تقارير

حتى زيتونُ عفرين سيقاوم…

تتزامن المحاولات التركية لاجتياح عفرين مع حِراكٍ دوليٍّ وإقليمي لتحريك وإحياء المفاوضات والتسوية السياسية بين مختلف الأطراف السورية؛ سواءً في جنيف أو آستانا أو حميميم أو سوتشي مؤخراً، إلى جانب بروز دورٍ للقوى التي تعمل بصمت (القاهرة). في هذا الاتجاه يسعى الأتراك أبناء الطورانية والفاشية ومعهم الغربان لارتداءِ ملابس اليمامة للتغطية على مخططاتهم على الأرض؛ لكننا متأكدون من أن مسارحهم وملاعبهم عنوانها القتل والتدمير، وشرابهم الدماء؛ لأنهم لا يجيدون غير ذلك. إن التحرك التركي الخبيث وبترتيبٍ مُسبقٍ مع “الأخوة الأعداء”، وأصدقاءٍ انقلبوا لخدمة أهداف ومصالح خاصة بهم؛ مكشوف لنا، وهم جميعاً يعلمون أن ما يميز هذا البلد هو فطنة شعبه وصحوة قواته المرابطين والمتحركين فوق كل أرض وتحت كل سماء، وأينما شعر أن هناك ما يهدد أرضه وشعبه. لذلك فلا خوف على هذا الوطن الذي وُلِدَ في النار، وحان الوقت لأن يستمع الجميع لصوت الشعوب، وأن تعي بأن الوقت قد حان للتغيير قبل أن يتحول البلاد للنافذة المُشرعة والثغرة التي قد يعبر من خلالها الأشرار.

الموقع الجغرافي لعفرين

مدينة عفرين تقع في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق في لواء اسكندرون، والنهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان إكبس حتى كلس، من الشرق سهل اعزاز ومن الجنوب منطقة جبل سمعان.

منطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 – 1269 م فوق سطح البحر، أعلى قمة فيها الجبل الكبير ( كري مزن Girê Mazin) الذي يُعَدُّ جزءاً من سلسة جبال طوروس، يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 55 كم، وطولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، وهكذا تساوي مساحتها حوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا تقريبآ.

إن منطقة عفرين متنوعة الجغرافية بين السهول والجبال، ويمرُّ بها نهر عفرين؛ الذي يمتدُّ في سوريا ما يقارب 85 كم، ويُعْتَبَرُ هذا النهر وروافدهُ من أهم المصادر المائية لهذه المنطقة الزراعية.

عدد سكان عفرين يبلغ حوالي 50 ألف نسمة، تتألف بالإضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح هي: (شران، شيخ الحديد، جنديرس، راجو، بلبل، المركز ومعبطلي) و366 قرية، يبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين (523,258) نسمة* حتى تاريخ 2010. الغالبية العظمى من السكان هم من الكُرد

عفرين تاريخياً

يقول د. محمد عبدو علي؛ وهو كاتبٌ وباحثٌ كُردي، ومهتمٌ بالتاريخ الكردي وتاريخ منطقة عفرين- وجبل الأكراد- بشكلٍ خاص في كتابه “جبل الأكراد”:

كانت منطقة  (عفرين ) لقرونٍ طويلة إحدى مناطق العبور الرئيسية من الأقسام العليا من بلاد الرافدين وبلاد الشام إلى ساحل البحر المتوسط وآسيا الصغرى، ومنها كانت تمرُّ الطرق المؤدية إلى انِطاكية من جهتي الشمال والشرق.

وهي منطقة غنية بالمياه، أراضيها خصبة، الأمر الذي جعل منها عبر العصور منطقة استيطان هامة، ومحلَّ نزاعٍ وتنافسٍ بين دولٍ وأقوامٍ مختلفة عرقياً وحضارياً، ولذلك شهدت أكبر الأحداث أهمية في تاريخ الشرق الأدنى.

ويأخذ جبل الكرد؛ اسمهُ من القوم الذي يقيم في أرجائه وهم الكُرد، وهي تسميةٌ قديمة للجبل، ولا نعرف تسمية أخرى غيرها، واستعمله العثمانيون قبل ذلك، ويسميه الكرد بلهجتهم المحلية “جبل الكرمانج”، والكرمانج هي تسمية لإحدى لهجات الكُرد أيضاً.

تركيا ومساعيها لتفكك المجتمع السوري من الداخل

سَعَتْ تركيا ومرتزقتها ومن تعملُ بأجنداتها؛ دوماً إلى تفكك الداخل السوري للمجتمع السوري، وتحديداً تغذية الخلافات والتصنيفات والتحالفات، وايديولوجيا الفكر المتطرف، فعندما يطرق الأجنبي الأبواب لن يستطيع أن يدخل ما لم يجد من يفتح له الباب من الداخل، وهذا هو الشيء الذي يعاني منه المجتمع السوري، وهذه هي الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة التركية في سوريا والمنطقة، بالعمل على خلخلة المجتمع السوري من الداخل، ومحاولة تفتيت الأسس الثقافية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف التماسك الداخلي، وزرع الفرقة والاختلاف بين أفراد المجتمع السوري وخلق فتنة طائفية تزرع الحقد والكره بين كافة الأقليات والاثنيات الدينية.

لماذا تركيا؟

شهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام التركي بمنطقة الشرق الأوسط  وقضاياها، لاسيما بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، وحرص قيادات الحكومة الجديدة علي تأكيد تبنيهم رؤية مختلفة نوعياً لسياسة تركيا، وعلاقاتها الخارجية في الدوائر المختلفة، وبخاصة في الدائرة الشرق أوسطية. صاحَبَ ذلكَ زيادةَ حضورِ الدورِ التركيِّ ونشاطهِ في العديدِ من القضايا المحورية في المنطقة، سواءً فيما يتعلق بالأزمة السورية، أو الصراع في المنطقة بمساراته المتعددة.

وقد أثارَ هذا الدور التركي بأبعاده المتعددة الجدلَ حولَ طبيعة وحقيقة الدوافع المُحركةِ لهُ بين اتجاهاتٍ تُبْرِزُ الطابع البراجماتي للسياسة التركية، وتؤكد تحول السياسة الخارجية نحو الشرق في إطار استعادة تركيا ذاتها العثمانية والإسلامية تحت قيادةِ حزبٍ ذي مرجعية إسلامية، وأخرى تؤكد استمرار التوجه الغربي لتركيا، وأدوارها بالوكالة في المنطقة، مع ارتباط نشاط تركيا بمساعيها لزيادة أهميتها الاستراتيجية؛ لتعزيز فرص انضمامها للاتحاد الأوروبي.

بجانب الدور التركي كنموذج وفرت ما يسمى بثورات الربيع العربي مجالاً لنشاط تركيا في طرح دورها كطرفٍ ثالثٍ ووسيطٍ في معالجة خلافات الدول الإقليمية وخاصةً العربية منها، ومحاولة الحد من امتداداتها الإقليمية، والتدخلات الدولية فيها، مع التركيز التركيِّ علي المداخل السياسية والدبلوماسية بشكل أساسي، سواءً في صورةِ الضغطِ السياسيِّ بدرجاتٍ متفاوتةٍ على الحكومات، أو باستضافةِ مؤتمراتٍ لبعض قوى المعارضة السورية المُرتبطةِ بها.

أسباب تراجع الدور التركي

 لقد تراجعَ الدورُ التركيُّ في المنطقة سواءً علي مستوى الحضور أو الجاذبية أو الاهتمام، أو حتى من ناحية الفاعلية والتأثير. و ذلك بسبب أسلوب تعامل تركيا مع الثورات في البلدان المجاورة، والإدراك السلبي لسياسة الأتراك، سواءً من قِبَلِ الشعوب، أو النُخَبِ الحاكمةِ في دول الجوار والعالم، فالمواقف التركية إزاء الثورات بدأت تهدد تركيا بفقدان مصداقيتها لدي شعوبها وشعوب دول الجوار.

 وهذا ما زاد من تعرض علاقاتها وكل استراتيجياتها العميقة للانكسار، وعلى كل الأصعدة، ليس فقط مع سوريا بل مع العالم كله.

أخيراً؛ تراجع الدورُ التركيُّ بعد ولادةٍ جديدةٍ  لفكرٍ ونهجٍ جديدٍ ومتطورٍ اعتمدته شعوب ومكونات المنطقة، والشركاء في الأوطان. ووجدت هذه المكونات أنه السبيل الأمثل للتعايش بين جميع فئات الشعب، وعلى مختلف انتماءاتهم، وبالمقابل انكفاء تركيا على ذاتها؛ الأمر الذي حالَ دون امتداد تأثيرات التطورات الراهنة في المنطقة في صورةِ تصديرِ الثورة، أو عدم الاستقرار إلى داخل تركيا ذاتها؛ بسبب عوامل الضعف الكامنة في بنية مجتمعها. ويشير المسؤولون الأتراك بوضوح في هذا الصدد إلى المخاوف من تأثير الأوضاع في سوريا تحديداً في تعزيز قدرات الشعب التركي للوقوف في وجه جلاديه، مع تخوفٍ أكبرَ من انتشارِ تأثيرات الأوضاع في المنطقة عامة وسوريا خاصة -لاسيما حال استدعاء الأبعاد الطائفية والاثنية- علي نحوٍ يؤججُ مطالب الشعوب في تركيا.

الإعلام الدولي ينحاز إلى جانب الأتراك

إنَّ قضية تركيا قضيةٌ شائكة؛ وهي الآن تستنزف نَفْسَها بِنَفْسِها على العكسِ مما تطرحهُ من مخططات توسعية، حيث تسعى إلى بناء امبراطورية على حساب الوطن العربي والمنطقة، وتركيا اليوم هي أكثرَ هشاشةً من الداخل، خاصةً إذا أدركنا أن تركيا تستنزف نفسها في سوريا والعراق، وهي الآن ليست قادرة على تحملِ تكاليفِ إنشاءِ الامبراطورية، وهي لم تعد بتلك القوة المُرعبة التي وضعت أمامنا.

 هشاشة الداخل التركي واضحة؛ لكن يبدو أن هناك تواطؤاً من الإعلام العالمي بهذا الشأن الذي لا يشير إلى المشاكل الداخلية التركية، حيث تقع أحداث عديدة، ولكن للأسف الإعلام لا يركز عليها كثيراً، وهي أحداث أمنية مميتة. أن تركيا من الداخل متهالكة وتهرب من مشاكلها الداخلية إلى الانشغال بالمشاكل الخارجية.

عفرين ستكون مقبرةً للجنود الأتراك

مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن

قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن: “إن التدخل  التركي في شمال سوريا هدفه عفرين وليس إدلب؛ كما يُشاع، وفي تصريحه للإذاعة البريطانية بي بي سي قال عبد الرحمن: “إن عفرين  ستكون عصية على القوات التركية خاصة بعد تلقي القوات الكردية تدريبات كبيرة خلال السنوات الماضية”. وأضاف بالقول: “اعتقد أن عفرين ستكون مقبرةً للجنود الأتراك”.

وحول تصريحات الرئيس التركي عن انتهاء العملية العسكرية التركية في إدلب قال عبد الرحمن: “من أين انتهت العملية العسكرية؟ وكيف؟ فدخول القوات التركية إلى إدلب كان بحمايةٍ ومرافقةٍ من جبهة النصرة، وهذا ما يؤكدُ أن القوات الكردية هي العدو الحقيقي للجيش التركي وليس أي أحدٍ آخر”.

الحياةُ الحرة تولدُ من رَحِمِ المقاومة

لاوند ميركو شاعر و كاتب من عفرين:

عفرين ومواقعها الأثرية على لائحة التراث العالمي ضمن إطار المدن المنسية؛ أصبحت في فوهة المدفع العثماني بعد حصارٍ دام لسنواتٍ في سبيل كسر إرادتها في الحياة الكريمة المبنية على التعايش السلمي بين مكوناتها العرقية والأثنية، ووقوعها بين مطرقة المجاميع المرتزقة والسندان التركي سراً وعلانية.

عفرين التي قدمت آلاف الشهداء على مذبح الحرية؛ صارت اليوم الهدف العلني والمباشر للسلطان العثماني وجيوشه الإنكشارية وتوزعها بشكلٍ مكثفٍ على حدود هذه المقاطعة؛ سواءً من داخل الأراضي التركية أو في إدلب واعزاز بين معبري باب السلامة وباب الهوى، وتمتد حتى تخوم تل رفعت شرقاً ومن قلعة سمعان وجبل الشيخ بركات ومنطقة أطمة التي تشرف على سهول جنديرس الخصبة وبعض قرى شيراوا في مقاطعة عفرين.

المشكلة الحقيقية التي تعترض القوات المتحفزة للانقضاض على عفرين؛ أنها لاتضع في حسبانها إرادة الشعب في عفرين موضع الحسبان، هذا الشعب الذي قال كلمته منذ أواخر القرن الماضي” إن الحياة الحرة تولد من رحم المقاومة” وهو مانجده اليوم  يتردد على لسان الصغير قبل الكبير ..سنقاوم العدوان التركي حتى ولو تخلى العالم كله عنّا .. ولا يمكن ﻷحدٍ أن يُضحي بذرةٍ واحدةٍ من تراب عفرين، حيث تجد جميع أطياف الشعب ملتفة حول وحدات حماية الشعب والمرأة، ولسان حالهم يقول تركيا ستحترق في عفرين، ودخول الجيش التركي إلى أراضينا انتحار حقيقي فهنا ليست جرابلس أو إدلب أو الباب هنا وطنٌ لشعبٍ لا يموت.

مهما حاولت تركيا فلن تستطيع النيل من عزيمة الشعوب

 من جانبها عن مدينة عفرين تحدثت المُحررةُ في صحيفة روناهي سوزان علي:

 “تسعى دولة الاحتلال التركي منذُ بدءِ الثورة في الشمال السوري إلى إفشالها بانتصاراتها وفكرها الديمقراطي الحرّ، الذي يناهض الفكر الدولتي القوموي، ويُكشفُ عن ألاعيبها وسياستها ومخططاتها في معاداة شعوب المنطقة، حيث قامت بالتدخل في الشأنِّ السوريِّ بشكلٍ غير مباشرٍ من خلالِ دعم المرتزقة وإدخالهم إلى الأراضي السورية عبر أراضيها، وإمدادهم بالسلاح والعتاد ودعمهم مادياً، كما وتدخلت بشكلٍ مباشرٍ من خلال إرسال قواتها العسكرية إلى أراضيها؛ في محاولةٍ منها لاحتلالها وإفشالِ ثورة روج آفا وشمال سوريا؛ كما ذكرتُ آنفاً.

 وما احتلالُ كلِّ من جرابلس وإدلب إلا محاولةُ منها في الدخول إلى عفرين واحتلالها والاستيلاء على خيراتها، وقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية في الوصول إليها، ومنعها من التقدم. وكذلك منع ربط الأقاليم ببعضها، وممارسة سياسة التتريك فيها؛ برفع علمها على مؤسساتها ومراكزها، وتدريس اللغة التركية في مدارسها؛ كما فعلت في كل من الباب وجرابلس.

تحججت الدولة التركية قبيل دخولها إلى إدلب واحتلالها لها؛ بإقامة منطقة عازلة وحماية السوريين فيها، إلا أن مساعيها الحقيقية كانت احتلال عفرين وضرب أخوة الشعوب ببعضها، وقطع إقليم عفرين عن الأقاليم الأخرى لفيدرالية شمال سوريا؛ حيث قامت بمحاصرتها وإطلاق المدافع عليها وقصف قراها؛ في محاولة منها لترهيب الأهالي فيها وتهجيرهم وإفراغها من ساكنيها، والقيام بالتغيير الديمغرافي للمنطقة وبالتالي تتريكها. وشَكَّلَ عدمُ بلوغها لمآربها في الدخول إلى الرقة واحتلالها؛ دافعاً لها في شن هجماتها على عفرين ومحاولة احتلالها عبر دخولها إلى إدلب. مهما حاولت تركيا حَبْكَ المؤامرات على الكُرد والشعوبِ الأخرى في المنطقة، ومارست سياستها التعسفية؛ فلن توهن من عزيمة الشعوب والتخلي عن فكرهم الديمقراطي الحرّ، على العكس تزيدهم هذه الممارسات إصراراً في الوصول بالثورة إلى مبتغاها وأهدافها السامية”.

خاتمة :

المُفارقة أنه يتضح اليوم وبجلاء التطرف والإرهاب بأن الشعب الكردي لن يرفع “الراية البيضاء ” مهما بلغَ إجرام الاحتلال التركي، وأنهُ لن يتخلى عن صموده ومقاومته مهما رفعت تركيا من منسوب جرائمها وعدوانها، أليس هذا هو واقع الحال!؟

نؤكد أن هذه المحاولات لن تنطلي على أحدٍ بعد اليوم، لكنها تملي علينا نحن الكرد خاصة وشعوب المنطقة عامة أن نعدَّ لها؛ لأن الشعب والأرض هما وقودها، والمطلوب اليوم وبعد انفضاح الأسطورة التركية, تعظيم الصمود والمقاومة في وجه كل من تسول له نفسه بالتقرب من الشعوب المتعايشة. خاصة أن مجرد رصد بسيط للأوضاع التركية يتضح جلياً أن الوقت هو بداية نهاية هزيمة شاملة للنهج القوموي التركي؛ كونه ينطلق من مفاهيم عنصرية ومن خارج أخلاق التاريخ، وهذا لم يعد مقبولاً اليوم. والفارق في هذا السياق هو أن حكومة العدالة والتنمية بذاتها تصنع وتغذي وتحقق هذه التحولات داخل مجتمعاتها، فلا تكبحها ولا تعالجها.

 من هنا نقول لقد قفزت هذه اللحظة إلى الواجهة لدى الشعوب المختلفة في تركيا.

لقد عملت ودأبت الحكومة التركية على استهداف سوريا عملياتياً وسياسياً وسيكولوجياً، ولقد حاولت الولوج عدة مرات مستغلة الأزمة التي تمر بها إلا أن محاولاتها جميعهاً باءت بالفشل.

 لكن هؤلاء سيستمرون في محاولاتهم لضرب النسيج الوطني، وزعزعة الثقة العامة للمواطن السوري بوطنه ومستقبله، فأظهر المواطن في الشمال السوري خاصة؛ فطنةً رسمت ملامحها هبّاتهم واستنفارهم كلما دعا داعٍ لذلك، وكانوا ببساطتهم المعهودة خير ناطق باسم هذا الوطن ليرصد تحركات الأتراك ومرتزقته داعش.

إن أحد أهم عوامل قوة وتماسك الأمم والدول هو اللحمة والنسيج الاجتماعي القوي القائم على الوفاق والاتفاق على ثوابت عامة لا خلاف عليها بين الجميع. إن الاختلاف في المقابل على تفاصيل تتعلق في التشريع والممارسة والحياة السياسية ودور المعتقدات وغيرها هو أمر صحي لا يستدعي أن ننصب العِداءَ لبعضنا، بل يستوجبُ البناءُ على هذا الاختلاف واستثماره بالطرق المثلى لينتج إضاءات يمكن تطويعها لخدمة المجتمع بكافة اتجاهاته الاجتماعية والسياسية والعقدية.

إن معظم الدول القوية قامت على الاستثمار في الاختلافات والتعددية لخدمة الهدف الأعظم، وهو النهضة في كل المجالات؛ ولأننا جميعاً نحب بلدنا ونريد له الخير؛ فعلى جميع الأطياف السياسية أن تعي أهمية الإيمان بذلك، وأن تعمل على تحقيقه بعيداً عن فكرة الإلغاء والاقصاء. هكذا نحمي النسيج الوطني بكل أطيافه وألوانه وتوجهاته وهكذا نحمي استقرارنا الاجتماعي.

قوتنا في تماسكنا وفِي قدرتنا على مواجهة مشاكلنا معاً. قوتنا تعتمد على مقدار استعداد كل واحدٍ فينا لأن يتنازل لأجل الوطن بكليته، وأن يترفع عن تعظيم الذات من أجل الوطن وشعبه؛ كل شعبه. فلنكن كذلك؛ ولنقطع الطريق على كل من يريد بِنَا سوءاً, ويجب أن تكونَ وطنياً بالممارسة وليس فقط بالأقوال.

تحقيق :مصطفى عبدو

زر الذهاب إلى الأعلى