المجتمع

الهلال الأحمر الكردي ورحلته الطبية من سري كانيه حتى عفرين

الأحداث الّتي مرّت على روج آفا والشّمال السّوري خلّفت آثاراً ونتائجاً أثّرت بشكلٍ مباشرٍ على الشّعب, فإبان الحصار الاقتصاديّ على المنطقة وصلت درجة الرّعاية والخدمات الصّحيّة إلى حدودها الدّنيا بسبب فقدان الدّواء والمعدّات الطبيّة, ولكن هل تساءلنا كيف خرجنا من هذه المرحلة ولم نعان في روج آفا ما عاناه أهالي المناطق المشتعلة في سوريا والمناطق المحاصرة؟

ولم تُسجّل أيٌّ من الحالات التّالية:

الموت جوعاً أو الموت برداً أو الموت بسبب الأمراض أو بسبب عدم توفّر الدّواء.

مَن كان ذلك الجندي المجهول الّذي كان متواجداً في المقدّمة عند حدوث تفجير انتحاري أو عمل إرهابي لإسعاف المصابين؟

أو مَن الّذي قدّم الرّعاية الصّحيّة للاجئين في مخيّمات روج آفا وما زال؟ ومن يسعف الجّرحى في جبهات عفرين المشتعلة؟

منظّمة الهلال الأحمر الكردي كانت الجّيش الثّاني بعد وحدات حماية الشّعب والمرأة YPG-YPJ وقوّات سوريا الدّيمقراطيّة, كانت ومازالت كتيبة المهام الصّعبة, ودورها كان مكمّلاً لدور قوّات الحماية في روج آفا, حيث كانت القوّات العسكريّة تحرّر المدنيّين والمناطق من الإرهاب, والهلال الأحمر يدعم الشّعب المحرّر صحّياً وخدميّاً, وكان أفرادها جنباً إلى جنب مع المقاتلين في الجّبهات, ويمارسون مهامهم الإنسانيّة في تقديم الرّعاية المختلفة للعدوّ قبل الصديق.

ساندنا الشّعب وقدّمنا له الدّعم اللازم خلال ثورة روج آفا

ولتسليط الضّوء على هذه المنظّمة خلال سنوات الثّورة, ومعرفة طبيعة عملها في هذه المرحلة المشتعلة الّتي يشنّ فيها العدوّ التّركي ومرتزقته الهجمات الوحشيّة على إقليم عفرين, التقت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي مع  عضو إدارة الهلال الأحمر الكردي ومسؤول مشروع الرقة الصّحي الّذي بدأ حديثه قائلاً:

الهلال الأحمر الكردي منظّمةٌ إنسانيّةٌ مستقلّةٌ تأسّست في الشّمال السّوري واستطاعت خلال سنوات ثورة روج آفا أن تساند الشّعب وتقدّم له الدّعم اللازم نتيجة معاناته من إرهاب القوى الظّلاميّة المتوحشّة, وكانت كوادرنا متواجدةً في جميع الجّبهات, وعملنا على تأمين الأدوية المفقودة للمرضى في المدن والمناطق المحاصرة, وقدّمنا الإسعافات الأوليّة لضحايا التّفجيرات الإرهابيّة, كما ندعم المشافي في الشّمال السّوري بالأدوية وسيارات الإسعاف.

نقاطنا موجودة في كافّة المخيّمات

وتابع عيسى: تأسّست منظمة الهلال الأحمر الكردي إبّان الهجمات الإرهابيّة على بلدة سري كانيه (رأس العين), وكنّا في هذه الفترة نتسلّم المساعدات المختلفة الّتي أرسلها شعبنا في باكور وباشور كردستان لمساعدة روج آفا, حيث قمنا برفد مشافي الدرباسيّة بالأدوية والمعدّات الطبية وجهّزنا سيارات الإسعاف لنقل المصابين الحرجة حالاتهم إلى مشافي قامشلو, وخلال هجوم داعش على شنكال قمنا بتقديم الخدمات اللازمة لأهالي شنكال النّازحين, وكنا في النّقاط الأماميّة لاستقبالهم, حيث شملت خدماتنا الصّحيّة 35 ألف نازح, وكانت منظّمتنا من أوائل المنظّمات الّتي فتحت نقاطاً طبيّة في مخيّم الهول لنازحي الموصل, حيث بلغ عدد كوادرنا فيه 64 شخصاً, ونقاطنا الطبية تتوزّع في كافّة مخيّمات اللاجئين في الشّمال السّوري (نوروز – مبروكة – عين عيسى – العريشة – أبو خشب), ونقدّم الرّعاية الصّحيّة والإسعافات الأوّليّة, كما نتواجد في الخطوط الأماميّة للجّبهات لاستقبال المصابين والمهجّرين من مناطق الصّراع, بالإضافة إلى الجرحى لتقديم الخدمات الصّحيّة اللازمة لهم.

داعمنا الرّئيسي منظمة الجسر الإيطالي إلى العالم (UPP)

وأشار عيسى إلى أنّه في بداية حملة تحرير الرّقة وبرعاية منظمة الجّسر الإيطالي للعالم UPP)) المدعومة من دول الاتحاد الأوروبي افتتحنا مشروعاً كبيراً في المجال الصّحي, حيث زوّدتنا المنظّمة الإيطاليّة بـ 15 سيارة إسعاف والمعدّات الطّبية والأدوية, كما قامت هذه المنظّمة بتدريب كوادرنا على الإسعافات اللازمة لمصابي الحروب.

وعملنا كان استقبال أهالي الرقّة ومعالجتهم ونقلهم بسيارات الإسعاف إلى مشافي مدن الشّمال السّوري, مثل كوباني وقامشلو ومنبج وتل أبيض.

وأضاف عيسى: بعد تحرير الرّقة واستمراراً لمشروعنا الصّحي قمنا بافتتاح مشفىً مصغّرٍ في مخيّم العريشة التّابع لمدينة الرّقة لاستقبال حالات الولادة من النّازحين وسكّان المنطقة, وتقديم الإسعافات الأوّليّة للمصابين والجّرحى والمرضى, ويعمل فيه لحدّ الآن حوالي 70 كادرٍ, كما نقوم بالّلمسات الأخيرة لافتتاح مشفى في مدينة الرقّة بكادر يبلغ 62 شخصاً وقابل للزّيادة بالإضافة إلى أطبّاء وممرّضين, ولمواجهة الأعمال الإرهابيّة من تفجيرات انتحاريّة وعبوّات ناسفة, وبغية تأمين متطلّبات الإسعافات الأوليّة افتتحنا فروعاً لبنك الدّم في بلدة سري كانيه (رأس العين) ومدينة كوباني ومدينة الطّبقة.

وقد افتتحنا مستوصفاً في ناحية تربسبيه بتمويلٍ من منظّمة ARC , ومازال مستمرّاً في تقديم الخدمات للمواطنين.

وتابع دلكش: نستطيع القول أنّ منظّمة UPP هي الدّاعم الأساسي لمنظّمتنا, وكذلك نتلقّى الدّعم من منظّمة (ARC) ومنظّمة الصّحة العالميّة الأردنيّة.

نحاول مساندة أهالي إقليم عفرين بشتّى الوسائل

وعن الخطوات والإجراءات الّتي قام بها فرع الهلال الأحمر الكردي في إقليم الجّزيرة لمؤازرة ودعم الشّعب في إقليم عفرين الّذي يتعرض لحرب إبادة من قبل الاحتلال التّركي ومن يواليه من مرتزقة وإرهابيّين, أوضح لنا دلكش عيسى ما يلي قائلاً:

عندما بدأ الهجوم التّركي على إقليم عفرين وسقط الكثير من الضحايا المدنيّين, قمنا كمنظّمةٍ بالتّنسيق مع فروعنا في الأقاليم الثّلاث لفدراليّة شمال سوريا بإرسال كادرٍ طبّيٍ إلى الإقليم ليخدم في جّبهات القتال الأماميّة لإسعاف المصابين وانتشال الضّحايا من تحت الأنقاض وتوثيق جرائم ومجازر الاحتلال التّركي من إبادة جماعيّة واستهداف الأماكن الحيويّة وتدمير بيوت المدنيّين الّتي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة, وأعددنا تقارير مفصّلة بذلك وأرسلناها إلى الأمم المتّحدّة.

وعن النشاطات والفعّاليّات الّتي قام بها الهلال الأحمر الكردي لمساندة الشّعب في إقليم عفرين قال عيسى:

نظّمنا حملةً لجمع أكبر عدد من تّواقيع المنظّمات الحقوقيّة والإنسانيّة في العالم لتوثيق جرائم الاحتلال التّركي وتصنيفها إلى جرائم ضدّ الإنسانيّة, وتكذيب ادّعاءاته بعدم استهدافه للمدنيّين, ورفع هذه اللائحة إلى منظّمات حقوق الإنسان والأمم المتّحدة, والحملة مازالت مستمرّةً.

وأفاد أنهم أطلقوا حملةً باسم (نداء عفرين), حيث نصبوا خيماً في كافّة مدن الشّمال السّوري من أجل جمع التّبرعات لشعب عفرين وذلك بالتّنسيق مع منظّمات المجتمع المدني والمجالس المحليّة في المدن والمناطق وكافّة المكوّنات الشّعبيّة الّتي تقطن الشّمال السّوري.

تركيا تريد احتلال عفرين وإبادة شعبها

وبغية معرفة الوضع الإنساني والمعيشي في إقليم عفرين وجرائم الحرب الّتي ترتكبها الدولة التّركية بحق المدنيّين, التقى مراسلنا مع جميلة حمي الرّئيسة المشتركة لفرع منظّمة الهلال الأحمر الكردي في إقليم الجّزيرة والّتي كانت ضمن مجموعة الهلال الأحمر الكردي الّتي أرسلتها المنظّمة من إقليم الجّزيرة إلى إقليم عفرين.

واستهلّت حمي حديثها بالقول: دخلت مجموعتنا إلى إقليم عفرين مع ثلاث سيارات إسعاف مجهّزة بكافّة اللوازم الطبيّة, وبقينا هناك ستّة وعشرين يوماً, وكنّا شهود عيانٍ على جرائم الاحتلال التّركي ووثّقنا كلّ ما يجري في المنطقة.

وتابعت حمي: شهدنا ستّ مجازر كان كلّ ضحاياها أطفالٌ ونساءٌ وشيوخ, وفي إحداها جاء إلى النّقطة الطّبيّة الّتي كنّا متواجدين فيها ثلاثة جرحى, امرأةٌ ورجلان كانوا قد أُصيبوا بجروحٍ خفيفةٍ نتيجة شظايا القذائف الّتي أصابت أرجلهم, وكانوا قد وصلوا عن طريق سيارتهم الخّاصّة, فقدّمنا لهم الإسعافات اللازمة وضمّدنا جراحهم, وبعد الاطمئنان على حالتهم عرضنا عليهم إيصالهم إلى مدينة عفرين بواسطة سيارة إسعاف تابعة لنا, ولكنّهم رفضوا وقالوا أنّهم سيذهبون بسيارتهم فربّما يكون هناك جرحى حالاتهم خطيرة بحاجة لسيارة الإسعاف الّتي سنشغلها, وبعد انطلاقهم بأمتار أصابت سيارتهم قذيفةٌ وعلى إثرها قُطعت رِجل المرأة ورِجل ويد أحد الرَجُلين.

وفي حادثةٍ أخرى شهدناها, كانت عائلةٌ نازحة من إحدى القرى الحدوديّة تحتمي في أحد الأقبية منذ عشرين يومٍ, فأرادوا الخروج للتّعرض لأشعة الشّمس ومعهم أطفالهم, وأثناء لعب الأطفال وعلوّ أصوات ضحكاتهم استهدفت قذيفةٌ المكان, فاستشهدت على إثرها كامل العائلة, وانطفأت ضحكة الأطفال.

 من خلال ما شاهدناه ولمسناه هناك, أيقنّا أن الدّولة التركيّة الإرهابيّة تهدف من خلال هجومها إلى احتلال عفرين وإبادة شعبها وتغيّير ديموغرافيّتها السّكانيّة

نقاطنا كانت هدفاً للضّربات التّركيّة

ونوّهت حمي إلى الصعوبات الّتي واجهتهم قائلةً: لم يكن بمقدور مجموعتنا الذّهاب إلى الكثيرٍ من أماكن الاشتباكات لانتشال الضّحايا وإسعاف الجّرحى بسبب استمرار القصف, فكنا أحياناً ننتظر كثيراً حتى يعم الهدوء, ثم نذهب إلى الأماكن المستهدفة ونخرج الضّحايا والمصابين الّذين أصبحت حالاتهم حرجةً من تحت الأنقاض, وكانت سياراتنا ونقاطنا مستهدفةٌ أيضاً, لذلك كنّا نُغيّر مواقع نقاطنا باستمرار, بالخلاصة نستطيع التأكيد أنّ الاحتلال التّركي يستهدف المدنيّين والسّدود والمدارس والبيوت ودور العبادة, حيث بلغ عدد المدارس الّتي دمّرتها آلة الحرب التّركيّة ثلاث عشرة مدرسةً, وقد استخدم الاحتلال التّركي في هجومه كافّة أنواع الأسلحة المتطوّرة, وحتّى المحرّمة دوليّاً.

وثّقنا استخدام العدو التّركي للأسلحة الكيماويّة

وعن استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الاحتلال التّركي في هجماته على المدنيّين ذكرت حمي حادثتين تثبتان هذا الأمر قائلةً:

قمنا في الحالة الأولى بإسعاف خمسة أشخاصٍ إلى إحدى نقاطنا الطّبيّة, وكانوا قد أُصيبوا بقذائف تحتوي على غازاتٍ غريبةٍ, حيث ظهرت عليهم أعراض الاقياء وتوسّع حدقة العين وطفح جلدي, كما أُصبنا نحن بنوبات سعال نتيجة الرّائحة المنبعثة منهم, فقمنا بإنعاشهم بالأوكسجين وإبر الكورتيزون حتى بدا عليهم التّحسّن.

أمّا في الحالة الثّانية فقد كان المصابون ستّة أشخاص قد تعرّضوا للغازات السّامّة, وكانت حالتهم حرجةً ولم نتمكّن من إنعاشهم عن طريق الإسعافات الأوّليّة, فاضطرنا لنقلهم إلى مشفى عفرين وبعد المعالجة والتّحاليل تبيّن أنهم تعرّضوا لغاز الكلور السّام.

شعب عفرين متمسّك بأرضه والجّميع ساعدنا في عملنا

وتابعت جميلة حمي: وثّقنا استشهاد 290 شخص, وأثناء تواجدنا في إقليم عفرين قام طلّاب كليّة الطّب بالانضمام إلينا طوعيّاً, وساعدونا في توزيع حليب الأطفال على العوائل المحتمية من القصف في الأقبية والكهوف وفي كافّة نواحي الإقليم المشتعلة, لمسنا مدى تمسّك الشّعب بأرضه رغم الهجمات التّركيّة, حيث كان الأهالي في النّهار يحتمون من القصف تحت أشجار الزّيتون وفي الليل يلجؤون إلى الأقبية والكهوف, والنّاس كانت تساعدنا في إسعاف المصابين والجّرحى وفي توزيع الخدمات على النّازحين, هكذا شعب لا يمكن إلّا أن ينتصر.

  نعمل مع مؤسّسات وأهالي الإقليم على تأمين متطلبات النّازحين

وعن حالة النّازحين من القرى الحدوديّة الّذين لجأوا إلى المدينة تحدّثت لنا حمي عن أوضاعهم قائلةً:

تم تأمين أماكن سكن للنّازحين في الملاجئ والمدارس, وقد شكّل مجلس مقاطعة عفرين لجاناً من أجل توزيع الطّعام والماء على النّازحين, ونحن كهلال أحمر كردي أمّنا لهم حليب الأطفال والبطّانيّات والفرشات والمعالجة الطّبيّة, وتعمل مؤسّسات الإقليم كخليّة نحلٍ من أجل تأمين متطلّباتهم, والاطمئنان على أوضاعهم وتأمين ما يريدونه, لعبنا دوراً مهمّاً وبالتّعاون مع مؤسّسات الإقليم والأهالي على توفير الاحتياجات الضروريّة لكافّة النّازحين.

دماء أطفالنا في رقبة المجتمع الدّولي

العدو التّركي مثّل بالجثث وعذّب الأسرى وكل شيء موثّق لدينا, كما قتل الأطفال والنّساء ودماؤهم في رقبة المجتمع الدّولي الّذي ينادي بحقوق الطّفل والمرأة.

نحن لم نعد نثق بهم لأنّهم يرفعون شعاراتٍ لا يطبّقونها, أليس أطفال عفرين من أطفال العالم؟

لذلك أعددنا تقريراً كاملاً بجرائم الاحتلال التّركي وقد تمّت قراءته في الكونغرس الأمريكي, وهناك 17 منظّمة أعلنت تأييدها لنا في تجريم الاحتلال التّركي, وصمت المجتمع الدّولي عارٌ على جبين الإنسانيّة.

كلمة المحرّر

لقد أثبتت شعوب الشّمال السّوري أنّهم الأصحاب الحقيقيّون للثورة السّوريّة, فقد تكاتفوا وتعاونوا وقاوموا وصمدوا بروح الأخوّة والتّعايش المشترك في وجه كل المحن الّتي تعرّضوا لها, ولولا هذه الرّوح الثّائرة لما استطاعوا هزيمة داعش, ولما بنوا مشروعهم الدّيمقراطي, ولما كانت مناطقهم من أكثر المناطق أمناً في سوريا, وبفضل بعض المنظّمات والمؤسّسات كالهلال الأحمر الكردي استطعنا أن نستقبل الّلاجئين من باقي مناطق سوريا ومن العراق, واستطعنا أن نوصل صوت الظّلم والحريّة إلى العالم, وأن نُثبت للعالم أنّنا قادرون على تنظيم أنفسنا ومجتمعنا, وأن ننشر السّلام والدّيمقراطيّة بين البشريّة جمعاء, وأنّنا قادرون على حماية أنفسنا وأراضينا وأن نعيش بسلامٍ مع كافّة الدّول في العالم.

 تقرير: عامر طحلو

زر الذهاب إلى الأعلى