مقالات

عندما تنادي الأم طفلها الشهيد “حمودة رابه”

لم تتمالك نفسها، أو تسيطر على أوجاعها وأحزانها وإخفاء دموعها.. بكت الأم وأبكت معها من له قلب أو في قلبه ألم وحسرة….أمٌ ثكلى تَبكي ابنها ثمرة حياتها.. وتنادي “حمودة رابه حمودة”.

(حمودة) هو تصغير لاسم (مُحمَّد) للدلع والدلال وتقصد الأمُ من جملتها (انهض يا محمد انهض..), فهي قضت أياماً وشهوراً تنتظر قدومه إلى الدنيا لتضمه إلى صدرها وتستمتع بدقات قلبه, فلم يخطر على بالها يوماً أنها بعد كل هذا الانتظار ستجده وقد صَمَتَ قلبه.

أمٌ أخرى تخرج من الغرفة التي تُسعَفُ فيها فلذة كبدها المُصاب لأنها لم تعد تتحمل صرخاتها وهي ليست بيدها حيلة ولا تملك سِوى الآهات والحسرات! وأمٌ تحتضن ألعاب طفلها الشهيد بدلاً من احتضانه فلم يبقَ من جسده شيء لتحتضنه!

وأبٌ يقبع في زاوية المشفى بعدما فقد الأمل من عودة الحياة لأولاده فأصبح كَمَنْ قُطعت أطرافه.. وفي زاوية أخرى طفل ينتفض كديك مذبوح ويحيط به المسعفين..

وطفل آخر يلتصق بحضن أبيه ويبحث عن بعض الدفء لعل أوجاعه تهدأ قليلاً!

المكان, مدينة تل رفعت الجريحة, والحدث موت الإنسانية حيث أفرغ الحاقدين جام غضبهم على أطفال كل ذنبهم أنهم أرادوا استعادة الحياة ثانية فسلبوا أرواحهم…

أطفال كانت لهم مطالب بسيطة كبساطتهم فهم أرادوا الحياة كما أطفال الآخرين، أرادوا العيش بكرامة فسلبوا منهم حتى أحلامهم البسيطة.

هذه حالنا يا أم حمودة !!! قفي بكل فخر وارفعي رأسك بكل شموخ يا أم حمودة وقولي لهم: نحن لم ولن نهاب حقدكم وجبروتكم ولن تثنينا قذائفكم.

قولي لهم: أبناءنا هم من سيكتبون التاريخ بدمائهم الطاهرة, قولي لهم: هنا تسكب العبرات ومهما زاد وجعنا سنصمد.

قولي لهم: كم من الأمهات ذرفن الدموع، وكم من الوجع والآهات والزفرات أُشعلت في القلوب ..

قولي لهم: كم مرة باعونا, وغدروا بنا, وكم مرة طلبنا منهم الكفَّ عنا فلاحقونا, كم مرة حاولوا إبادتنا وإنهاءنا، وكم مرة في الظهر طعنونا.

هذه المرة أيضاً أرهقهم ذلك القلب النقي المليء بحب الحياة, فغدروا بنا وقتلونا من دون ذنب… رحلوا وهم بعمر الزهور ولم يهابوا الموت, رحلوا بعد أن صدر أولئك الذين لا ينتمون إلى الانسانية بشيء أمر قتل أطفال  كان سلاحهم عشق الحياة.

هم رحلوا وتركــــــوا خلفهم الأم والأب والأخت والأخ, رحلوا فقط لأنهم أرادوا كتابة مصيرهم ورفضوا الخضوع للظلم والباطل غدروهم لأنهم وذويهم أرادوا أن تكون للحياة معنى آخر رحلوا لأنهم شرفاء….. رحيلهم مؤلم وموجع ولكنهم رحلوا بكل فخر.

حمودة….ومن غيرك يستحق الرثاء؟

زر الذهاب إلى الأعلى