مقالات

تنوع الثقافات نافذة لقيادة المجتمعات

مصطفى عبدو

يقول المفكر مونتسيكيو في كتاب “قوانين الروح”: “إن الطبيعة هي التي تحدد نوع الدولة، أو نوع العلاقات بين الأفراد التي تحدد بالتالي شكل الدولة”. فأي طبيعة هي المسيطرة على المنطقة الآن غير طبيعة التطرف والإرهاب؟ وأي مشروع أفضل من مشروع الأمة الديمقراطية.

هذا الذي يؤمن بالثقافات المتنوعة، وصولاً إلى مجتمع متعدد الثقافات ذي قيمّ مشتركة. يمكننا بكل سهولة أن نتصور مستقبل المنطقة السعيد، يعيش فيه الجميع بسعادة وانسجام، وتزدهر فيه الثقافات المتنوعة، ويتمتع فيه جميع الشعوب بالحرية والرفاه.

من هنا كان البحث عن أنماط جديدة من التعاون والتكامل بين الشعوب, وإيجاد بيئة من الثقة ونبذ المواجهات العرقية والدينية، وكل أشكال التفرقة  فيما بين الثقافات المتنوعة.

في ضوء ما يحدث راهناً وفي ضوء تحدي العصر يتطلع كل منا الى المستقبل بشوق ولهفة.  لقد ضاق بنا الكون ولم تعد حياة العزلة والانطواء ممكنة، علينا مجابهة الأحداث المتسارعة .الأمر الذي يستدعي بذل المزيد من الجهود ليتعرف كل منا على الآخر بطريقة أفضل، وتعزيز فرص تبادل الآراء المتاحة وصولاً لفهم أفضل وأوسع بين المجتمعات الإنسانية، وسعياً إلى ترسيخ علاقات اجتماعية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل بين الجميع، ونشر المعلومات والرؤى في إطار تعزيز ثقافة الحوار، والتسامح والاحترام، والتعايش السلمي بين الشعوب.

إنه التثقيف الذي يبرز أهميته لجموع المواطنين؛ شرط أن يبلغ من العمق ما يجعلها تغدو وكأنها ثابتة وفطرية في الإنسان، وتنعكس في سلوكه وتصرفاته بصورة لا شعورية. نريدها ثقافة عميقة المفاهيم، واسعة الآفاق، مستمرة الانفتاح، تتطلع إلى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، وبميزان واحد. نريدها ثقافةً تليق بتراثنا وبما نحن عليه الآن من راسخ الإيمان بالإنسان وبكرامته. نريد بالفعل حياة غير معقدة تدر علينا الروح وترسخ التسامح وفهم الآخر، حياة تؤمن بالأخوة الإنسانية الصحية وبالمحبة، وتسهمُ في تقريب الحضارات من بعضها على الصعيد الإنساني والأخلاقي.

القيم الإنسانية لا تتجزأ لا بالمكان ولا بالزمان، لا تستطيع أن تساند حق. دون أن تساند حقَّ الآخر. كما لا يمكننا تطبيق شعارات قديمة مضى عليها الدهر على مناخ اليوم، وعلى كل طرف أن يعيد حساباته. إن التحديات العالمية والتطور التقني المتسارع، والانفتاح العالمي تؤكد حاجتنا الماسة إلى كل شكلٍ من أشكال التثقيف والتقرب من الآخر، وترسيخ مبدأ التسامح والتفاهم، وتأسيس علاقات إنسانية وبيئة عمل صحية تؤدي في النهاية إلى تكريس قيم المحبة والسلم الاجتماعي. أن السعي إلى التقريب بين الثقافات المتنوعة يساهم في جعل العالم أفضل من خلال وجود بيئة سليمة تؤثر على أسلوب البشر في التعامل مع بعضهم البعض، وحتى في طريقة كلامهم وتعبيرهم عن أفكارهم. إن هذا الاختلاف يجب أن يُدارَ بطريقة صحيحة ليكون نقطة ايجابية تصب في صالح المجتمعات.

زر الذهاب إلى الأعلى