مقالات

حزب العمال الكردستاني ميلاد شعب انبثق من العدم

قيل الكثير عن حزب العمال الكردستاني إنه ملحمة الانبعاث من العدم، ملحمة شعب تم دفنه في قبور اسمنتية وكُتِبَ على شاهدتها “كردستان التي تتخيلونها مدفونة هنا”، ملحمة شعب تعرض لسياسات الإنكار والإمحاء والمجازر التي قل مثيلها في التاريخ، إنه ملحمة ميلاد حزب ثوري مؤمن بوحدة الشعوب وتحررها وأخوّتها، انطلاقة بدأت بمجموعة طلبة متعددة الأقوام مؤمنين بالأخوة التاريخية المشتركة بين شعوب المنطقة وتحولت إلى حركة شعبية جماهيرية عارمة؛ قيل عنه إنه حزب الشهداء وقيل بأنه حزب المرأة والعديد من الصفات التي لا عد لها ولا حصر، إن المتتبع للمسيرة النضالية لحركة التحرر الكردستانية منذ تأسيسها بقيادة حزب العمال الكردستاني طيلة الواحد والأربعين عاماً سيجد أنها ملحمة شعبية لم تنطفئ جذوتها منذ قرون مضت على تاريخ أمة جزأها المحتلون إلى أربعة أجزاء ولكن الطليعة الثورية لحزب العمال الكردستاني وعبر فلسفته وإيدلوجيته ومقاومته استطاع أن يبلورها إلى حركة فكرية لم تتوقف عند الحدود الجغرافية لكردستان المستعمرة بل تعداها إلى أصقاع المعمورة قاطبة، حيث يمكننا القول إن حزب العمال الكردستاني عبر فلسفته الملحمية يعد منهج الكادحين لمقاومة ومواجهة عروش المستبدين والطغاة والمحتلين ويمكن القول بأن تأسيس PKK قدم مساندة كبيرة للإنسانية في مسيرتها نحو الحرية. ذلك الحزب الملحمي الذي بدأ نشاطه بمجموعة مؤلفة من ستة أشخاص في أنقرة وحقق توسعاً عارماً بتوجهه صوب كردستان حيث سطر نصراً عظيماً في نضال الشعب الكردستاني من أجل التحرر على الرغم من إن كردستان التي تمت تجزئتها في الربع الأول من القرن العشرين والتي كانت تعيش حقيقة مجتمعية راسخة تحت وقع نظام إمحاء وإنكار وصلت لحد الابادة الجماعية والتصفية المادية والمعنوية، واستطاع حزب العمال الكردستاني عبر طليعته الثورية إنقاذ وانتشال شعب من براثن الامحاء الممنهجة وإظهار هويته وثقافته وشخصيته الحرة التي كانت بين فكي كماشة من الاندثار والانحلال في بوتقة النظم المحتلة خلال نضال 41 سنة لميلاد حزب العمال الكردستاني بتاريخ 27 تشرين الثاني عام 1978.

من المسيرة الملحمية لحزب العمال الكردستاني التي انطلقت من العدم بكلمتين “كردستان مستعمرة” يمكننا أن نستخلص عبر الظروف التي تشكلت وتطورت فيها مسيرته النضالية في بدايات أعوام السبعينات بأنها مرحلة تطور وميلاد توعوية وتنويرية في وقت كانت فيها الحركات التحررية الكردستانية تتلفظ فيها أنفاسها الأخيرة وتعاني من موت سرسري طال أمده. فالعمال الكردستاني تكوين استطاع التقدم والوصول إلى حركة نضالية ريادية متطورة سواء على الصعيد النظري الإيديولوجي أو على الصعيد التنظيمي الميداني وبالمستطاع التأكيد على أنه مرحلة تطور مجتمعية طالت جميع فئات المجتمع الكردستاني.

كانت ولاتزال القاعدة الجماهيرية التي انضمت إلى حركة حرية كردستان تتشكل على الأغلب من الطلبة والثوار والعمال الكرد والكردستانيين والفقراء والقرويين. تطورت الحركة التحررية الكردستانية كإيديولوجية وفكر وفلسفة تحررية حرة ومستقلة ضد الاحتلال والشوفينية التركية وضد القوى الرجعية. حيث أبدت الحركة في بداياتها مقاومة بطولية في مختلف مدن كردستان ضد القوى الفاشية وعلى إثر ذلك تمددت وانتشرت حركة الحرية في كردستان وبدأت موجة جديدة للحرية بالتصاعد والتقدم. وبهدف سد الطريق أمام هذه التطورات والحد من تقدم وتمدد الحركة نُفذت مجازر بحق المدن والقرى الكردية. وحاول المحتل التركي بشتى الوسائل بما فيها تأجيج الحرب المذهبية والعشائرية داخل المجتمع الكردي كما يحدث تماماً في الساحة السورية حالياً. وعندما لم تنجح في ذلك حاولت الوصول إلى نتيجة من خلال انقلاب 12 أيلول 1980 العسكري الذي كان الهدف منه هو القضاء على الحركة الآبوجية كما حاول اردوغان من خلال الانقلاب المزعوم  15 يوليو 2016 القضاء على جميع معارضيه وفي طليعتهم البرلمانيين الكرد وعموم الأحرار من الشعب الكردي. وعليه فقد مارست ظلماً كبيراً ووحشية وحقداً كبيراً ضد كردستان أرضاً وشعباً، حيث سيطر العسكر على إدارة الدولة وزُجَّ بالآلاف من المواطنين في السجون والمعتقلات ومورست ضدهم مختلف الأساليب الوحشية واللاإنسانية حيث كانت غاية الفاشية التركية فرض الاستسلام على PKK داخل السجن حيث تعرض العديد من الكوادر الطليعية للحركة الآبوجية أمثال مظلوم، كمال، خيري، فرهاد والعديد من الكوادر الأخرى للاعتقال، وأودعوا في سجن آمد. ويمكن القول إن حزب العمال الكردستاني صار داخل السجن حيث كان الهدف هو خنق حزب العمال الكردستاني داخل السجن وإسكات صوته بشكل نهائي. فلو تمكن الاحتلال في تلك المرحلة من فرض الاستسلام على العمال الكردستاني من خلال شخصيات هؤلاء الطليعة الثورية لكانت الحركة تعرضت للتصفية بشكل نهائي. ولكن هنا بدأت مرحلة جديدة من النضال وتبلورت الإرادة المقاومة في شخص هؤلاء المناضلين وتجذرت مقولة (المقاومة حياة) التي أطلقها مظلوم دوغان في فكر وفلسفة الحركة التحررية الكردستانية لتصبح غياهب السجون وظلمتها منابر نور تنير دروب الأحرار والمقاومين من أبناء الشعب الكردستاني إلى يومنا الراهن. ويقول قائد الشعب الكردستاني عبد الله أوجلان بهذا الصدد: (إن مسيرةُ نضالِ الأعوامِ الثلاثين الأخيرةِ متجسدةً في PKK، قد جرى خوضُها – فقط وفقط – من أجلِ قضيةِ الوجودِ بالنسبةِ للكرد. أي أنّ هذا الكفاحَ كان بمعنى من المعاني بغيةَ حَسمِ سؤالِ: الكردُ موجودون أم لا؟. فبينما كان أحدُ الطرفَين يُلِحُّ بشكلٍ انتحاريٍّ أعمى على أنه موجود، كان الطرفُ الآخرُ ينكرُ وجودَه. بل والأنكى والباعثُ على الخجل، هو أنّ المسألةَ الأوليةَ على صعيدِ التنورِ والتثقفِ الكرديِّ خلال العقودِ الستةِ التي تَسبقُ الأعوامَ الثلاثين الأخيرة، كانت تتجسدُ أيضاً في الانهماكِ بإثباتِ وجودِ الكرد. ما من شائبةٍ في أنّ شروعَ فردٍ أو مجتمعٍ ما في الجدالِ بشأنِ وجودِه، يُعَبِّرُ عن خطرٍ فادحٍ ومنزلةٍ منحطة للغاية، مُشيراً بدورِه إلى الخطِّ الرفيعِ الفاصلِ بين الحياةِ والموت. وما من موجودٍ أو كيانٍ اجتماعيٍّ في التاريخِ أُسقِطَ في هذا الوضع، أو نادرٌ جداً عددُ الكياناتِ الاجتماعيةِ التي تَعَرَّضَت لهكذا وحشيةٍ فظيعة. بمعنى آخر، لَم يُسقَطْ أيُّ كيانٍ اجتماعيٍّ إلى حالةِ الخجلِ من الذاتِ والقبولِ بإنكارِ الذاتِ بقدرِ ما هم عليه الكرد، أو نادرةٌ جداً الكياناتُ الاجتماعيةُ التي شَهِدَت هكذا انحطاطاً وسفالة. من جانبٍ ثانٍ، فأنْ تَكُونَ كردياً، يعني أنْ تَكُونَ شيئاً أَشبَه بأنقاضِ حشدٍ أو تجمعٍ بلا مَوطِن، ولا يساوي قرشاً واحداً، بل يبقى خاليَ اليدَين من المال، وعاطلاً عن العملِ بكثافةٍ كبيرة، ويَعمَلُ مقابلَ أيَّما أَجر، ويصارعُ دوماً من أجلِ الحياة، وينسى احتياجاتِه الثقافية، ويَهرَعُ بدأبٍ حثيثٍ لتلبيةِ احتياجاتِه المادية، ويَبقى مع ذلك بلا نان NAN (بلا خبز) في موطنِ الـ”نان” (الوطن الأم لثورة الزراعةِ النيوليتية).

لقد سعى المستعمرون والمحتلون عبر سياساتهم وبمختلف نظمهم التسلطية إلى تحويل  كردستان إلى ثكنات عسكرية ومستوطنات اقتصادية ليتمركزوا في قلب الوجود الكردي ويهددوا شرايينه ونبضات حياته في كل لحظة وحين, من هنا فقد كانت قفزة 15 آب كمرحلة ثالثة تلت مرحلة اثبات الإرادة للشعب الكردي من غياهب سجن آمد لتتحول إلى مرحلة (النصر أو النصر) التي بدأها حزب العمال الكردستاني بصرخة القائد عكيد من على ذرى جبال كابار ليقول لكل هذه السياسات والهجمات الوحشية كفى للعبودية والقمع والعنف واللاعدالة والظلم.

بإمكاننا الذكر بأنه بقدر أهمية ودور قفزة 15 آب بالنسبة للشعب الكردي فإن لها معنى وأهمية عظيمة بالنسبة لجميع شعوب الشرق الأوسط وكافة الشعوب المضطهدة خاصةً أن ما كان يُعاش قبل حملة 15 آب كان إنكارٌ لثقافة وإرادة كافة الشعوب بما فيها الشعب الكردي الذي تمرد على هذا الواقع البعيد عن الإنسانية والأخلاق مع هذه الحملة القيمة وكان قد حان الأوان ليقول لجميع العالم سوف لن نخنع من الآن وصاعداً أمام المستعمرين، بل سنقاوم رغم  كل ما تعرضنا له من ظلم وإنكار واستعمار، وأن الميراث المقاوم الذي تركه هؤلاء العظماء يعد بمثابة المنهل الذي لا ينضب ويتجدد في كل لحظة من تاريخ حركة التحرر الكردستانية فما تشهده روج آفا وشمال وشرق سوريا من انتصارات ومكاسب والتي وصلت إلى ذروتها في مقاومة العصر كوباني ومأثرة شنكال والمقاومة البطولية التي أبدتها وحدات حماية الشعب في آفرين في حقيقة الأمر ما هي إلا بذور المقاومة والثقة بالذات والإمكانات التي زرعها شهداء حركة التحرر الكردستانية التي قادها مظلوم من غياهب السجون وصانها معصوم من على ذرى جبال كردستان وأينعت ثمارها بدماء آريين وآفستا وبارين في روج آفا وشمال سوريا ولا تزال مستمرة ومتقدة بفكر وفلسفة الحياة الحرة التي نسجها القائد أوجلان طيلة أربعين عاماً من تاريخ  تأسيس حزب العمال الكردستاني ليكون الخلاص ليس لكردستان فحسب إنما لعموم الشرق الأوسط الذي يعاني من الاغتراب وفقدان هويته التاريخية والانسانية كمنبع ومنهل لجميع الحضارات الناشئة في عموم المعمورة.

زر الذهاب إلى الأعلى