الإرهابية وكذلك لدعم خلايا نائمة لهم للقيام بتفجيرات واغتيال رموز ووجهاء المنطقة.

وبحملات التمشيط التي تقوم بها قوى الأمن الداخلي وبدعم من قوات (QSD) والتحالف الدولي يتم اعتقال العديد من هذه الخلايا وخاصة القيادات منها ويعترفون بدعم النظام التركي والاستخبارات السورية لهم.

ومنذ أسبوع يقوم النظام بدعم بقاياهم مع مرتزقته من العناصر المجرمة وبعض ضعاف النفوس من العشائر في محافظة (دير الزور) بمحاولة السيطرة على أرياف المدينة والقيام ببث الفتنة والادعاء بأنها حرب بين الكرد والعرب مع أنه أكثر من نصف عناصر (QSD) هم من الأخوة العرب ومن أبناء المنطقة ويتم التصدي لهؤلاء المرتزقة بكل حزم لتحرير المنطقة من هذه الزمرة المرتبطة بالخارج والتي تهدف لتقويض الإدارة الذاتية وضرب السلم الأهلي بين كافة المكونات وبث الرعب بين الأهالي وممارسة السرقة وتجارة المخدرات.

المطلوب من المجتمع الدولي أن يتحمل مسئولياته في الإسراع بإجاد حل لهؤلاء الإرهابيين وإنشاء محاكمة لهم على غرار محاكمة “النازيين” الألمان عقب الحرب العالمية الثانية والحكم عليهم بالجزاء الذي يستحقونه، وإنشاء سجون خاصة تستوعبهم، وعلى الرغم من إطلاق سراح العديد منهم (وخاصة السوريين) ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء وبضمانات من عشائرهم ووجهائهم وكذلك إطلاق سراح الكثير من عوائلهم والعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن لابد من إجراءات حاسمة بحق الباقين.

المطلوب من كافة الشعوب والمكونات السورية والقوى الديمقراطية التكاتف معاً للحفاظ على المكتسبات والتطورات الديمقراطية التي تحققت بدماء آلاف الشهداء وذلك بالدفاع عن الأرض السورية وتحريرها من براثن الاحتلال التركي ومرتزقته الخونة ومن النظام الدكتاتوري الذي يعمل على خلق الفتن والعبث بالتعايش السلمي بين كافة المكونات الذي حققه مشروع الإدارة الذاتية على هُدى وفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية وأخوَّة الشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى