مقالات

هل التقارب العربي مع دمشق ينتج حلاً للمعضلة السورية

ياسر خلف

إن ما تشهده المنطقة من مؤشرات على التقارب العربي السوري بعد مرور عقد من الزمن على الأزمة السورية تشي بأن الأطراف العربية تسعى الى المزيد من العلاقات على الصعيد الدبلوماسي لثني النظام السوري وما تبقى من المعارضة للارتهان للأجندات الإقليمية وخاصة تركيا وإيران، حيث المساعي العربية ترغب في خفض وتيرة الحرب الدائرة وفق ما يتناسب وتطلعات دول المحور العربي (مصر والسعودية والامارات )، وهذا قد لا يتناسب ومخططات بعض الدول وسعيها الى إعادة تدوير النظام حسب ما يتناسب مع مصالحها وأهدافها في سوريا وخاصة كل من “تركيا وروسيا وايران ودويلة قطر” التي سحبت وفدها من مؤتمر القمة العربية،

كما كان واضحاً أن هذه القمة وما آلت إليه من نتائج كانت بعلم أمريكا والناتو وبموافقتها وخاصة ان تواجد الرئيس الاوكراني زلينسكي في هذه القمة يبين أن أمريكا هدفها من التقارب العربي السوري لا يمكن أن يكون عملاً على هامش الحل النهائي، وقد ينتج حلا، لكن للخلاف البيني بين الأقطاب العربية والنظام لا أكثر، وقد يكون مقدمة، لكنه لن يكون كافياً لإنهاء الصراع وإعادة توحيد سوريا بما يناسب جميع الأطراف الداخلية ورعاتها، وعلى ما يبدو أن “واشنطن” لن تعطل المسعى العربي للتقارب مع النظام، لكنها لن تسهم به ولن ترفعه الى طاولة أشمل، فالقراءة الأمريكية تتقبل الأمر بما فيه من مقدمات احتواء لدمشق على حساب طهران وكذلك تخفيض عملي لأسباب توتر إسرائيل في هذا الملف.

وعلى ما يبدو أن المشهد في الساحة التركية ستشهد مزيد من التأزم الداخلي بعد إعادة انتخاب اردوغان وفق نتائج كانت متقاربة لدرجة يشي بوجود هوة كبيرة وتناقضات عميقة يشهدها الداخل التركي، وهذا ما يمكننا ملاحظته من النزول المتصاعد لقيمة العملة التركية وعدم ثقة المستثمرين بوعود اردوغان وحكومته، وهو ما قد يدفع بأردوغان الى المزيد من التنازل للجانب العربي الخليجي لإنفاذه من أزمته الداخلية الخانقة، وخاصة بعد الزلزال الذي ضربت تركيا وسوريا مؤخراً، أو اللجوء الى الاقتراض من البنك الدولي والذي كان اردوغان  يرفضه بداعي استغلال موارد تركيا كما ان أزمة اللاجئين بدأت تطفو على السطح وما من سبيل سوى القيام بالتخلص منهم، وخاصة أن اجتماع آستانا الأخير كان من أحد بنوده إعادة اللاجئين، فالكثير من السورين تلقوا فعلياً إشعارات على هواتفهم بقرب موعد ترحليهم إلى سوريا، كما أن حاجة اردوغان وحكومته إلى تسليم كامل طريق m4 للجانب الروسي ومن خلفه النظام بات مسعى لا يحتمل التأخير كصفقة مشتركة بين الجانبين لمرور القمح الأوكراني والروسي عبره الى الأسواق العربية والدولية، وعلى ما يبدو ان هدف الروس هو إبقاء اردوغان على قدميه للحصول على المزيد من التنازلات وخاصة في الملف الاوكراني والسوري معاً، كما أن إيران هي الأخرى لا تمانع ذلك اذا كانت المناطق التي ستتقلص منها تركيا تزيد من بسط سيطرتها ونفوذها،

ومن جانب آخر يبدو أن هناك توافق أمني واستخباراتي بين أطراف أستانا الرباعي وهذا التوافق سيشهد مزيد من اللقاءات وخاصة بعد فوز أردوغان وحزبه بالانتخابات وتعين “هاكان فيدان” وزيراً للخارجية، فهناك تحركات فعلية بهذا الخصوص تشهدها المنطقة حيث يسعى كلاً من النظام وإيران إلى استقطاب بعض العشائر العربية عبر لقاءات سرية وأخرى عبر جمعيات ومنظمات مرتبطة بهم.

يبدو أن الأطراف العربية هي الأخرى تحاول ضمن هذا الوضع إعادة إحلال أوزانها في الداخل السوري ومنع تحول البلاد إلى نموذج يمني مرتبط بشكل هيكلي بطهران، وخاصة بعد أن فقدت دول المحور العربي “السعودية ومصر والامارات” ومؤخراً الأردن لدورها في سوريا نتيجة للتدخلات التركية المدعومة  بالمال القطري وفرض مصالحها على المعارضة المرتبطة والمرتهنة لها، حيث وجدت الدول العربية الساحة خالية لإيران وخاصة بعد أن أعلنت تركيا رغبتها في التطبيع مع الأسد بما يخدم مصالحها ويخفض من أزماتها الداخلية وخاصة التخلص من اللاجئين السوريين.

وعلى ما يبدو ان التوجه الروسي الإيراني في إعادة تدوير النظام بعيد المنال ولا يؤدي إلى إعادة إنتاجه وجعله مستقراً، فالمشكلة في النظام ليس في العلاقات الدبلوماسية الإقليمية أو مع دول الجوار، بل المشكلة في النظام أساساً داخلية، فأسباب الأزمة التي انطلقت في 2011 ما زالت مستمرة وقائمة، ويبدو انها تتجه نحو التفاقم وخاصة ان النظام أصلاً يعاني من أزمات بنيوية بات من المستحيل عودته الى ما قبل 2011

أما الأسباب الخارجية التي تمنع تأهيل النظام السوري، فهي “العقوبات الغربية، وليس عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول. فروسيا تسعى لإيجاد خرق في العلاقات العربية مع النظام، وإن كان الأخير سيستفيد منه إعلامياً وسياسياً، لكنه لن يتمكن من تحويله إلى المكتسب الأساسي، وهو إعادة الإعمار وإنقاذه من الضائقة الاقتصادية التي يعيشها. إن كل هذه العلاقات غير قادرة على رفع العقوبات الأمريكية وإعادة الإعمار ما لم يكن هناك حل وفق القرارات الدولية وهيئات الأمم المتحدة.

كما يمكن القول إن  هناك توجهات ومسارات عدة بدأت تلتقي على رؤى شبه موحدة حيث يتم مناقشات بين الدول العربية والغرب وخاصة من ناحية إعادة إعمار سوريا بحيث  تكون بأموال السوريين ومنع الانهيار الاقتصادي التام فيها والذي سيكون له تأثير كبير على دول المنطقة وخاصة على لبنان والأردن بشكل مباشر ولأن معظم الدول غير مستعدة لتحمل تكاليف اعادة الاعمار لدولة شبه مدمرة كسوريا، فيمكن القول إن الحل الأمثل للازمة السورية بعد سنوات الحرب  والدمار الطويلة هي تجربة حل المشكلة من الداخل السوري نفسه وبدوافع وطنية تكون منطلقاً للبناء عليه وتطويره وخاصة بعد ما أعلنت الإدارة الذاتية عن مبادرة شاملة لحل الازمة السورية وقرار استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة بعد أن أصبحوا معرضين للترحيل القسري وخاصة من تركيا ولبنان، وأنه لا مكان لتعنت النظام، وأن هناك مشاريع من هذا القبيل تحضر وتناقش في أروقة مكاتب بعض الدول حيث إن أغلب الدول بدأت تدرك أن النظام والمعارضة المرتبطة بتركيا وإيران هي جزء أساسي من المشكلة السورية، ولا يمكن أن تكون ضمن الحلول المرتقبة لسوريا، على عكس مناطق الإدارة الذاتية التي أثبتت التجربة الإدارية والمدنية والمؤسساتية لها بانها النموذج الأكثر قابلية للبدء والبناء عليها وتطويرها لتشمل كل سوريا وعلى ما يبدو أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة لبعض الدول والإدارة الذاتية تتجه بهذا الاتجاه، وقادم الأيام ستكون حافلة بهكذا توجهات.

زر الذهاب إلى الأعلى