مقالات

سياسة الانحراف, والنقد من أجل النقد

 كل مراقبٍ للأوضاع السياسية في المنطقة يُمكِنُهُ أن يرى بوضوح أن هناك شِبهُ إجماع على أن الديمقراطية التي تُمارس اليوم في مناطق الشمال السوري تسير بوتيرة متسارعة نحو أهدافها وأن هناك إجماعاً بأنها تتمتع بأداء جيد خاصة وأنها تمارس من قبل غالبية مكونات وشعوب المنطقة. لكن؛ يظل أمام كل مشروع حضاري بعض من العوامل التي تعيقه وتؤخر مسيرته ونقاط تُعتبر مادة دسمة للباحثين عن الأزمات والذين يمارسون عملية المماطلة السياسية بكل تعمد مع سبق الإصرار على الابتزاز والتخريب وترسيخ ثقافة الانحراف السياسي والتي أصبحت المُعوِّق الأساسي لأي خطوة ديمقراطية.

أحد هذه المعوقات تتمثل بالتدفقات الإعلامية التي يطلقها البعض ممن لا يعرفون شيئا عن المشروع الديمقراطي، هم فقط نُقَّاد لأجل النقد والتشهير ويُعزى سببُ هذا التهجم إمَّا لأنهم يستفيدون من خلال رفع أصواتهم على بعض المنابر أو بدافع الإساءة المغرضة، وبالتالي فأن هذه التدفقات ربما تساهم بشكل أو بآخر في زرع أفكار مُغرِضَة لدى القلة القليلة، أي أنهم يمارسون قمة الانحراف في العملية السياسية التي اختارتها شعوب ومكونات المجتمع السوري والذين أرادوا من خلاله توسيع دائرة المشروع الديمقراطي أملاً في أن يزداد هذا المشروع تألقا وازدهاراً.

لذلك نحن أمام واقع طارد بشكل أساسي لأي مشروع ديمقراطي مهما حاولنا أن نبرر أو حاولنا أن ننكر، وأمام هذا الواقع يتطلب منا بذل جهود مضاعفة للتنسيق بين الشعوب والمكونات، وإلّا فإن حالة من التفكك والتشظي ستُلقي بظلالها على الواقع؛ كما أن البعض ممن ذكروا آنفاً قد يلجئون  إلى قوى خارجية في سبيل الحفاظ على وجودها وديمومتها، وهو ما يعطي فرصة لِتَدخُّل هذه القوى لفرض حمايات تنعكس سلباً على الشعوب والمكونات السورية، وهذا السيناريو يشكل خطراً ليس فقط على الشمال السوري بل على كل المكونات السورية وعلى المنطقة برمتها. وستدفع شعوب المنطقة ثَمَنَ ذلك المزيد من الإيذاء والقتل والتهجير وضياع الحقوق.

إن تطور الصراع على الأرض السورية، والمتغيرات الدولية والإقليمية، وثورة الاتصالات، وتدفق المعلومات، تعطي دوراً هاماً وضرورياً للمشاريع المتجددة في المنطقة.

وأمام هذه المعمعة؛ على الجميع أن يدركوا بأنه قد آن الأوان كي تلتئم كلّ القوى الحيّة والفاعلة في مشروع ديمقراطي يستفيد من تجارب الشعوب، ومقاوماتها المنتصرة، يتكامل بالقوى، والأحزاب، والمؤسسات ،والمنظمات ويعمل على الحفاظ على المكتسبات والانجازات؛ في موديل نهضوي وحدوي يتجاوز جميع الأبعاد الطائفية والعرقية والمذهبية، ويتمكن من تقديم طرح قوي يستوعب الجميع، ويعبّر عن إرادة شعوب المنطقة بعيداً عن الديكتاتوريات أو التدخلات الخارجية، وهو ما قد يُعطِي فُرصَةَ انطلاقة جديدة تجتمع حولها الشعوب والأمم وتتوحد بوصلتها باتجاهها، وهذا أيضاً بحاجة إلى طاقة هائلة وقِوى فاعلة على الأرض تتحرك باتجاه تحقيقه، مع تزايد إدراك القوى المختلفة لمخاطر بعض السيناريوهات المتوقعة.

زر الذهاب إلى الأعلى