مقالات

لنتفكّر في كلام أردوغان

في حديثه وتصريحاته عن ((المنطقة الآمنة)) التي يطالب بها أردوغان وجرت بخصوصها محادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة التركية, وتحديداً في السادس والعشرين من تموز الفائت قال أردوغان موجهاً رسالته للكرد في روج آفا: ((إما أن يُدفَنوا تحت التراب أو يَقبلوا الذل))؛ جملة واضحة ومُفسّرة ولا تحتاج لتأويل وفطاحل لغويين لكي يقوموا بشرحها وتفهيم فحواها, فالرجل وبكل بساطة يضع الكرد أمام خيارين إمّا أن تموتوا أو أن تعيشوا تابعين خانعين لا إرادة لكم ولا كيان ولا شخصيّة, لقد اختصر أردوغان بجملته المكوّنة من ثماني كلمات روح وجوهر وحقيقة ذهنية السلطة التركية, تلك الذهنية الفاشيّة المُنكِرة للآخر، وغير القابلة بأي شكل من الأشكال لأية فرصة حل للأزمات التي تعيشها تركيا والتي يحاول أردوغان وحزبه جاهدين لتصدير تلك الأزمات للجوار.

إذاً فبحسب الفكر الأردوغاني هناك كرديان اثنان, إمّا الكردي الذي سيموت وهو يقاوم دفاعاً عن كرامته وشخصيته ووجوده الحرّ, أو الكردي الذليل؛ وكذلك وبحسب أردوغان فإن كل كردي لا يكون وجهاً لوجه مع الموت وهو يقاوم هو كردي ذليل, المقصد أن كل كردي يكون في مأمن من هجمات أردوغان لم يكن له أن يقع في تلك الخانة لولا أنه الكردي الذي قبِل بالمذلة والتبعية والولاء المطلقين في خدمة الدولة التركية, فالكردي الذليل يُسمّيه أردوغان مجاملة بالكردي الجيد وأما الكردي الآخر فينعته أردوغان بالإرهابي.

إن استفتاء استقلال اقليم جنوب كردستان ((كردستان العراق)) عام 2017 ليس بذلك التاريخ البعيد, وإن الذاكرة لا تزال تحتفظ بموقف الدولة التركية وتصريحات أردوغان ورجالات حكومته إزاء خطوة الاستفتاء, ولسنا هنا بصدد الحديث عن أسباب تلك الخطوة والدوافع الحقيقية وراءها ولكن لو تناولنا الخطوة من جهة الموقف التركي منها فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هي عبارات الاحتقار والاستصغار لقيادة باشور والشعب هناك, وسابقاً وحالياً لا يكاد يمر يوم إلا وتقصف الطائرات التركية جغرافية باشور, إضافة لتمركز القواعد العسكرية والمراكز الاستخباراتية التركية والمعاهد والجوامع الاسلاموية والشركات والبنوك والأبراج التجارية التركية, فإضافةً إلى إحكام الدولة التركية لقبضتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على جنوب كردستان, فإنه وبالمقابل أيضاً نكون بصدد طواعية مطلقة لدى قيادة باشور ورضا تام منهم بتلك الحالة, بل واعتبارهم لتلك الحالة وضعاً طبيعياً والتعامل معه على ذلك الأساس, لدرجة أن قيادة باشور تبرر لنفسها وللشعب هناك ولجميع العالم الانتهاكات التي ترتكبها الدولة التركية لجغرافية وشعب جنوب كردستان.

إن التاريخ يسجّل وبأدق التفاصيل كل شيء وحالياً وفي ظل ثورة التكنولوجيا لا تكاد تنفقد لحظة واحدة من مجريات الأمور إلا وتتحول إلى معلومة مسجّلة سوف تبقى للأبد, وتلك المعلومة ستكون متاحة للأجيال القادمة وعندها سوف يتم لعن من يستحق اللعنة وكذلك أيضاً سوف يتم تمجيد من يستحق التمجيد, ستكون اللعنة والعار على الكردي الجيد أردوغانياً, وسيكون التمجيد من نصيب الكردي الإرهابي أردوغانياً, طريقان واضحان فليختر كل واحد الطريق المناسب له.

زر الذهاب إلى الأعلى