مقالات

المقاومة في مجابهة الاحتلال والثورة المضادة

خلال السنوات السبع الأخيرة من عمر الأحداث المأساوية التي عصفت بسوريا شعباً وأرضاً واستهداف بنيته المجتمعية والمعيشية على حد سواء كان لابد من مشروع إنقاذ وطني يُحدث ثورة حقيقة وتغييراً ديمقراطياً يمكن البناء عليه في وسط هذه المعمعة الهدَّامة التي فُرضت عليه من قِبل قوى دولية وإقليمية تسعى إلى تحقيق مصالحها المادية والمنفعية وبسط نفوذها التوسعي دون الاكتراث بأدنى المعايير الأخلاقية والإنسانية في أن يعيش المواطن السوري بحريته ويتمتع بكرامته. وفي ظل هكذا صراع كارثي على سوريا كدولة محورية في الشرق الأوسط لتمرير المصالح الدولية المتضاربة وعدم النظر إليها كوطن وأمة متعددة الأطياف ومتنوعة الثقافات والأديان؛ أصبحت الأزمة والصراع أكثر عمقاً وتنافراً حيث يمكننا القول: “إن أطراف الصراع في سوريا أصبحت عديمة الانتماء إلى المجتمع السوري وتحولت إلى أدوات لتفكيك النسيج المجتمعي الذي بات أمام انهيار تام للمنظومة القيمية والأخلاقية وأصبحت عبارة عن مجاميع راديكالية متشددة تفتك بأي شيء من شأنه أن يعيد تلاحمه وتماسكه الأصيل، وهذا ما بات واضحاً للعيان في الغزوات الإرهابية التي استهدفت روج آفا وشمال سوريا بدءً من غزوة سري كانيه ومروراً بكوباني وانتهاءً باحتلال عفرين, والتي لم تكن سوى مخططات ومؤامرات دولية وإقليمية لضرب المشروع المتمثل بالفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا الذي حافظ على التماسك المجتمعي والتنوع الثقافي السائد، ومنعته من الانحدار إلى المستنقع الطائفي والعنصرية الهجينة والدخيلة على البنية القيمية والأخلاقية للمجتمع السوري؛ وذلك بصد الغزوات الإرهابية للمجاميع المستحدثة في أقبية الاستخبارات الدولية من أمثال داعش والنصرة وأخواتها وانتصرت عليها في كل معركة خاضتها ضد هذه المجاميع لتضطر تلك الدول الإقليمية (تركيا وقطر) إلى التدخل مباشرة وبشكل علني لإنقاذ مجاميعها الإرهابية وتحقيق ما عجزت عنها فصائلها الإرهابية في تقسيم سوريا واحتلالها وذلك عبر صفقات ومقايضات قذرة كانت ضحيتها الشعب السوري وعلى وجه التحديد في عفرين والغوطة تماماً كما حدث من قَبْل في حلب وحمص وغيرها من المدن السورية، فهدف دولة الاحتلال التركية من هذه الحرب الظّالمة هو تهجير أهالي عفرين وإفراغها من سكانها الأصليين وارتكاب إبادة عرقيّة بحق الكُرد لتوطين المجاميع الإرهابية المرتبطة بها وتكون أداةً يستخدمها ضد كافة المكونات الاجتماعية في سوريا ومع ذلك بقي شعبنا على أرضه مقاوماً قرابة الشهرين رغم وحشيّة هذه الهجمة.

بات واضحاً أنّ ما حدث في عفرين ما هو إلا نتيجة ضوءٍ أخضرٍ روسيٍّ للنّظام التركي ليقوم بحربه الاحتلالية ضد مكونات الشعب السوري, والمقايضة الرخيصة بين تركيا وروسيا على كلٍّ من عفرين والغوطة هي جزءٌ من هذا المخطّط.

إن موقف الفاشية التركية واضح من الشعب الكردي وحقوقه فهي كانت ضده دائماً ومستعدةٌ للدّخول في أيَّة صفقةٍ قذرةٍ في سبيل منع الكُرد من العيش بحريّةٍ وكرامةٍ وكان على رأس أدواتها في هذه السياسة هي استخدام بعض ممن ادعوا الكردية الذين باتوا معروفين بعمالتهم للمحتلين مقابل بعض المكاسب الشخصية على حساب القضية العادلة لشعبنا وفي مقدمتها مجلس أنكسي الذي يقبع ويدار من استنبول.

