مقالات

هواجس علينا تجاوزها

من أجل التحليل الصحيح للحالة الفكرية للكرد والمتابعة للأحداث والتطورات اللحظية والمتسارعة في المرحلة الحساسة التي نعيش فيها الآن, وفي خضم الحرب العالمية الثالثة والحرب الخاصة التي يشنها أعداء الشعوب على المجتمعات في الشرق الأوسط وحالة الإلهاء والتشويش على ذهنية الإنسان بغية إبعاده عن الحقائق وإلهائه وتعتيم الرؤية من أجل فقدان الثقة بالنفس وإبقائه دون تأثير وفاقداً للإرادة تحت تأثير التكنولوجية المتطورة من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الأخبار والأقوال؛ نجد الإنسان الشرقي يتمايل حسب التصريحات والأقوال فلحظة صاخبة وأخرى هادئة مؤثرة في مشهد مبكي ومضحك بنفس الوقت وبينهما يعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار النفسي وعدم الوضوح في الرؤية للأيام القادمة.

عند محاكاة النقاشات والشعور والرأي العام الشعبي في روج آفا وشمال سوريا, فإنه إلى حد بعيد يميل حسب التصريحات والتهديدات والمؤتمرات الصحفية للقادة والمسؤولين في العالم, نعم لديه الحق وبشكل خاص في ظل الأحداث والمتغيرات السريعة وأكثر بعد عفرين ولديه تخوف من إعادة السيناريو في المناطق الأخرى في شمال سوريا, وهذا هو عدم الثقة بالقوى العالمية والدولية وشعور صحيح بأنهم يتحركون حسب مصالحهم وأجنداتهم, وبنفس الوقت هو شعور خاطئ فالمعركة لم تنتهِ بعد, لأنه عند العودة للسنوات الثماني الماضية نجد أن الكرد وإخوتهم ناضلوا وأنجزوا المكتسبات على الأرض, وأصبحوا جزءً أساسياً من المعادلة ولا يمكن حل الأزمة دونهم.

نعم أنه يخاف من حرب جديدة عليه وهو تخوف في محله ولكن عليه استكمال المشوار والمسيرة ولعب الدور الصحيح وخطو الخطوات المطلوبة حسب المتغيرات والأحداث الحالية, لذلك على الكرد الحفاظ على خطهم الاستراتيجي وإبداء المرونة وممارسة السياسة الصحيحة والمطلوبة وعدم النسيان أنهم بنوا المكتسبات وحققوها بفضل فلسفة وفكر وخط استراتيجي اسمه الخط الثالث، والمهم هو كيفية الحفاظ على المكتسبات والبقاء في المعادلة وإبداع طرق الحل وعقد الاتفاقات وتحقيق المشروعية.

فمثلاً يتحدثون عن الصمت الدولي؛ أليس الكرد يناضلون أساساً من أجل كسر الصمت الدولي على وجودهم وهويتهم, إذاً الصمت الدولي موجود سابقاً؛ ألم يكن موجوداً في الهجوم الكيمياوي على حلبجة وعلى أنفلة عشرات الآلاف وحرق آلاف القرى والمجازر المرتكبة بحق شعوبنا, وما زال الصمت مستمراً لذلك علينا كسره.

ولكن يجب أن نعرف أن المشروعية وحدها لا تكفي فلابّد من الاستمرار في النضال لخوض المعركة أي الحرب العالمية الثالثة الحالية والإصرار على الخروج منتصرين فإن أغلب القِوى التي خسرت إلى الآن والدكتاتوريات ورؤساء الأنظمة الاستبدادية والحاكمة كانت لديهم الشرعية رغم ذلك لم تُفدهم المشروعية.

من جانب آخر المشروعية مهمة للكرد كونها الخطوة الأولى من أجل تثبيت وجودهم وحقوقهم في القوانين والمواثيق الدولية, ولكن من المهم أن نعرف أن الشرعية وحدها لا تكفي من أجل الحفاظ على الوجود والبقاء على الأرض، فيجب ألا يكون الكرد العنصر الذي ظهر أثناء الأزمة والحرب وينتهي مع انتهائها, فإن الكرد وإخوتهم استطاعوا تحقيق الثورة وبناء المكتسبات السياسية والعسكرية والاجتماعية، والخطوة الأخرى هي الحفاظ على مكتسباتهم ومشروعهم وعلى أساسه الخروج من الأزمة والحرب كما أنها مكتسبات ليست للكرد فقط بل لجميع الشعوب المتعايشة معهم.

ففي الفواصل التاريخية للشرق الأوسط ومراحل الأزمات والفوضى التي دخلت فيها المنطقة والسلطات والامبراطوريات الحاكمة استطاع الكرد لعب دور مهم وكبير في الحفاظ على نفسهم ومَنْ معهم من خلال إدارة نفسهم اعتماداً على مخزونهم الثقافي وحقيقتهم المجتمعية, ولكن في الأطراف التي ضعفت فيها هيمنة القوة المركزية بشكل دائم دون الوصول إلى المركز ولعب دور الطليعي المؤثر وليس المتأثر, كما بنى الكرد الإمارات واعتمدوا على أنفسهم وليس هم فقط استفادوا بل استفاد الجميع من تجاربهم ومكتسباتهم, والكردي افتخر بأنه بنى الأوطان ودحر الغزاة وحرر الأرض ولكنه لم يصل إلى المركز، ولم يحافظ على الخط الاستراتيجي له, بل سيطر الطغاة والسلطات على مكتسباته من أجل مصالحهم الخاصة أو المتعصبة أو المتطرفة.

لذلك على الكرد لعب دورهم الطليعي في الحفاظ على الخط المجتمعي للحل الداعي للسلام والأخوة والتعايش المشترك ومن خلال التنظيم والتدريب وبناء النظام الديمقراطي حتى نستطيع استكمال المسيرة؛ فعفرين صنعت لنا القيم وكتبت التاريخ وما تزال وسوف تستطيع أن تحقق الأهداف لأنها لم تستسلم وأصرت على الإرادة الحرة.

زر الذهاب إلى الأعلى