مقالات

حزب الاتحاد الديمقراطي نهج ثوري وايدلوجية مجتمعية متجددة

ياسر خلف

عند تناول المجتمعات التي تسعى لإحداث تغيير ديمقراطي عبر الثورة، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو كيف يمكن البدء ومَنْ الذي عليه أن يقوم بمهام ترشيد الثورة وتوجيهها نحو هدفها ومبتغاها وبناء منظومتها الفكرية والقيمية التي من شأنها انتشال ذلك المجتمع من براثن الأيديولوجيات والسياسات المتفسخة الفاسدة وقيادتها نحو قيم ومبادئ نابعة من ثقافة ذلك المجتمع وإرثه الحضاري وعمقه التاريخي، بحيث يكون الطليعة الثورية وعبر فكرها وأيدولوجيتها المنهل والمنبع الذي يروي ظمأ المجتمع بجميع أطيافه وموزاييكه النقي ليكون بمثابة المرجع والمنظم الفكري الذي يجمع ويوفق بين كافة الثقافات المجتمعية وعاكساً لتنوعها وغناها الحضاري؟

ربما يقول البعض أنه من الصعب الجمع بين الثقافة والسياسة أو بمعنى أدق، الميدان السياسي والقيمي مختلفان من حيث الجوهر والمضمون، وقد يكون ذلك صحيحاً إذا ما أخذنا العمل بالسياسة من وجهة نظر الهيمنة والاستحواذ على السلطة، أو كما هو دارج في نهج سلطة الدولة بممارسة المكر والخداع لاستغلال المجتمع، ولكن عند تناول السياسة انطلاقاً من الرغبة في إحداث التغيير الديمقراطي في البنية الثقافية والمعرفية والقيمية ضمن المجتمع، فإننا هنا بحاجة إلى فكر وفلسفة وأيديولوجية تكون الوسيلة والأداة والموجِّه لإحداث التغيير والتطوير ضمن المجتمع عبر تلبية احتياجاته المعنوية والمادية، وباعتبار الأحزاب في الأدبيات السياسية هي جهاز وهيكلية مؤسساتية تطوعية  لتطوير المجتمع وتوجيهه نحو العمل والنضال الثوري، فهنا يجب أن يصبح الرؤية الثورية لذلك الحزب بمثابة المرآة العاكسة لقيم وثقافة المجتمع وتطلعاته نحو الحرية وإحداث التغيير الديمقراطي الذي يضمن كرامته ورقيه الحضاري.

لا شك أن الدور الطليعي الذي تبناه حزب الاتحاد الديمقراطي “ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى تأسيسه منذ 21 عام” عبر منظومته الفكرية وأيدولوجيته الثورية، استطاع أن يحتل الصدارة لتمثيل مكونات وشعوب شمال وشرق سوريا ورؤيتهم الحقيقية لحل المعضلة السورية، وذلك عبر طرحه النموذجي لمشروع الإدارة الذاتية وآلياتها المدنية المؤسساتية، وهذا العطاء الخلاق لا يزال مستمراً إلى اليوم، ويعتبر ثمرة طبيعية للتضحيات العظيمة للحركة التحررية الكردستانية عبر طليعتها وفكرها الثوري وشهدائها الخالدين العظام،  ومن هنا فإن حزب الاتحاد الديمقراطي كان دوماً هو النموذج الصاعد لالتقاء إرادة الشعوب بكل مكوناتهم وطوائفهم في وقت اعتمدت سياسة الأنظمة والأحزاب الكلاسيكية الرجعية ولاتزال تعمل من أجل السلطة والدولة وليس من أجل المجتمع ونهوضه الفكري والثقافي والقيمي، وبهذا الصدد يذكر القائد والمفكر عبد الله أوجلان في كتابه المعنون “القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية”: “إن ما يجب أن يَسري في الميدانِ الاجتماعيِّ الذي تتواجدُ فيه السياسة، هو المصالحُ الحياتيةُ للمجتمع، وسلامتُه ورُقِيُّه بُنيةً ومعنىً. بينما المجتمعاتُ التي تَغيبُ أو تضعفُ فيها السياسة، لن تتخلصَ من معاناةِ نيرِ سلطةٍ إباديةٍ واستعماريةٍ من الخارج، أو استغلالِ وقمعِ نخبةٍ سلطويةٍ وطبقةٍ استغلاليةٍ من الداخل. من هنا، فأعظمُ حَسَنةٍ يُمكنُ القيامُ بها من أجلِ مجتمعٍ ما، هي النهوضُ به إلى مستوى المجتمعِ السياسيّ. والأفضلُ من ذلك هو البلوغُ به إلى ديمقراطيةٍ دائمةٍ وبنيويةٍ تَنشطُ فيها السياسةُ الديمقراطيةُ على مدارِ الساعة. وبقدرِ تصييرِ مجتمعٍ ما أخلاقياً وسياسياً، فإنه يَغدو بالمِثلِ ديمقراطياً وحراً ومُفعماً بالمساواة”

وهنا يكمن الفرق بين حزبٍ يسعى إلى إدارة المجتمع عن طريق نشر السياسة الأخلاقية عبر بناء وتطوير مؤسساته المدنية وطرح حلول ومشاريع لانتشاله من براثن الإبادة والانحلال والصهر الثقافي، وبين أحزابٍ ونخبٍ بيروقراطية تسعى إلى استغلال المجتمع للوصول إلى السلطة القائمة على المنفعة الفردية الهدّامة عبر تكريس الهيمنة واحتكار الإرادة الحرة للمجتمع وتأطيره بطبقات ارستقراطية ممنوعة من التغير أو المساس ببنيتها المتعجرفة، حيث يمكننا القول إن حزب الاتحاد الديمقراطي  PYD خرج من ضمن معاناة شعبه وورث النضال من دماء شهدائه ليجعل من فلسفة وثقافة المقاومة حياة والمرأة حياة حرية أساساً في عمله النضالي والحزبي، ليكون بذلك في مقدمة الحراك الثوري ويصبح الأداة والوسيلة التنظيمية الأكثر فعالية في روج آفا وسوريا وأحد أهم ركائز الحل في منطقة الشرق الأوسط عامة وذلك عبر منظومته القيمية وفكره المنفتح وأيديولوجيته الثورية، حيث يمكننا القول: إن نضال حزب الاتحاد الديمقراطي وتبنيه للمنهجية الثورية هو في الأساس لترسيخ قيم ومبادئ الأمة الديمقراطية والعيش المشترك الذي يشكل صلب الفلسفة والأيدلوجية التي طرحه كَحَلٍّ أنجع للمعضلة السورية المستفحلة منذ قرابة ثلاثة عشر عاماً.

وعليه يمكن اعتبار الأيديولوجية الثورية التي تبناه حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والنهضة المجتمعية الملحمية لأبناء روج افا وشمال شرق سوريا هي النواة والبذرة التي من شأنها أن تتجذر في الجرداء القوموية لتثمر من جديد معاني قيم الحضارة الانسانية التي نشأت من رحم الشرق الأوسط والهلال الخصيب وميزوبوتاميا وكردستان وبلاد ما بين النهرين التي افتقرت الى جذورها الثقافية والمعرفية والتكوينية منذ أمدٍ بعيدٍ بفعلِ الهيمنات المركزية المتوحشة وأدواتها القوموية والدينية الاستبدادية والإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى