مقالات

سوريا… بين الصراع والتوازن الاستراتيجي

مصطفى عبدو

يسود العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص في الوقت الحاضر موجة من الترقب والحذر المشوبان بالهلع والذعر نتيجة المواقف المتأزمة واحتمالات تطور الأحداث نحو الأسوأ ونشوب صِدام من نوع آخر في العالم.

رائحة الدخان تنتشر من مداخن المنطقة، والمعادلات الدولية تختلف هذه المرة واللاعبون لم يعودوا عُزَّلاً أو ضُعفاء بل أقوياءٌ وكُثُرْ، بينما تستمر دوامة التأرجح بين الحرب واللا حرب، بين عَرْضِ العضلاتِ العسكريةِ وبين تهدئة الأعصاب والخواطر.

هذا في العالم ككل، أما في سوريا يبدو الوضع أكثر تعقيداً، فإلى جانب الانقسام السياسي والانقسام الوطني والجغرافي هناك تدخلات متعددة؛ منها تدخلات إقليمية وأخرى دولية. واشنطن موجودة في المنطقة وكذلك موسكو وإيران وتركيا، ووَسْطَ هذه الأجواء المشحونة بالتوجس والمخاوف تجري العديد من التحركات ويجري الوقت سريعاً، وقطارُ تغيير الأحداث يسرع لنسف الأوضاع الراهنة.

مع كل ما يجري في العالم والمنطقة لا تزال أنظمة المنطقة تصارع للبقاء بذهنيتها السابقة وتدور حول نفسها وهي محاطة بمجموعة من إشكالات وأزمات تطوِّقها وتضعفها وتهددها حتى باتت كل الاحتمالات واردة بشأن هذه الأنظمة. وعلى سبيل الذكر فالنظام السوري لا يزال يضع شروطه على مكونات الشعب السوري ويطلب منهم الاعتراف رسمياً بالتطبيع مع تركيا ومباركة هذا التقارب في وقتٍ تعرقل تركيا كل مسعىً جدي لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، وفي وقت يبدو أن مأزق العلاقة مع تركيا مرشح للمزيد من التوتر والضغوط من جانب السوريين أنفسهم وهناك رسائل تحذيرية عديدة من قبل المكونات السورية بهذا الخصوص، وكذلك مأزق العلاقات السورية مع الدول الغربية والعربية مستمرٌ مع ما يحمله ذلك من خيبات أمل ومخاطر، والخطر الأكبر الذي يواجه الشعوب السورية ويهدد وجودها هو أن تظل سوريا بلا دور وبلا قوة وبلا مناعة. دولة بلا شعب أو دولة مقسّمة أو دولة محتلة من قبل أطراف عديدة.

كيف يمكن معالجة الأزمة السورية وتعطيل فتيل انفجارها في ظل هذه الأوضاع؟

بداية، لابد من الإشارة إلى أن راهن ومستقبل المجتمع السوري بات مرهوناً بالقوى المتصارعة التي حولت المنطقة إلى حلبة صراع مفتوحة، وبالرغم من ذلك لابد من الإشادة ببعض المشاريع الديمقراطية المقدمة لمعالجة الأزمة السورية (مبادرة الإدارة الذاتية الديمقراطية)، وكذلك الإشادة بالجهود المبذولة لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية السورية وإبراز العقبات التي تواجه المجتمع السوري ككل.

بالمحصلة، يجب أن تكون سياستنا المستقبلية تنبع من المصالح المرحلية والبعيدة المدى لشعوب المنطقة، فالمنطقة مستهدفة بحكم موقعها الاستراتيجي ومواردها الاقتصادية الاستراتيجية، وهذا ما يلزمنا أن نرى بشكل واضح طبيعة الصراع في المنطقة وأن نحقق توازن استراتيجي، وما يدعونا إلى بعض التفاؤل اليوم هو تصميم أطراف سورية على الحل السوري ولسان حالها يقول: (كفى سوريا كل هذه المآسي والأوجاع) ووصول هذه الأطراف إلى قناعة بأن ما تعرّض له جميع مكونات الشعب السوري يجب أن يكون حافزاً للتحرك باتجاه إيجاد الحل، وليس هناك من حلٍّ يرضي جميع المكونات السورية سوى الحل الديمقراطي ومشروع الإدارة الذاتية، وأعتقد أن الظروف التي تمر بها سوريا تتطلب من الجميع التوجه نحو هذا الحل.

زر الذهاب إلى الأعلى