تقارير

هل تعيد عفرين الحرب الباردة إلى الواجهة ؟؟؟

تحقيق: مصطفى عبدو

الحرب الباردة مواجهة سياسية وإيديولوجية وأحياناً عسكرية بشكل غير مباشر، دارت أحداثها خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وكان من مظاهرها انقسام العالم إلى معسكرين: معسكر شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي وآخر ليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة.

السياق التاريخي للحرب الباردة

تحالفت الدول الغربية, وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا, مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية بدافع الخوف من العدو المشترك. وكان جلياً أن التناقض الإيديولوجي وصراع المصالح المحتدم لن يتأخر في الإفصاح عن نفسه إذا ما وضعت الحرب أوزارها.

وكانت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية متوجسة من توثب الاتحاد السوفياتي إلى ضم بلدان من أوروبا الشرقية أو جعلها تحت وصايته، وتأكدت هذه المخاوف بانعقاد مؤتمر بوتسدام (1945) ورفض الرئيس السوفياتي آنذاك جوزيف ستالين تنظيم انتخابات ديمقراطية في بولندا، مما أجج خلافاً محتدماَ بين الطرفين.

 لاحقاً سعت موسكو إلى تأطير وتوجيه التطور الإيديولوجي والسياسي للبلدان والأحزاب الأعضاء فيه. وهكذا وُلدت الاستراتيجية السوفياتية المضادة معتبرة أن العالم انقسم إلى معسكرين: أحدهما “ديمقراطي” مناوئ للإمبريالية يقوده الاتحاد السوفياتي، والآخر “إمبريالي غير ديمقراطي” تقوده الولايات المتحدة.

انقسام وتعايش

هكذا, وجدت أوروبا نفسها منقسمة بين المعسكرين الكبيرين ضمن صراع كوني عرف سياسياً وإعلامياً بـ”الحرب الباردة”.

لاسيما بعد انقلاب الشيوعيين في تشيكوسلوفاكيا (1948) وتصفيتهم لخصومهم السياسيين وتمكين السوفيات من البلاد.

العلاقات بين المعسكرين

شهدت علاقات المعسكرين العالميين تحولاً هاماً إثر وفاة الزعيم السوفياتي ستالين في 1953، فقد نهج خلفه خروتشوف سياسة أكثر تصالحاً ووجد الغربيون ضالتهم فيه، لاسيما أنه في تلك المرحلة شهد الغرب تصاعداً في الأصوات المناوئة للهيمنة الأميركية، والتي عبّر عنها موقف الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول الذي انتقد بشدة ما سماها “الوصاية الأميركية”، ثم انتهى به الأمر إلى سحب فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 1966.

وفي داخل المعسكر الشرقي؛ بدأت الصين الشعبية تنافس الاتحاد السوفياتي إلى حد بلغ معه العداء إلى القطيعة التامة بينهما عام 1960.

ورغم ذلك، ظل المعسكران في عداء وتنافس اقترب أحياناً من “حافة الهاوية”، وعبَر عنه اصطفافهما في مناطق الصراع المسلح عبر العالم (حرب الكوريتين، حركات التمرد في أميركا اللاتينية، حرب الكونغو وناميبيا، الصراع العربي الإسرائيلي… وغيرها).

هيمن التعايش السلمي بين المعسكرين الكبيرين على مسرح العلاقات الدولية بدءً من مطلع عقد السبعينيات وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي كلياً عام 1991، ثم دخل العالم مرحلة جديدة هي عصر الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة.

عفرين والحرب الباردة

ما يهمنا هنا, هو الحرب المعلنة على سوريا وتحديداً على الشمال السوري ودخول أطراف متعددة في الصراع السوري ومحاولة الحد من تمدد المشروع الديمقراطي الذي أختاره مكونات الشمال السوري الذي يمثل الحل الأمثل لتجاوز جميع مشاكل سوريا والمنطقة عامة وعلى هذا الأساس ورغبة منا في صحيفة الاتحاد الديمقراطي بتسليط الضوء بشكل متميز على الأحداث الجارية في سوريا عامة وفي عفرين خاصة وتوضيح بعض الأمور حول هذه الأحداث بادرنا إلى مناقشة هذا الموضوع عبر طرح سؤال محدد فحواه:

هل تعيد الأزمة السورية والاعتداءات التركية على عفرين الحرب الباردة؟

كلنا يعلم أنه وفي هذه الأيام تسيطر حالة من التوتر الشديد على الساحتين الإقليمية والدولية بدءاً من سوريا، التي تعتبر في حقيقة الأمر مركز تحديد وجه السياسات العالمية الجديدة التي سيتشكل منها عالم جديد متعدد الأقطاب. ويؤكد الكثيرون أن سوريا باتت بالفعل مركز التحوّل العالمي ونواة تقاسم السلطة والسيطرة على العالم, بفعل ما يجري فيها من مواجهة مباشرة وغير مباشرة بين أطراف متعددة، وبالتالي حالة التوتر، التي يعيشها العالم حالياً هي بفعل عدم توصل المحورين الأساسيَين في العالم إلى نقاط التقاء من شأنها وضع حد لكل هذا التهور الذي بسببه تُدمّر البلاد وتُشرّد وتُقتَل شعوبها ومكوناتها.

الحديث هنا يدور عن خطِّين متوافقَين في التصريحات السياسية والدبلوماسية ومتناقِضين في التوجّه وفي الممارسات العسكرية الميدانية، دون الأخذ بعين الاعتبار أي مسؤولية إنسانية أو أخلاقية أو سياسية ولا حتى تاريخية أمام المجتمع الدولي وأمام البشرية جمعاء، في وقت تشعر تركيا بأنها تحتضر فهي لم تعد قادرة على التحكم بالمنطقة بالرغم من كل ما تفعله من قتلٍ للآمنين وفتح البوابات للإرهابيين وتجاوز حدود دولة أخرى ذات سيادة لتأتي وتحط رحالها في عفرين التي كشفت للعالم بأن تركيا لم تعد قادرة على تطبيق سياسة الأمر والاستعلاء والتخويف بالرغم من قوتها حتى اللحظة، لقد خسرت رهاناتها كلها وفضحت هويتها جراء الحرب التي تدور رحاها اليوم بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تمثل إرادة كل المكونات في الشمال السوري.

 نعم, إنها عفرين التي أسقطت كل الأقنعة وجميع أوراق التوت عن عورات حكومة العدالة والتنمية والنظام التركي الفاشي, وفضحت دورها الكبير في التخطيط والترتيب لكل ما حدث ويحدث لاستنزاف الشمال السوري وسوريا والمنطقة, والسيطرة عليها وعلى مقدراتها بشكل أو بآخر.

من جانبها روسيا تحاول العودة بقوّة إلى السّاحة الدولية في محاولة لإنتاج نفسها وإعادة الكرة إلى ملعبها، مع العلم أن الأزمة السورية كانت في حقيقة الأمر المدخل الكبير الذي أعطى روسيا القدرة على المناورة من خلال خطوتها في دخولها المواجهة العالمية.

ناقش الموضوع معنا بعض السياسيين والمعنيين بالشأن العام من بينهم:

الأمريكان والروس ينظران إلى تركيا كآفة لا يمكن علاجها

كادار بيري رئيس منظمة كرد بلا حدود

ليست عفرين هي من ستعيد الحرب الباردة, لكن عفرين هي من غيرت شكل كل التحالفات ففي زمن الحرب الباردة وفي أوجها خلال سنوات الثمانينات والتسعينات كانت تركيا تعتبر الطفل المدلل لدى أمريكا والغرب وخاصة بعد خسارتهم للدور الإيراني إبان الثورة الإيرانية فكانت كل جرائم تركيا تغطى من حلفائها وتدون ضد مجهول.

وفي بداية التسعينات وعندما بدأ غورباتشوف بتطبق البروسترويكا انهار المعسكر الشرقي ومعه مركز الاتحاد السوفيتي توازياً مع بدء ظهور نجم رجل الـ (كي جي بي) الأول ((بوتين)) الذي أراد عودة روسيا إلى مكانتها العالمية, فاته قطار التدخل في الوضع الليبي فوجد ضالته في سوريا وكان ما كان، وبالعودة إلى الوضع التركي وبعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك, بدأ بوتين باستغلال تركيا كورقة بيده وخاصة بعد أن فشلت كل سياسات تركيا في الملف السوري بتعاملها بغباء وحقد على الشعب الكردي ورفضها لكل ما هو ديمقراطي في سوريا، من تلك النقطة بدأ ظهور الحرب الباردة مرة أخرى وهذه المرة بعنف وقوة وبشكل مختلف نوعاً ما، ما اختلف هذه المرة هو قرب المعسكرين من بعضهم في الداخل السوري ورغبة كلا الطرفين بالتمسك بالشريك التركي.

أمريكا التي يهمها أن لا تخسر مكانة تركيا الجغرافية وبنفس الوقت يهمها القضاء على إرهاب داعش وهي تدرك تماماً أن تركيا هي الداعم الأول لداعش وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى لذلك لا يمكن لها الثقة بتركيا وخاصة مع بقاء حزب العدالة والتنمية الذي رفض أن تستخدم أمريكا قاعدة أنجرليك إبان تحرير العراق وفي بداية الحرب على الإرهاب في سوريا.

والروسي من جانبه يريد كسب ود الأتراك أولاً ليبعدهم عن الحلف الآخر وثانياً كون تركيا أفضل معبر اقتصادي لروسيا على أوروبا، وقد تمكن الروس من استعادة الكثير من المناطق في سوريا من يد الإرهابيين المدعومين تركياً بعد عدة صفقات مع تركيا.

ومستقبلاً ربما تكون تركيا سوقاً للأسلحة الروسية كمنظومة اس 400 وغيرها مما قد يلبي طموحات روسيا الاقتصادية.

مع كل ذلك وظناً من الروس بأنهم سيتمكنون من الضغط على الإدارة السياسية والعسكرية في عفرين وبأنه سيتم تسليم المدينة إلى النظام, وبالمقابل سيقوم الأتراك بالضغط على أصدقائهم الإرهابيين بتسليم إدلب للنظام، لذلك كان انسحاب الروس من عفرين والسماح للطائرات التركية بقصف عفرين وقراها وقتل الأطفال والمدنيين هناك دون أن يرف للمجتمع الدولي جفن حيال كل ذلك.

إن اتخاذ قرار المقاومة في عفرين غير كل المعادلات فلم يعد هناك أي إمكانية لعودة العلاقات بين تركيا وأمريكا إلى شكلها السابق ممكناً ولا عودة الثقة بين روسيا وأمريكا ممكنة فكيف لدولة مثل تركيا وعضو فعال في الحلف الأطلسي أن يتعامل مع العدو التقليدي لأمريكا ؟؟؟ من هنا يتم تحليل الموقف على الشكل التالي بأن كلا الطرفان يرغبان في إنهاء دور تركيا في المنطقة وكأنهما طفلان يتقاتلان على لعبة زجاجية ويقومون بكسرها كي لا يحصل الآخر عليها ولا يهمهم مدى خسارة شعوب المنطقة من انتقاماتهم, للأسف ما زالت الحكومة التركية ماضية في سياساتها الشوفينية ظناً منها أنها هي من تتحكم بالمعسكرين ولكن الحقيقة بأن الاثنان يريدان التخلص منها لأنهم ينظرون إليها كآفة لا يمكن علاجها. ليأتي دور مدينتنا المناضلة والثائرة والصامدة عفرين التي انتصرت بالفعل, من خلال صمودها الذي يحسم كل ما تحدثنا به.

المصالح المتضاربة والمتشابكة وقودها الشعب السوري

سليمان بدر عضو منسقية حزب الاتحاد الديمقراطي في إقليم الجزيرة:

إن الأحداث والأزمة في سوريا تصاعدت بوتيرة خطيرة وسط تخبط المعارضة وضياع النظام بين الأجندات الدولية والإقليمية ليمهد لأكثر من سبعة حروب محتملة في سوريا بين القوى المتنازعة دون معرفة من سيشعل فتيلها أو ساعة اندلاعها، حيث استغلت القوى المستبدة هذه الأوضاع التي يمكن وصفها بلا استقرار وعدم وجود أي بوادر حل أو قوى تسعى إليها وبالأخص تركيا وطغمتها الحاكمة وسلطانها العثماني أردوغان تحت مظلة الإسلام السياسي كقناع للمجاميع الإرهابية من داعش والنصرة وأخواتها لغزو عفرين وكامل المشروع الديمقراطي الوحيد في ظل هذه المعمعة والأزمة السورية المستفحلة, في وقت تقف جميع القوى الدولية متفرجة وكأن قوات سوريا الديمقراطية التي دحرت الإرهاب وأسقطت أسطورة داعش في معقلها ليست نفسها التي تجابه الدولة التركية وإرهابها المنظم بالفكر والمجاميع الداعشية. وروسيا التي تظهر نفسها حامية سوريا النظام اتفقت مع تركيا على هذا الهجوم، والذي ظهر بشكل مستتر بوادر أزمة دولية وحرب باردة غير معلنة تديرها أقطاب الهيمنة الرأسمالية على مناطق النفوذ والمصالح المتضاربة والمتشابكة والتي وقودها وضريبتها الشعب السوري وهنا ينبغي التنويه أن من تنبه لهذه الأزمة العميقة من الصراع في الشرق الأوسط هو القائد أوجلان وخصص لها سبل مجابهتها وكيفية الانتصار عليها وما تشهده عفرين ومقاومة العصر فيها هي بكل تأكيد القوى الأكثر وضوحاً لإنهاء الإرهاب والاستبداد بوجهيه الديني والقومي ومشغليها المديرين للصراع من قوى دولية.

عفرين لن تكون إلا للصامدين

سليمان حسين عضو مكتب العلاقات الدبلوماسية في حزب الاتحاد الديمقراطي بناحية تربسبية:

منذ سبعة أعوام والأزمة والحرب في سوريا مستمرة وتدخلات الدول الإقليمية والعالمية مستمرة، فالكل يبحث عن حصته من الكعكة السورية ولا يخفى على أحد بأنه كان قد تم تقسيم سوريا إلى قسمين شرق الفرات نفوذ أمريكي وغرب الفرات نفوذ روسي. وتوازياً مع هذه اللعبة بادرنا  في روج آفا وشمال سوريا إلى تنظيم مجتمعنا وممارسة سياسة ديمقراطية حكيمة للحفاظ على المكتسبات التي تحققت على الأرض بفضل دماء شهدائنا وصمود مقاتلينا في الجبهات الأولى وتمسكنا أكثر بمشروعنا الديمقراطي باعتباره الحل الوحيد والأمثل للأزمة السورية كاملة والذي لم يرق للكثيرين من أعداء الشعوب وإرادتها الحرة وخاصة تركيا التي حاربت هذا المشروع الديمقراطي منذ البداية من خلال تقديمها الكثير من التنازلات لجميع الأطراف مقابل غض الطرف عن إرهابها العلني بحق المدنيين في عفرين ليتقاطع جميع أطراف الصراع على ساحة عفرين في ظل تناحر وتناقضات دولية تديرها المصلحة والمنفعة ولكن عفرين بمقاومتها وصمودها في وجه هذه الصراعات أفشلت جميع الرهانات  وقلبت الموازين لصالح المقاومين الصامدين، فعفرين أصبحت قنبلة موقوتة لجميع الأطراف وأدرك الجميع أنها عصية على لعبة المصالح والنفوذ التابعة لهذه القوى أو تلك, وأنها لن تكون إلا لأهلها المقاومين والمصممين على النصر حتى الرمق الأخير.

كلمة المحرر: 

في هذه اللحظات كما بدأنا الحديث؛ يعيش المنطقة والعالم حالة من التوتّر صنعته نفس الجهات التي صنعت هذه الحروب ومسبّباتها، تغيّرت الأحوال والأوضاع ولم تعد قوات سوريا الديمقراطية ولا المكونات المتعايشة والتي بدأت تملك إرادة حرة يحسبون حساب لهذه القوى التي كانت تراهن على انتصاراتها في وقت قصير.

الصورة الحقيقية وبشكلٍ مقتضب ومختصر هي على النحو التالي: تركيا فقدت السيطرة حتى على نفسها، والتركي تعب من الهرولة ما بين الروسي والأمريكي وفقد كل الآمال في أن يصل إلى الاتحاد الأوربي، ووصل أردوغان إلى قناعة تامة أنه لن يصل أوروبا ولو ذهب إليها سيراً على الأقدام ورافعاً الراية البيضاء.

روسيا تبحث عن حربٍ جديدة لم تجد لها أرضية في أي دولة من دول الشرق الأوسط فمعظمها غير قابلة للحرب لا يوجد أي من مقومات ووقود الحرب، ولا تتجرّأ على مواجهة أمريكا مباشرة، فاعتمدت على التركي ليهدّد المشروع الديمقراطي في الشمال السوري.

صراع الكبار الدائر حالياً مركزها سوريا وكل ما يجري من حديثٍ عن تقسيم وعن مناطق آمنة وغير آمنة، وعن مناطق تخفيض التصعيد وما شابه ما هي إلا أوهام.

ويبقى السؤال هنا من هذا الذي يستطيع إنهاء عروض اردوغان وأجنداته في المنطقة والعالم؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى