مقالات

التعددية السياسية ضرورة مجتمعية شكلها وماهيتها

جفان حرسان

السياسة، السلطة، القرار هذه المصطلحات لا نستطيع النظر إليها بتجرّد أو تجزّأ فهي عناصر متجانسة في سيرورة أي مجتمع، كما أنها من المرتكزات التي يجب توافرها لتنظيم المجتمع مهما كان حجمه وتعداده، بالعودة إلى التاريخ قليلاً وإلى العصر الروماني تحديداً تلك الإمبراطورية التي انتشرت في أرجاء المعمورة، فهذه الإمبراطورية على سبيل المثال وليس الحصر كانت تتمتع بسياسة الحكم المطلق للإمبراطور رغم وجود مجلس الشيوخ الذي كان يناقشه ويستشيره في الأمور الهامة والمصيرية للإمبراطورية.

ما يهمنا هنا والسؤال الذي يطرح نفسه ما تركيبة وماذا يمثل مجلس الشيوخ في الإمبراطورية الرومانية؟

نستطيع الإجابة على هذا التساؤل بأن المجلس كان يعكس حالة المجتمع في روما فقط، ذلك المجتمع الذي يعتمد على السلطة الأبوية التي تعتبر بأنها السلطة المطلقة للرجل على بيته وعائلته هذا الشكل المجتمعي السائد آنذاك انعكس على النظام السياسي في الإمبراطورية الرومانية أي أنه نظام حكم العائلات النبيلة أي العائلات العريقة والنافذة مالياً آنذاك وبالتالي نستنتج بأنه كان الحكم جائراً متسلطاً لا يمثل سوى نفسه والمستفيدين على حساب عامة الشعب والمصالح المجتمعية.

وفي سياق التاريخ نفسه نجد أنفسنا أمام ذات النسق من النظم السياسية على اختلاف مكانها وتسمياتها من ملكية أو قيصرية وحتى إن وجد اختلاف بسيط ولكن يبقى المجتمع فيها مقسماً إلى طبقات غير متكافئة بالمجمل ويكون الحكم والقرار بيد قلة مستفيدة ومحتكرة للقرار فقط، واستمر الأمر على هذا النحو إلى حين ظهور أولى الانشقاقات في أنظمة الحكم وكان ذلك في فرنسا عام 1789 عندما جلس ممثلو الطبقة العامة إلى يسار الملك مطالبين بالتغيير والعدالة نظراً لما كانوا يعانوه من ظلم اجتماعي وسوء في الأحوال الاقتصادية والمعيشية وكانت النواة للثورة الفرنسية الكبرى التي نادت بحقوق الانسان والأخوة والمساواة وتحول نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري وبهذا نستطيع القول بأن ممثلي الطبقة العامة في العصر الملكي الفرنسي أحدثوا أول تعددية سياسية في التاريخ السياسي المعاصر.

من هذه اللمحة السريعة على التاريخ السياسي نجد أن التعددية السياسية ضرورة مجتمعية لابد من وجودها في أنظمة الحكم، ولكن يبقى التساؤل الأهم ماهية التعددية السياسية وتأثيرها في المنظومة الفكرية والأخلاقية للمجتمع؟

تختلف أشكال التعددية السياسية باختلاف نظام الحكم لكل بلد، لكن المبدأ الذي ارتكزت عليه التعددية هو ضرورة المشاركة الشعبية في تسيير عمل المؤسسات ولاستيعاب أكبر قدر من الجماهير للمشاركة في الحكم والقرار وإذا اخذنا على سبيل المثال التعددية في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن التعددية السياسية فيها تقتصر على المنافسة بين حزبين رئيسيين (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) بالرغم من وجود العديد من الأحزاب و المنظمات والجمعيات السياسية والمدنية لكنها تبقى هذه الجمعيات والمنظمات محلية والتعددية تبقى مُقتصرة على الحزبين المذكورين، فديمقراطية هذين الحزبين (قل ما شئت، ونفعل ما نشاء).

وأما في الشرق الأوسط وفي الدولة اللبنانية تحديداً نلاحظ شكل التعددية فيها مختلف كلياً حيث التعددية فيها أخذت طابعاً طائفياً وذلك نتيجة الحرب الأهلية التي نشبت ما بين عامي 1975 عام 1991 وانتهت بإعلان اتفاق الطائف الذي بُرم في المملكة السعودية ونتج من ذلك الاتفاق قيام نظام سياسي يرتكز على المحاصصة بين الطوائف والتي بلغ عددها 17 طائفة وتوزعت الأدوار السياسية بحسب تعداد وحجم كل طائفة آنذاك مما أدى إلى نشوء حالة من التوتر السياسي يعيشها اللبنانيون ويدفعون ثمن تلك التعددية التي قامت على أساس التوزيع العددي فقط ونشبت العديد من الأزمات وما تزل بعضها قائمة حيث يعيش اللبنانيون فراغاً سياسياً حيث أنهم بلا رئيس للجمهورية منذ 25 أيار 2014 حتى الآن.

بعد أن أسلمنا بضرورة وجود تعددية سياسية في نظم الحكم وأنها ضرورة مجتمعية، إذاً، كيف تستطيع التعددية ترجمة الرؤى والرؤية المجتمعية وتطلعات الشعوب القاطنة في بلد قائم على التعددية السياسية.

التعددية يجب أن تنطلق من مبدأ هي انعكاس للبيئة المجتمعية وأن تكون وليدة ذلك المجتمع التي يتم تطبيقها فيه فالتعددية في المثال اللبناني الذي ذكرناه أثبتت فشل النظام التعددي الرقمي الذي يعتمد على التوزيع والمحاصصة الطائفية، وكل تعددية لا تنطلق من مبدأ العدالة الاجتماعية في تشكيل النظام السياسي سيكتب لها العيش بشكل دائم ضمن دائرة الأزمات الاجتماعية المتلاحقة.

زر الذهاب إلى الأعلى