مقالات

الاعتراف بفشل إنتاج دولة ديمقراطية مدخل الحل ..!

دوست ميرخان

 يُعتبر يوم الاستقلال بالنسبة للشعوب التي كافحت وقاومت الاستعمار يوماً مجيداً؛ له دلالاته وخصوصيته من بين المناسبات والأعياد التي تحتفل بها المجتمعات التي تتشارك العيش معاً على جغرافية واحدة أو كُتِب لها العيش في إطار جغرافي محدد، لذا فإن عيد الاستقلال هو ذكرى التحرر أو استعادة الحرية من استعمار أجنبي أو وصاية خارجية بالنسبة لهذا المجتمع، ويعد تذكير للأجيال الناشئة بمدى المعاناة من أجل الحصول على الحرية وغرس روح المواطنة والتعايش المشترك وحب الوطن في قلوبهم، إلّا أن الأمر اختلف كثيراً بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي انتقلت من حالة استعباد إلى حالة استبدادٍ بمجرد أن استحكم طُغاة السلطة قبضتهم على الدولة حتى إنهم اعتبروا يوم الاستقلال هو يوم ترسيخ سلطة الدولة.

هذا هو الحال بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي نالت استقلالها بموجب اتفاقيات بين الدول الاستعمارية التي اضطرت للتنازل عن جزء كبير من سلطتها على المستعمرات التي كانت تخضع لحمايتها أو وصاياتها قبيل الحرب العالمية الثانية، ولا شك بأن للمفاهيم السياسية الجديدة التي ظهرت بعد ثورة 18 أكتوبر 1917، الخسائر الكبيرة التي تلقتها الدول الاستعمارية الكبرى(بريطانية وفرنسا والمانيا..) دورٌ في إطار رسم جديد لخرائط المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي منحت فيها العديد من تلك المستعمرات استقلالها وتسيير أمورها.

 بالطبع موضوعنا لا يتعلق بكيفية نيل الاستقلال ولا التقليل من نضال ومقاومة الشعوب، لكن سؤالنا لماذا فشلت الدول التي حصلت على الاستقلال في تشكيل أمة ديمقراطية “دولة ديمقراطية” تعكس تطلعات شعوبها التي تغمرها الفرح والحزن والألم معاً في يوم الاستقلال، وكأن هذا اليوم لا يخصهم بقدر ما يخص سلطة الدولة والنظام الحاكم.

 نالت سوريا استقلالها في 1946سواء بقرارٍ من الأمم المتحدة أو بالنضال الكبير الذي بذله الشعب السوري عموماً في مقاومته للاحتلال التركي والبريطاني والفرنسي، وكانت الآمال تسمو عالياً بين الأوساط المجتمعية والسياسية بإنتاج دولة ديمقراطية تعددية يعيش فيها كل المكونات بحرية واستقلال، بعيداً عن الألاعيب الدولية والسلطوية، لكن النتيجة وبعد 72 عاماً من الاستقلال كان الفشل هي النتيجة، وسيطرت مبدأ السلطة فوق المجتمع والحزب الواحد قائداً للدولة والمجتمع، والمجتمع السوري هو مجتمع  أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي لا غير، والدولة السورية لها لغة واحدة وثقافة واحدة، واعتاد الشعب السوري على الرقم الواحد وأصبح جزء من شعارته” واحد ــ واحد ــ سوريا شعبٌ واحد” دون أن يُفهم أو يُدرك ما المقصود وما المعنى، والنتيجة هذا الفشل الذي نراه اليوم من خلال هذه الأزمة التي هزَّت البنيان السوري الهش والمرتعب.

إذاً لماذا فشل السوريين بإنتاج دولة ديمقراطية أو أمة ديمقراطية بدل من شعار الوحدة العربية والذي يتفق عليه الشعب العربي بأنه لن يتحقق في ظل الأنظمة التي تمسكت بالسلطة وحكمت بالحديد؟

 يكمن الفشل حقيقة بعدم تطبيق ثلاثة بنيان أساسية من تكوين أي نموذج تجمع بشري معاصر في إطار دستوري وقانوني وهي (المواطنة والديمقراطية والتعايش)، فهذا الثلاثي هو الجوهر القادر على ايجاد إطار تعايشي يقوم على الاعتراف المتبادل بين كل المكونات وتحقيق المصالح بين جميع القوميات  والإثنيات والمذاهب المختلفة لخلق أمة الدولة.

 وفيما لو فشل المجتمع بإنتاج ذاته وفق أسس التعايش والديمقراطية والمواطنة فسيبقى مجتمعاً تقليدياً في بُنيته، وستكون الدولة المعبرة عنه إما دولة قامعة مستبدة تمارس الصهر المجتمعي لنيل أمة سياسة شكلية ضعيفة ومتعايشة قسراً، وإما أن تنتج دولة متشظية بفعل تشظي أمتها الوطنية إلى أمم فرعية تتمحور حول مصالحها الخاصة،.. وبالنتيجة سيتم تغليب جماعة معينة أو فكرٍ معين على المجتمع، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تغليب السلطة وفكرها على المجتمع وعلى الدولة معاً، وهو ما يؤسس للسلطة بكل ما لها من معانٍ، وبالتالي الفشل بإنتاج دولة عصرية يكون فيها المجتمع متماسكاً في تعايشه غير الجبري، وللأسف فأن صيغة الدولة هذه هي صيغة دولتنا اليوم التي قامت على أساس إن السلطة فوق المجتمع والدولة.

فلازال النظام الحاكم لهذه الدولة لا يعترف بالتعددية والتنوع رغم الامتحان الصعب الذي تمر به الدولة،  بل يمارس صهراً قسرياً لإنتاج أمة الدولة الواحدة على أساس من الإقصاء وعدم قبول أية مشاركة من جماعات الدولة.

 حقيقة يجب التمعن أكثر في مفهوم الأمة الديمقراطية  حتى نستطيع تجاوز مخلفات وموروثات الدولة السائدة  كون الأمة الديمقراطية نظرية اجتماعية متجانسة ومتكاملة لمشروع الدولة الحديثة رغم قِدم هذا المفهوم من الناحية النظرية والعملية إلّا إن العصرانية الديمقراطية تعتمد عليها في انتاج دولة ديمقراطية، وبالتالي تؤسس لأمة جماعة وليس أمة أفراد أو جماعة بحد ذاتها كون هذا الوطن ليس ملكاً لجماعة واحدة أو لفردٍ واحد بل هو ملكُ مجتمع متعدد الأعراق والإثنيات والثقافات.

في نموذج الأمة الديمقراطية تنتظم علاقة الأفراد بالدولة من خلال المواطنة والمشاركة الفاعلة، وهنا تزول مفاهيم الأغلبية أو الأقلية على أساس ديني أو قومي أو إثني بل تصبح الأسس والقواعد السياسية والأخلاقية المجتمعية هي الناظمة لشكل ومضمون الدولة، ويتحقق العدالة والمساواة من موقع الاختلاف والتنوع.

لذا فإن أي حلٍ سياسي لإنتاج دولة ديمقراطية في سوريا يجب أن لا تُبنى على الحلول التقليدية التي اثبتت فشلها بكل المقاييس وكانت السبب الرئيسي لكل الأزمات التي تعايشها المنطقة برمتها وليست سوريا فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى