مقالات

تأرجح السياسة التركية وانعكاساتها المرتدة

ياسر خلف

تشهد الساحة الدولية والإقليمية أحداث ومستجدات متغيرة بشكل مستمر، وهي تؤثر مباشرة على الصراعات والتناحرات الدائرة في الشرق الأوسط، وخاصة الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية وانعكاساتها بشكل مباشر على الساحة الدولية وفرضها لشكل التحالفات والعلاقات على الصعيد الجيوسياسي والدبلوماسي، وهذا ما يتطلب تقيمها بشكل معمق وإلمام تام بكافة جوانبها ومخرجاتها وخاصة من ناحية تأثيرها على الساحة السورية وسعي كافة الأطراف المتداخلة فيها لفرض أجنداتهم ومخططاتهم بما يتناغم مع مصالهم ونفوذهم، وهذا ما يمكن ان نستشفه من مخرجات آستانا التي جرت مؤخراً والتي يبدو أن المجتمعين كانوا متفقين فيما بينهم لمحاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وهذا ما بدا واضحاً من تصريحات الخارجية الروسية وصمتها إزاء الهجمات التركية على مناطق الإدارة، وهذا الواقع يبدو متناغماً تماماً مع المخططات المشتركة لكل من تركيا وروسيا وإيران التي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها خاصة مع تمرد فاغنر على روسيا ومحاولة الأخيرة كبح جماحها، وعلى ما يبدو أن الجماعات المرتبطة بإيران ستكون الأكثر حظوةً لدى روسيا في ملئ هذا الفراغ الذي قد تتركه منظمة فاغنر في حال تم الاستغناء عنها في مقبل الأيام، كما أن الروس يدركون تماماً أن بقاء نظام بشار الأسد مرتبط بشكل عضوي بوجود إيران في سوريا، ولا يمكن لها أن تسلم رقبتها لمن هو ضده ويدير ظهره لمن أبقاه على رأس السلطة، فالنظام يدرك تماماً أن تركيا الاردوغانية تسعى إلى المزيد من كسب الوقت، لتمكين أركان الحكم بعد الانتخابات الأخيرة، والاحتفاظ بالسلطة بشق الأنفس والسعي الدؤوب للتخلص من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وخاصة بعد الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا، وعلى ما يبدو أن الروس قد هادنوا اردوغان في ذلك بشكل حذر خدمة لمصالحهم فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية ورغبتهم الشديدة في إبقاء اردوغان أقرب إليهم من الغرب وأمريكا، حيث بدا واضحاً من مخرجات آستانا الرباعية أن الروس دفعوا بأردوغان بعيداً عن مصالح أمريكا وحلف الناتو في المنطقة وخاصة فيما يتعلق باستعادة العلاقات بين الجانبين السوري والتركي وسعيهم لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لمحاربة الإدارة الذاتية والتي بالمحصلة محاربة النفوذ الأمريكي في سوريا وإن لم يدونوها بشكل علني في ما توافقوا عليه في قمة أستانا وعلى ما يبدو أن التحركات الإيرانية الأخيرة في مناطق الميادين والبوكمال تنم عن هذا التوجه والتي تجري بالتناغم مع تحركات تركيا لإخلاء طريق إم 4 وإم 5 تمهيداً لتسليمها للروس والتي كانت من أبرز ملفات التقارب بين أنقرة ودمشق وعلى ما يبدو ان تكثيف روسيا  من هجماتها على ادلب وشمال حلب  تصب بهذا الاتجاه.

وفي الجانب الآخر من المشهد السوري وخاصة المتعلق بالمواقف العربية؛ فهي الأخرى بدأت تتبلور بشكل جلي بعد سلسلة التقاربات التي جرت مع النظام السوري ورغبة الدول العربية بفرض نوع من التوازن ضمن المعضلة السورية الشائكة؛ فإنها تجد نفسها أقرب الى التوجه الغربي الأمريكي في سوريا وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا وبالتالي عدم ترحيبها ومبالاتها بمخرجات أستانا الأخيرة التي كانت أكثر نفعاً لإيران ونفذها في سوريا،

كما أن التوجه الأمريكي والغربي في سوريا هي برز في عدم الرِّضى عن مخرجات آستانا، وعلى ما يبدو أن التوجه الأمريكي بسوريا ومواقفها السياسية مغايرة تماماً لمسار أستانا، بل هي تجد في استانا إبعاداً متعمداً من الروس عن مسار جنيف وقرار الأمم المتحدة 2254 المتعلقة بحل المعضلة السورية وتهديداً مباشراً للنفوذ الأمريكي في سوريا، وعلى ما يبدو ان التقلبات والتناقضات في السياسة التركية لن تدوم طويلاً ليعود اردوغان ويقدم أوراق اعتماده لبايدن، وهذا التوجه الجديد نحو الغرب ومحاولته النَّكْثُ بوعوده لبوتين ظهر خلال زيارة زيلنسكي لأنقرة الذي حمل رسالة شديدة اللهجة لأردوغان لتعلن تركيا من بعدها تسليم قادة آزوف إلى أوكرانيا كعربون للحصول على عفو من بايدن، وهذه الاستدارة الاردوغانية لم تكن مفاجئة ويمكن اعتبارها كصك غفران قدمه للعم سام بعد تيقنه بأن الغرب وأمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي من ارتماء شريكهم في الناتو لأحضان الروس.

على ما يبدو أن الساحة الدولية ستشهد مزيد من التخندق العسكري في مقبل الأيام وخاصة مع احتدام المعارك في اوكرانيا فلا سبيل للأخطاء الاستراتيجية التي ستكلف مرتكبيها اثماناً باهظة

فهل سيسكت بوتين عما فعله اردوغان الذي نقض وعوده وسلم قادة آزوف رغم الاتفاق القاضي ببقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب

وسط تساؤلات حول تداعيات الواقعة التي يفاقمها عدم تلقي روسيا أي إخطار مسبق بتسليم المقاتلين إلى كييف؟ هذا ما سيكشف عنها مقبل الأيام وانعكاساتها على الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى