مقالات

سياسة قصف العقول

فوزة يوسف

في سوريا لا يتم القصف بالطائرات فقط ، إنما بأشكال مختلفة، فهناك قصف نفسي و آخر فكري و قصف عاطفي و آخر جسدي. فالحرب التي نعيشها منذ سبع سنوات لم تقتصر فقط على استخدام الأسلحة التقليدية التي نعرفها بل استخدم فيها كل انواع الأسلحة القذرة في سبيل اعلان ساعة النصر من قبل مختلف الاطراف المعنية .اليوم نحن أمام حرب جديدة ، حرب من نوع آخر، هي حرب الكلمات و هي حرب يتم فيها قصف و إستهداف العقول بأن يتم شد انتباه الرأي العام نحو موضوع ما بشكل مصطنع بحيث يتم تداوله بشكل ممنهج و مدروس على مستوى الاعلام و داخل مختلف الأروقة السياسية و هذا ما يقال عنه بسياسة إدارة الإدراك او إدارة الفهم .

تقوم بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام- و التي تدعي الاستقلالية –بالترويج لخبر بنود اتفاق وهمي بين الإدارة الذاتية و النظام السوري و تقوم بعض وسائل الاعلام الأخرى و بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إما بحسن نية أو بشكل متعمد، بتسويق خبرهذا الاتفاق الوهمي مع بنوده و بعضها ما يزال يسوق لهذا الخبر حتى اليوم. قطعا نشر هكذا أخبار في هذه الأيام ليست من باب الصدفة و خاصة في هذا التوقيت ، بل هو عمل ممنهج و يجب معرفة الاسباب من وراء نشرها حتى لا نقع ضحية لهذا القصف و برأيي فإن الأسباب يمكن تلخيصها فيما يلي :

أولا: يريد النظام عن طريق هذه الحرب الكلامية ان يضلل الرأي العام في شمال شرق سوريا ، وكأنه بالفعل هناك مفاوضات جدية و هناك حوار على مصير سوريا المستقبلي بشكل موازٍ لتصريحاته.

ثانيا: يريد النظام أن يخلق قلقاً في الشارع من خلال الإيحاء بعودة مؤسسات الدولة ، و الذي يؤدي الى خشية بين صفوف أولئك المستهدفين من قبل النظام .

ثالثا : هذه الإيحاءات تخلق أملا وهميا بالحل بين المواطنين في حين لا يوجد فعليا مثل هذا الأمر و هذا أيضا يؤدي الى نوع من الاحباط مع الوقت.

رابعا : يقوم بخلق حالة عدم ثقة بين القوى السياسية في شمال شرق سوريا من خلال الإيحاء و كأن هناك بالفعل مفاوضات من نوع ما بين الادارة الذاتية و بين النظام من دون علمهم أو استشارتهم.

خامسا : يقوم بذلك ايضا بتمرير رسائل للقوى الخارجية على هيئة انه مادام هناك لقاء مباشر فلا داعي إذا لمشاركة الادارة الذاتية في المفاوضات او المشاركة في كتابة الدستور الجديد لسوريا كطرف ثالث او رابع.

سادسا: يرسل بذلك رسائل لتركية بانها اذا لم تقم بتقديم التنازلات فيما يتعلق بإدلب فسأقوم بالدخول بمفاوضات مع الكرد.

سابعا : يريد ان يرسل رسالة للقوى الدولية بانه لا يوجد حاجة لضامن او وسيط بيننا و بين الادارة الذاتية واحباط اي محاولة محتملة بهذا الخصوص.

الجدير بالذكر انه هناك من يعزف على وتر هذه الدعايات بوعي او دون وعي، في حين يجب ان نعلم جيدا بان المفاوضات قبل اي شيء تبدأ بين الأطراف ضمن اطر جدية و بوجود وسيط . فتتحرك جميع الأطراف بمسؤولية كبيرة ، فلا يتم الترويج لها بالعكس اننا رأينا الكثير من الأمثلة في العالم بانه يتم طبخ هذه الامور على نار هادئة و بعد ان تنضج يتم الإعلان عنها. ولكننا مرة اخرى نتعامل بطريقتنا الخاصة كسوريين بحيث نستهلك كل شيء حتى قبل ان يحدث. لذلك مرة اخرى وكما قلت سابقا ، يجب ان نعي مثل هذه الأساليب و ان لا نقع في الفخ . الحوارات الجدية تبدأ بأساليب جدية و لا يتم الترويج لها بهذه الطريقة، فيجب علينا ان نكون حريصين على ان لا نصبح شركاء فنخدمهم دون وعي او نصبح ضحية فننجر وراء اشاعاتهم.

نحن مستعدون لخوض مرحلة تفاوض جدية ليس بصدد الشمال السوري فحسب بل من اجل مستقبل كل سوريا، و لكن لحد الان لا توجد هذه الارادة السياسية التي نتوخاها، اننا في شمال سوريا نملك كل مقومات الحل و يجب ان نكون واثقين بانه لا يمكن للأزمة السورية ان تحل بدون تواجدنا. برأيي مثلما يقال بان هذه العجينة ستمتص الكثير من الماء ، و الازمة في سوريا ايضا ستأخذ وقتا طويلا، توقع الحل في وقت مبكّر سيكون قراءة خاطئة للمشهد السياسي .

زر الذهاب إلى الأعلى