مقالات

الديمقراطية المعلبة في صناديق الإقتراع

حسين فقه

الديمقراطية هي عقد إجتماعي بالدرجة الأولى ، وتتميز بالصيرورة والديمومة مادامت العملية السياسية قائمة ، وأي فعل ديمقراطي ينتهي بإنتهاء تحقق غايتها ينفي عنها صفة الديمقراطية ، ولأن الإنتخابات ليست الشكل الأوحد والمرحلة الوحيدة للديمقراطية فإن مناقضة نتائج الإنتخابات هو الشكل الأوسع لمناقضة الديمقراطية والبدء بديكتاتورية مغلفة بديمقراطية مزيفة ، وبتوصيف أدق لا توجد طرق مختصرة نحو الديمقراطية ، وهي لا تبدأ وتكتمل بإنتهاء النظم الإستبدادية كما ولا يمكننا البدء بها ما لم ينتهي الإستبداد . ولو توخينا الحذر قليلاً بإطلاق صفة الديمقراطية مبكراً على ممارساتنا لتداركنا الإصطدام بالأفعال المنافية لها ، والتي سيكون الحرب أوفى صورة لتعبيرات تلك الإرتكابات “الديمقراطية ” ، الإنتخابات التركية وحزب العدالة والتنمية نموذجاً .

كيف يمكن لنا تسمية حزب وحكومة بالديمقراطية وديدنها الغاية الإنتخابية المؤقتة من كل ممارساتها ، فكيف لحكومة تمسك بالديمقراطية بيد أن تمسك بالسلاح باليد الأخرى ، بل كيف لحكومة تقبض على السلاح لإستخدامه إن خرجت نتائج الإنتخابات بعكس إرادتها أن توسم بالديمقراطية . مفاد القول أن العملية الديمقراطية ليست ثابتأ نتدرب عليه متحولين وليست متحولا نمارسه ثابتين ، فما بين الثابت والمتحول سياسياً خط توتر ميزانه الحساسية المفرطة تجاه مقومات الإنتصار والهزيمة سواءً على المستوى السياسي أو الفعل العسكري وتبلوراته السياسية .

فلنحرج من معطف غوغول لنستكشف طربوش أردوغان العثماني

سيناريو أردوغان لم يسر كما يبتغيه فحزب الشعب الجمهوري مجروح بعمق من أردوغان وعلى مستوى رئاسة هذا الحزب كمال كيليجدار أوغلو والنيل شخصياً منه أحياناً ، وهذا ما أثبتته المحادثات . أما حزب الحركة القومية والذي كان المراد منه أن يتحول إلى أداة لتشكيل حكومة أقلية ولتمارس العمل الحكومي كحكومة حرب في الظرف الراهن وبالتالي يتحاصص فيه كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية قرار الحرب – ورغم أنه من الواقعي بل من الأصح أن نعتبر حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهتشلي هو العدو الواضح والصريح لأي حق كردي في شمال كردستان ، إلا أن حزب العدالة والتنمية هو العدو الأكبر وذلك على مستويين المستوى القومي التركي ، والمستوى الاسلامي المعادي لكل حق كردي ولو كان في الصين – إلا أن غاية حزب العدالة والتنمية كان مسح جريمته في إغتيال إتفاقية السلام مع حزب العمال الكردستاني بحزب الحركة القومية . ورغم أنه كان متوقعاً أن لا تنجح أي محادثات بين حزب العدالة والتنمية والكتل البرلمانية الأخرى لتشكيل حكومة إئتلافية إلا أن هذا السيناريو هو الذي كان مطلوباً ، فالخلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطية معروف ولا يحتاج لأي توضيح والذي يتمحور حول حل القضية الكردية في شمال كردستان حلا عادلا ، وخلافات حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري خلافات عميقة وشرخ لا يمكن لأي إغراءات حكومية لردمه ، ابتداءً من الدستور إلى الحالة السورية والسياسة الخارجية التركية وإنتهاءً بعلمانية الدولة ، أما حزب الحركة القومية والتي إشترطت ثلاث بنود للإتفاق مع حزب العدالة والتنمية والتي كانت تتلخص في

  • التخلي عن النظام الرئاسي
  • عدم التقدم لتعديل الهوية والهيكل المركزي التركي إذا ما إستمرت الجهود من أجل دستور جديد

وإستبعاد الشخصيات المتورطة بملفات الفساد

  • التخلي إلى الأبد عن مبادرة السلام مع حزب العمال الكردستاني .

والتي كانت أبعد عن أي إتفاق ممكن ، أقله على المدى المنظور

وكما أسلفت هذا السيناريو هو الذي كان مرسوماً أردوغانياً فهدف أردوغان ليس بهيمنة حزب على الحكومة التركية بل هيمنة شخصه فوق الحزبي بل وفوق الدولة على الدولة ، وهذا ما نتج بالضبط عن كل ممارسات حزب العدالة والتنمية ومحادثاته مع قوى المعارضة والتي لم تتجاوز عنوان ( تفاهمات على الخلافات ) .

وما يتناساه أردوغان وحزبه في المعادلة الإنتخابية هو أن أي تعبئة قومية تركية في الإنتخابات المبكرة التي يسعى إليها جاهداً بوضع العراقيل أمام كل المحادثات التي أجراها مع أحزاب المعارضة للوصول لتلك الانتخابات من شأنها أن تُفعِل الماكينة القومية الكردية أيضا بإتجاه التصويت الكردي لحزب الشعوب الديمقراطية عداك عن اليسار التركي .

فالديمقراطية التركية الآن بين هلالين ، هلال العلم التركي ومؤسسه الأتاتوركي مصطفى كمال ، وهلال الإسلاموية العثمانية بعدالة التنمية المرمزة بشعار المصباح الكهربائي والذي ينقصه تيار يمده بالعدالة ومن ثم التنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى