مقالات

وحدة الأحزاب والتيّارات أم مفهوم العيش المشترك

salah-moslem (2)صلاح مسلم

عندما تتفاقم الأزمات؛ كما هو الحال في سوريا، أو لنقُل: عندما تظهر الأزمات إلى العلن (فالدولة البعثيّة وحالها حال كلّ الدول القوميّة في الشرق الأوسط، قد زرعت الفُرقة بين المجتمعات تمهيداً لتحريك ملف صراع القوميّات والأثنيّات كلما  دعت الحاجة إليها، وفي عام 2011 خرج زمام الأمور من تحكّم الدولة فلجأن إلى ذاك الحلّ)، عندها خرج آفاق الحلّ لدى المجتمعات المدركة للخطر، ولدى النخب الثقافيّة التي رأت في نفسها الحلّ، والحلّ السحريّ الدائم لدى تلك الطبقة المتثاقفة هو الاستناد إلى المصطلحات الإعلاميّة الدارجة في الذهنيّة الإنصاتيّة للمجموعة الإعلاميّة المتحكّمة بالعالم.

من هنا استطاعت معظم المصطلحات الليبرالية التميعيّة للقضايا الرئيسة في الواقع السياسي العام أن تتسرّب إلى الساحة عن طريق الطبقات المتثاقفة، فكان مصطلح الوحدة بين التيارات السياسيّة هو من إحدى تلك المصطلحات، وأضحى الهاجس الأكبر لتلك النخب الدعائيّة أن تٌلقي بكامل ثقلها على الشارع الكردي بشكل خاصّ، وبات هذا الشعار الرنّان الطنّان؛ شعار الوحدة بين الأحزاب هو الأمل الوحيد للخلاص من كلّ الأمور العالقة، وهذا ما كانت تنادي به بعض الدول العربيّة التي كانت ترى في نفسها الحقّ في قيادة العالم العربيّ كمصر وسوريا والعراق، ودائماً كانت الدول المنتعشة ماليّاً كالسعوديّة ودول الخليج… تبتعد عن شعارات الوحدة العربيّة، في حين كانت موريتانيا الفقيرة سبّاقة إلى اعتناق شعار الوحدة العربية.

لكنّ حديثنا في الشأن الكرديّ ليس متعلّقاً بالقوّة الماديّة لطرف ما، إنّما يتعلّق الحديث بالشعارات الدارجة والمتمثّلة في أنّ الحلّ الوحيد للخلاص هو الوحدة بين رؤساء الأحزاب، وليس وحدة المصير والرأي للشعوب ومن ضمنها الشعب الكرديّ، فعلى سبيل المثال؛ كيف سيتقبّل المجتمع في روجآفا الوحدة مع أشخاصٍ ظلّوا في صفّ العدوّ الذي ظلّ يقصف يوميّاً الشيخ مقصود وعفرين…

من هنا كان من الإنصاف أن يتمّ وضع تعريف واضح وجليّ للخطّين الكرديّين بل للخطّيين الأيديولوجيّين اللذين نراهما على أرض الواقع، بل من واجب التاريخ أن يتمّ تسمية خطّ الخيانة بكلّ وضوح، وإن كانت التهمة الجاهزة هي أنّه يجب ألّا تُذكر كلمة خيانة لئلّا تُجرح مشاعر الخائن ومؤيّديه، لذلك يمكن أن يكون مصطلح العيش المشترك في أزمة تحديد المصطلحات أن يكون البديل عن كلمة الوحدة؛ (الكلمة الرومانسيّة التي تُبهر العقول والقلوب، وكأنّها حبّةُ مخدّر، يشابهُ تخديرها تخدير توحيد الوطن العربيّ بالنسبة للعربيّ، ويشابه حلم دولة كردستان عند الرومانسيّ الكرديّ، وكلّما اشتدت الأزمات طُرِح مصطلح الدولة الكبيرة والوحدة العظيمة المجلجلة كمخدّر عامّ للشعوب.)

لقد أضحى الخطّان واضحان لا لبث فيهما؛ خطّ المقاومة وخطّ الخيانة، ومن الإجحاف أن يظلّ خطّ الخيانة مقبولاً تحت مسمّى الوحدة، وعدم إيذاء المشاعر والأحاسيس الرومانسيّة الحساسة، ليس من المعقول أن يتمّ التساوي بين مثقّفٍ مثل الشهيد حسين جاويش الذي ظلّ يقاوم ويناضل بقلمه وسلاحه، وبين مثقّف جاء على ظهر دبابة تركيّة إلى جرابلس ليلتقط صورةً ويتباهى بها على صفحات التواصل الاجتماعي، فكيف سيتمّ التوحيد بينهما؟

زر الذهاب إلى الأعلى