مانشيتمقالات

الدولة والسلطة في فلسفة القائد عبد الله أوجلان

أحمد بدوي ــ

إن مجتمع الشرق الأوسط من أول المجتمعات التي تعرفت على قضايا الطبقية والسلطة في التاريخ البشري، والهرمية هي أول منظومة تأسست على الشباب والمرأة، وإن تحالف الرجل المستبد والراهب والرجل العجوز هو أول نموذج لكافة الهرميات.

السلطة لغة: تعني الحكم والسيطرة، والسلطة اصطلاحاً: هي فن الاستيلاء والسطو بالقوة على الأشياء والاعتقاد بأن تلك الأشياء هي ملك المستبد.

الدولة لغة: هي اسم الشيء الذي يتداول.

الدولة اصطلاحاً: هي تجمع سياسي يؤسس كياناً ذو اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد يمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، والعناصر الأساسية للدولة (الحكومة + الشعب + الإقليم) ويضاف إليها السيادة والاعتراف بهذه الدولة.

كما أن مصطلح السلطة هو من المصطلحات المؤدية إلى الأخطاء والمسببة للمتاعب لدى تحليل الواقع الاجتماعي.

وإن السلطة استغلال اقتصادي واستغلال للطاقات الكامنة في المجتمع، وإن القوى الاجتماعية المستولية على آلية السلطة تشكل الدولة العينية (المادية) ونخبها الاستقلالية وطبقاتها. إذاً فالسلطة هي الطاقة الكامنة لقوة الجسد والذهنية على حد سواء فتصبح كأنها إلهة.

من هذا المنطلق فإن السلطة عند المتسلطين حاجة أساسية وحتمية لبقاء وثبات المجتمع فلا غنى للمجتمع عن السلطة عندهم؛ فتتسلل السلطة إلى بنية المجتمع وتعمل على تعطيل المساواة وغياب العدالة التي كانت سائدة في قيادة المجتمع الطبيعي.

وتكون الدولة شكل من أشكال السلطة الخاضعة للقواعد والقوانين التي تبدي عناية فائقة لثبات سلطتها.

فكلما استفحلت السلطة في المجتمع يتزايد المستبدون وتتعطل العدالة وتنهدم الأخلاق وتصبح السلطة عملاق يتحكم بالقانون.

إذاً فالدولة هي النموذج الأول للسلطة أو الشكل الأول.

وحقيقة المجتمع السليم هو المجتمع المؤسساتي المبني على أسس أخلاقية وذهنية اجتماعية بعيدة عن السلطة.

رؤية القائد عبد الله أوجلان لمفهوم الدولة.

إن النظر إلى العوامل أو العناصر التي تساعد على قيام الدولة وحتى تعريف الأدوات والوسائل الأخرى التي تستخدم الدولة سواء كانت متكاملة أو منفردة وتسميتها على أنها دولة، كل ذلك لن يساعد على الوصول إلى تعريف صحيح لماهية الدولة؛ لذلك يجب تحليل شبكة العلاقات المسماة بالدولة.

* القول بإن الدولة تعني نهب وسلب فائض القيمة والإنتاج، وهذا صحيح لكنه تعريف ناقص.

* النظر إلى الدولة فكرياً على أنها ذات طابع إلهي مقدس وإن إطاعتها واجب مثله مثل طاعة الإله، هو عبارة عن قناع مزيف لشتى أنواع الظلم والاستبداد.

* تفسير مفهوم الدولة على أنه (فن الحكم) يتضمن مخاطر جدية كون هذا المفهوم يخفي الوجه الباطني الحقيقي للدولة، لأنه يهمل أو يتغاضى عن باقي العوامل التي لا يمكن الاستغناء عنها في تكوين الدولة.

* تعريف الدولة على الصعيد الضيق بأنها احتكار اقتصادي متأسس على فائض الإنتاج وفائض القيمة،

فالدولة طامعة في امتصاص ونهب فائض الإنتاج والقيمة من المجتمع بكافة الأدوات والوسائل بدءاً من الوسائل الأيدلوجية العنيفة وصولاً في آخر المطاف إلى فن الحكم القائم على التنسيق والإشراف اللازمين لتحقيق فائض الإنتاج.

فالدولة منذ بداية تأسيسها ونشأتها أداة بلاء ولا ضرورة لها وليست اضطرارية إطلاقا لكنها تحولت مع الزمن إلى عصابة من قطاع الطرق.

* فالتعريف الأصح للدولة، هي أنها ورم اجتماعي خبيث يجب استئصاله منذ اليوم الأول لظهوره وعزله وفضحه

والدولة هي وحش لا يشبع من الدماء والنهب، وهي كيان يتغذى كل خلية فيه على الدم وسحق كل تقاليد المجتمع الأخلاقية.