إن الشعب في روج آفا وعموم سوريا بات الآن وجهاً لوجه مع إرهاب الثورة المضادة والعنف المكشوف الأشد من أي وقت مضى، وقد أصبح بحاجة ماسة ومُلحَّة إلى التحرر من إرهاب الثورة المضادة التي لا ترحم، والعمل بشكل دؤوب على البحث عن طُرُق وأساليب لمجابهة هذه المجاميع النفعية الهدَّامة وأدواتها في الحرب الخاصة؛ وذلك بالعمل على التنظيم الشعبي والثوري الذي يستطيع أن يجذِّر الثقة بعدالة قضيته ويؤمن به من أعماق قلبه ويخصه بكل دعم, فالشعب في عفرين وعموم روج آفا وشمال سوريا لم يكتفي بالكلام وحده بل إضافة إلى الكلام هنالك تحركات صحيحة وأعمالٍ سليمة، والتي كانت ماثلة للعيان طيلة العمل النضالي الذي قلَّ نظيره في مقاومة العصر في عفرين؛ والتي دخلت شهرها الثالث  دون كلل وهوادة في مجابهة الاحتلال ومجاميعه الإرهابية، وهنا ينبغي التأكيد على إعادة تأطير العمل النضالي الثوري وتطويره بأساليب وطرق جديدة لمجابهة الاحتلال وأدواته التي يستخدمها في الثورة المضادة, والتي بدأت فعلياً على الأرض عبر إعلان القوَّة الثورية المتمثلة بوحدات حماية الشعب والمرأة عن دخول الثورة مرحلة جديدة لدحر الاحتلال ومجاميعه الإرهابية وأدواته العميلة في الثورة المضادة.

حيث يقول القائد عبد الله أوجلان في هذه النقطة بالتحديد: (في مثل هذه المراحل تبادر البرجوازية بسرعة نفسها، لأنها تهرب من الممارسة الثورية، من المقاومة والنضال كما لو كانت تهرب من الوباء. إنها لا تبدي أية مقاومة لإرهاب الثورة المضادة المسعورة فضلاً عن تخليها اليوم عن سائر المزاعم والشعارات التي كانت تطلقها بالأمس بكثير من البطولة في أجواء من التحلل والتفسخ والزوال بعد التمزق، ولدى ظهور إخفاق ممثلي هذه الطبقة في متابعة النضال الثوري بشكل واضح راحوا يحاولون تأمين حياتهم الشخصية ومصالحهم الأنانية عن طريق الارتباط بهذه القوة  الإمبريالية أو تلك أو اللجوء إلى هذه الحركة الانتهازية أو تلك، لقد تخلوا عن قِيَم الاستقلال والمقاومة النبيلة تماماً، وسقطوا في وحل الجري وراء المصالح الأنانية؛ غارقين في هموم كيفية الخلاص الذاتي وكيفية تصحيح الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي، وكيفية استعادة النظام الذي اهتز من أساسه، ومع كيفية الحصول على كميات أكبر من فتات الموائد.

تطورات هذا السيد المحترم الذي هو أفضل من نطق باسم البرجوازية الصغيرة فإن من الممكن الوقوف بسهولة على سائر صفات وسمات هذه الطبقة كلها في الوقت نفسه، ولذا لا تبقى أية حاجة للانشغال بالكتابة عن مختلف الفئات الأخرى المنضوية تحت لواء هذه الطبقة. فيما تتابع مختلف الفئات البرجوازية وضعها المنحط لأقصى الحدود؛ ترى في الجهة المقابلة البروليتاريا التي تسترشد بالماركسية اللينينة، وحتى الممارسة العملية دون الأخذ بعين الاعتبار قلة العدد وصعوبة الظروف).

ومن هنا يمكننا القول إن النموذج الحي والضمير الثوري والوجداني لمجابهة الاحتلال وأدوات الثورة المضادة تتجسد بشكل جلي في وحدات حماية الشعب والمرأة YPJ-YPG وأن هذا الانموذج من النضال النقي  بإمكانه صد هذ العدوان والانتصار عليه وذلك عبر تكاتف الشعب حوله وإيمانه بقداستهم وتفانيهم وتضحياتهم والتي أثبتت الوقائع ليس للشعب في روج آفا وشمال سوريا فحسب بل للعالم أجمع؛ نبل مقاومتهم وصدق فلسفتهم ومبادئهم، إضافة إلى أنها غزيرة بقيمها الصادقة التي سُقيت من دماء الشهداء ورُسخت بنماذج لامثيل لها من المقاومة والفداء.

زر الذهاب إلى الأعلى