وأكبر مثال على ذلك هو ما قام به أحد سلاطين الدولة العثمانية عندما خنق سبعة عشر أخٍ له في ليلة واحدة باسم (سلامة الدولة)، وقد كان يعي أن ما قام بفعله هو من دواعي قاعدة الالتزام بالأداة التي يملكها.

   *التمييز بين الإدارة والسلطة*

يقول القائد عبد الله أوجلان:

لا يمكن مطابقة السياسة مع حكم الدولة والسلطة لأن السياسة هي مساحة تنظيم المجتمع بالبنية والمعنى، أما السلطة هي ابتلاع المجتمع بوحشية وأنانية.

إن اتساع مساحة التنظيم الاجتماعي يحتاج إلى إدارة ناجحة للنهوض بالمجتمع على كافة الأصعدة.

لقد عاشت البشرية وقتاً طويلاً دون معرفة مصطلح السلطة.

فإن التعريف الصحيح للإدارة هام جداً على صعيد تلافي السلبيات وقصر النظر الناجم عن مصطلح السلطة،

فيمكن التميز بين نوعين من الإدارة (الإدارة الذاتية،

الإدارة الغربية الأجنبية)

فالإدارة الذاتية الديمقراطية تقوم بتنظيم القدرات الاجتماعية للنهوض بالمجتمع.

أما الإدارة الغربية الاجنبية فهي تلبس لباس السلطة وتحول المجتمع إلى مستعمرة، لذا فالإدارة السليمة ضرورية للوقاية من داء السلطة، وهي إيجاد أفضل الأعمال من أجل المجتمع وتطبيقها بأسلوب أخلاقي.

      *الحل الديمقراطي الأنسب للقضية السورية*

أمام الكم الهائل من المشاكل المعقدة في الواقع السوري؛ لابد من اعتماد حلول جذرية لا تكتفي بمعالجة الأعراض، بل تتوجه نحو الأسباب وإزالتها ومنعها من الانتكاس أو الظهور مجدداً، ويكون ذلك من خلال ديمقراطية هذا الواقع بشكل كامل تحصل من خلالها كل المكونات الموجودة على كامل حقوقها دون إنكار أو إقصاء لفتح الطريق أمامها للتطور والعطاء لتكون سوريا وطناً يشارك في بنائه وينعم بخيراته ويديره الجميع.

إن الديمقراطية الشاملة تشمل كل مرافق الحياة، وهي بالتأكيد عملية معقدة في الواقع السوري بالوقت الحالي، لكن لابد من وضع وتحديد المبادئ الأساسية التي يجب أن تستند إليها، ولا بد هنا من عدم تكرار نموذج (الدولة الأمة) الذي يفضي إلى بناء دولة قومية أحادية التي تعتبر فخاً قاتلا للشعوب والمجتمعات.

ولا بد من تجاوز هذا النموذج نحو مفهوم الأمة الديمقراطية التي ترفض الحدود السياسية الضيقة نحو التعددية والعيش المشترك.

اذ نحتاج إلى كيان قادر على احتواء كل هذه العناصر بكل اختلافاتها الثقافية والاجتماعية ودفعها نحو التقدم ويعترف بوجودها وحقوقها بالبقاء والتطور من خلال هذا التنوع،

أما التفكير قومياً أو دينياً أو مذهبياً ومحاولة فرض الأحاديات سوف يرجعنا إلى المربع الأول.

إننا اليوم في سوريا أمام إعادة إنتاج جديد وعصري لمفهوم الوطن والأمة، وإذا كان لِزاماً ولا بد من القول بإن سوريا أمة؛ فإن هذه الأمة تتكون من أية قومية؟

وهنا يمكننا القول: إنها لا تتكون من قومية واحدة أو اثنية معينة، ولا دينية ولا اقتصادية ولا لغة واحدة.

بل ستكون الأمة المشكلة من التعددية التكوينية للجسم الحقيقي للمجتمع السوري، وهذا ما يمكن تسميته بالأمة الديمقراطية المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات والعيش المشترك لكل المكونات.

وإن الإدارة الذاتية الديمقراطية هي التعبير الملموس للحل الديمقراطي في سياق حل كافة القضايا في الشرق الأوسط، ومنها القضية الكردية أيضاً، وتتطلع إلى بناء دولة فيدرالية لا مركزية الكل يحظى فيها بنفس المعاملة والحقوق والواجبات ــ خلافاً لِما يروج له على منابر الإعلام المغرض ــ تحت عنوان واحد وهو أخوة الشعوب والعيش المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى