ثقافة

المثقف والسياسة؛ أين هو من الثورة؟

يثار الكثير من الجدل حول المثقف والسياسي والعلاقة بينهما وظيفياً وفكرياً وأخلاقياً وحول علاقة المثقف بالسياسة، وهل المثقف سياسي أم إن السياسي هو المثقف بعينه، باعتبار الثقافة والسياسية هي التي تبني المجتمعات وتقودها لتصل بها إلى مرحلة الأمن والاستقرار والازدهار، وهنا يكون المثقف هو السياسي ذاته الذي يعمل على بناء مجتمع سياسي ديمقراطي واعٍ وحر وفق رؤية أغلب الفلاسفة وعلماء الاجتماع، لكن الصورة الضبابية النمطية التي طبعت بها المثقف والسياسي على حدٍ سواء في دول المنطقة وعموم الشرق الأوسط كانت انعكاساً لصورة وذهنية السلطة تلك الصورة التي اعتبرت المثقف الإنسان الفوق مجتمعي وهو الأكثر وعياً وتفكيراً لذا صنفوا ضمن الطبقة الحاكمة والتي هي بطبيعة الحال وجدت نفسها أي الطبقة الحاكمة بأنها فوق مجتمعية منزلة مختلفة لا مثيل لها في الخلق والأبداع، ولولاها لكانت شريعة الغاب هي الراسخة حسب زعمهم وبهذه الصورة وجد كمٌ من مثقفي السلطة وسياسيها أنفسهم طبقة فوقية حتى بعد اهتزاز كيان القبضة الحاكمة باعتبارهم ينظرون إلى أنفسهم أنهم النخبة في المجتمع وهم يقرأون الوقائع ويصيغونها بمنظارهم الفوقي الخاص، حقيقةً هم يهرون في أي هبةً تعصف بمكانتهم، باعتبارهم ليسوا سوى معاول للهدم في مرحلة هبوب العاصفة يحملون ضغائن فشلهم ورهابهم في هدم إبداع الآخرين الذين هم الطبقة العريضة والتي كانت في نظر الفوقي بأنها غافلة وجاهلة وليست إلا أرضية لتمرير مشاريع ونزوات البعض، ويقول البعض أن المثقف يجب عليه أن ينتمي إلى عالم المطلق والحقيقة ويقولون في السياسي بأنه ينتمي إلى عالم الممكن والواقعي؛ ولذا يصيب المثقف ما يصيب الأفكار حين تتجسد في العمل السياسي من تشويه وأخطاء تترفع عنها الحقيقة كما يترفع عنها المثقف. ويقول أخر أن المثقف الذي يلهم الثورة وربما يقودها يعجز لاحقاً عن بناء ما لا يستطيع فعله سوى السياسي، وهنا المسألة ليست مسألة وعي؛ وإنما مسألة أدوات. قد يمتلك المثقف وعياً بالمسألة السياسية لكنه يفتقد أدوات السياسي في تناول الممكن والواقعي. وهذا يقودنا إلى رؤية بأن تجربة السياسة لا يمكن أن تنتهي إذن بالمثقف إلا إلى فشل درامي، ينتهي بعده إما إلى عزلة صوفية ربما يختارها من بداية الطريق، يتوخّى فيها السلامة السهلة وسط إعجاب وتصفيق الأتباع على التفوق في اختبار لم يخضه أستاذهم، أو ينتهي إلى عدمية تجسد دراما الضلال بعد مثالية البراءة الأولى.

 لكن القول بأن على المثقف أن يخرج بأفكاره من عالم المعاني إلى عالم المباني؛ وهنا يحتاج المثقف إذن إلى السياسة هذا إن لم يكن ذاك الخروج عملٍ سياسي بحد ذاته باعتبار السياسية فن الابداع أيضاً. وهنا يثمر الموقف الأخلاقي للمثقف في تحقيق غايات “إن أحسن السياسي فاعينوه، وإن أساء فقوموه”. وهنا قد يتحول المثقف نفسه إلى سياسي حقيقي. والسياسي الحقيقي لا يمكن أن يكون سياسياً في الوقت نفسه ما لم يكن مثقفاً يمتلك الوعي بما ينبغي أن يكون وليس فقط بما هو كائن. إن النظرية التي لا تستطيع أن تحيا وأن تتحمل أخطاء الممارسة نظرية وهمية لا وجود لها إلا في المخيلة؛ طوبيا تنكسر على صخرة التاريخ. هذا نموذج لتلك الجدلية التي اجتاحت واقعنا. القول بالمثقف السياسي أي الثوري الذي يجد نفسه حيث الثورة والنضال والمقاومة والدفاع عن القيم المجتمعية والتي هي قيم إنسانية تراكمية أوجدت الثقافة والسياسة بكل ميادينها ومجالاتها.

كذلك أن صور المثقف الذي يفرض على نفسه العزلة، ويقدمها كصورة مثالية ينسى أنه ليس فقط عاجزاً عن الإصلاح الحقيقي ولكنه يتحول إلى جزء من السلطة، يحتويه ويدجنه، ويتعايشا معاً.

هذه المسافة بين المثقف والسلطة بل والسياسة، تشير إلى مدى تأثر المثقف بالسلطة وبتقاليد نظام الدولة السائدة كتلك التي شهدتها الدول الأوروبية التي أصبح فيها المثقف جزء وأداة من النظام الرأسمالي المثقف والسياسي، بالطبع سيلقي هذا التأثير على المثقف في الشرق الأوسط كون غالبية الأنظمة الشرق أوسطية هي أنظمة سليلة للأنظمة الرأسمالية الغربية.

لكن هذه الصورة ليست معممة بكليتها ولم تكن معممة طيلة مراحل التاريخ الإنساني على المثقف السياسي الشعبي إن صح التسمية، ذاك المثقف الذي وجد نفسه وجهاً لوجه أمام آلة الاستعباد والاستبداد، وجعل من قلمه ورشيته وحنجرته وكل حركاته وسيلة لمقاومة تلك الآلة، وجعل من نفسه فتيل نيران الثورة الشعبية وشعلة تنير درب الثورة وهو نفسه الثائر الكاتب والشاعر والرسام والممثل والمغني…، وهنا يمكن القول بأن للاتزان النفسي الشخصي دوراً كبيراً في صناعة هذا المثقف السياسي؛ هذا المثقف الذي لم يقفز بين الأيديولوجيات ولم يتشوه بملذات السلطة ولم يغرد على موائد الأنظمة؛ وإنما نجح في استيعاب الفكر الانساني وأدرك ماهية الوجود وخرج برؤاه الخاصة التي تعبر حتماً عن آمال وتطلعات تلك البيئة الأولية التي ترعرع فيها البيئة التي حثته على الأخلاق والقيم الإنسانية وعدم الخنوع، إن هذا الاتزان هو ما يحتاج إليه المثقفين ليكون أمام شعبهم، بالطبع ثمة فارق كبير بين مثقف السلطة وفقيه السلطان الفاسد وبين المثقف السياسي.

ثورة روج آفا كانت لها وقفة خاصة وفريدة في تاريخنا المعاصر مع المثقف والسياسي، أين وجد المثقف نفسه في هذه الثورة؟ السؤال ذاته ينطق على السياسي، وهل استطاع أن ينجز مثقفو روج آفا ثورة ثقافية تواكب الانتصارات الميدانية التي تشهدها روج آفا لحظة بلحظة، والقفزات المجتمعية التي ارتقت بها شعوب روج آفا وفي مقدمتهم الشعب الكردي.

في هذا العدد وبعد هذه الاستفاضة اطلعنا على رؤية كل من الكاتبين محمد بشير وجندي خزان اللذان واكبا الثورة من انطلاقتها إلى اللحظة وهم كالثوار في الميادين وساحات القتال، وكالسياسيين في جلسات السياسة وهم شعراء في أمسيات الشعراء…

يقول كُتاب السلطة إذا أردت إبادة شعب فأبدأ بمحو ثقافته

محمد بشير الكاتب والرئيس المشترك لاتحاد مثقفي إقليم الجزيرة- فرع مقاطعة الحسكة

تعرض الشعب الكردي عبر تاريخه الطويل لمحاولات وحملات كثيرة من قبل الدول والأنظمة القومية التي عملت صهره في بوتقتها القوموية الاستبدادية عبر محو ثقافته ووجوده مستندين على مفهوم “إذا أردت إبادة شعب فأبدأ بمحو ثقافته”.

نعم لقد استطاعت هذه الأنظمة إلى حدٍ ما أن تعرقل وتبطئ من مسيرة تقدم الثقافة لدى هذا الشعب، وما كانت سياسات التتريك والتعريب والتفريس سوى عناوين عريضة لممارسات تلك الأنظمة التي أنكرت هوية وجود الشعب الكردي ولازالت تحكم بالحديد والنار ناكرة حقيقة شعب يعيش على أرضه، هذا الشعب الذي لم ينكر قط ثقافة وهوية جيرانه من الشعوب التي تعايشت معه.

نستطيع القول بأن الشعب الكردي من أكثر شعوب العالم تعرضاً للإبادة الثقافية، وتكالبت عليه الأنظمة الجائرة والاستبدادية عبر سياساتها الشوفينية مشوهة التاريخ، بما يخدم سياساتها من طمسٍ للحقائق، وتغيير لديمغرافية المناطق التي يعيش فيها الكرد منذ آلاف السنين، متناسية بأن الشعب الذي يمتلك تاريخاَ عريقاَ وملهم للحضارة الإنسانية لا يمكنه الفناء مهما كانت آلت استبداهم قاسية وحادة، وسينتفض ويبدأ بثورته ويبعث بثقافته من جديد حين تكون الظروف مواتية.

لا شك أن تاريخ الحركة الثقافية الكردية الحديثة والمعاصرة ذاخرة بأسماء لامعة لكن وللأسف كانت نتاجاتهم وأقلامهم تخدم كل المكاتب الأخرى عدا المكتبة الكردية، وهنا أشير إلى بعض تلك الأسماء لا على سبيل الحصر، كالشاعر أحمد شوقي والكتاب والروائي سليم بركات والتي صبت نتاجاتهم الأدبية في ردف المكتبة العربية، الأمر كذلك بالنسبة للكاتب عزيز نيسن في باكور كردستان.

بالمقابل لم يبخل المثقفين والكتاب الكرد رغم كل الصعوبات والظروف القاسية التي واجهوها في إغناء المكتبة الكردية والحفاظ على التراث الثقافي لدى هذا الشعب العظيم، وهنا يظهر العديد من الكتاب والأدباء أمثال جكر خوين ونوري ديرسمي وجلادت بدرخان وسيداي تيريج وملا أحمد نامي وأصمان صبري وعرب شمو وعلي سيدو الكوراني صاحب المعجم الكردي الحديث، والشاعر ملا أحمد بالو وموسى عنتر وغيرهم الكثير ممن أثروا الثقافة الكردية الحديثة.

الحديث عن الواقع الثقافي منذ اندلاع الثورة في روج آفا وشمال سوريا له منحاً أخر، فقد تفجرت ينابيع الحركة الثقافية وكانت بحق بداية ثورة حقيقية في جميع المجالات الثقافية، فبالرغم من حالة الحرب الدائرة منذ أكثر من سبع سنوات وما يعايشه المنطقة من معاناة، إلا أنها استطاعت أن تخطو خطوات لا يستهان بها رغم الخبرات القليلة وما خلفته أنظمة القمع من تراكمات استبدادية في الصهر والإبادة التي مورست منذ عشرات السنين لكن استطاعت هذه الثورة أن تمسح غبار آلاف السنين وأن تبعث بواقع ثقافي يستمد جذوره من الثقافة الأصيلة التي طمرتها غبار أنظمة الجهل والتخلف منذ مئات السنين.

الثورة الثقافية التي انطلقت مع ثورة 19 تموز في روج آفا كانت نقلة نوعية في تاريخ الثقافة الكردية وثقافة عموم مكونات المنطقة وذلك من خلال إقامة العديد من المهرجانات في السينما والمسرح والقصة والشعر وإفساح المجال لكل من لديه مخزون ثقافي وفكري أن يدلو بدلوه، وبدأ حركة ثقافية تظهر للأفق وتخطو خطواتها الراسخة نحو الارتقاء بالمستوى الثقافي، ليتماشى مع المكتسبات الكبيرة التي حققتها الثورة، والتضحيات العظيمة التي يقدمها شعوب شمال سوريا من خلال المقاومين الذين يدافعون عن قيم ومبادئ هذه الشعوب والذين لهم الفضل لمساندة الثورة الثقافية. فإذا أمعنا النظر بما حدث خلال عدة سنوات من تاريخ هذه الثورة فإنها تعتبر معجزة وعمل جبار قل نظيره في تاريخ الثورات ومقارنة بما حدث من مكتسبات في المجالات العسكرية والسياسية، نرى أنه لم يرتقي بالشكل المطلوب لمجاراة تلك المكاسب، ففي تاريخ الثورات نرى صدى المثقفين والكتاب تعكسه الشعوب لكن للأسف ورغم المحاولات الكبيرة في مجال الثورة الثقافية، إلا أنها ما زالت بحاجة إلى زخمٍ أكبر لتستطيع أن تعطي ما تستحقه للمكتسبات التي تحققت في المجالات الأخرى.

أننا نرى أن ما حدث في روج آفا شمال سوريا من ثورة ثقافية يعبر عن مدى ارتباط هذا الشعب بثقافته وهويته المقاومة، ويثبت أنه قادر على الارتقاء بمكتسبات الثورة والحفاظ عليها الحفظ، فما يسطره اليوم أبطال التاريخ من ملاحم بطولية لا بد أن تحرك وجدان المثقفين والكتاب وتحرك الأقلام، فالشعب الذي استطاع أن يحافظ على أرثه الثقافي حتى الآن حريص به أن يستمر بالحفاظ عليه ومدُه بينابيع العلم والمعرفة ويكون مصدر إلهامٍ للأجيال القادمة.

إلى الجانب الأخر وما نشهده من دمار وانحطاط للقيم والأخلاق في باقي المناطق مقارنة بما يحدث في شمال سوريا من ثورة ذهنية، يعطي الأمل بانتصار هذه الثورة الثقافية، فمواكبة الثورة في المجالات الأخرى من خلال نقل الأخبار والتحليلات السياسية في الصحافة ومن خلال رسم ملامح المستقبل والتي تنجز في مراكز الدراسات ووصف المشاعر وإسقاط آلاف المشاهد المؤلمة والحزينة والرائعة والمقاومة والنضال التي يسطرها الأدباء والكتاب والفنانين في المهرجانات والندوات، استطاعت إلى حدٍ كبير أن تؤسس لبناء مجتمع يكون قادر على أن يلعب دوراَ مهماَ في ذلك، ويهيأ ظروف النجاح لهذه الثورة.

فالثورة الثقافية التي لا تستطيع أن تكون انعكاساَ لآمال وتطلعات الشعوب في الحرية والعدالة والكرامة ومحافظةً على الإرث الغني للشعوب لا يمكن تسميتها بالثورة، ولا يمكن القول بثورة ثقافية ما لم تكون مرآة لآلاف الأحداث التي تحصل وتكون مخزوناَ للأجيال القادمة، وما من شعب آمن بقدراته إلا وانتصر.

الثقافة خلقت المقاومة ولكن المقاومة هي التي تحرك الثقافة

جندي خيزان شاعر وكاتب كردي وعضو أكاديمية المجتمع الديمقراطي وحركة الخابور للثقافة والفن في الحسكة

تخلد مقاومة العصر في التاريخ بالقصائد والأغاني والمسرحيات، وفي الوقت نفسه ستصبح مصدراً لثقافة شعب كردستان. ولأن المقاومة والنضال جزء من التاريخ والتاريخ جزء من ثقافة الشعوب، نستطيع القول إن الثقافة خلقت المقاومة ولكن المقاومة هي التي تحرك الثقافة.

أن للشعر والقصص والمسرحيات دور في قيام الشعوب بالانتفاضات والثورات وهي التي تخلد هذه الثورات في صفحات التاريخ وتحميها من الاندثار، بالطبع الشعر ليس فقط لبث الفرح السرور في النفس، وإنما هو تعبير عن الفكر والتطور في المجتمع، ولأن الأشياء المنظومة والموزونة تحفظ بسرعة كان كل شيء سابقاً يكتب عن طريق الشعر. الأشياء التي حفظت شفاهياً استطاعت حماية وجودها لأنها انتقلت من جيل إلى جيل وتم تخزنيها في ذاكرة الشعوب، ولكن الكثير من الأحداث المكتوبة ضاعت أو أحرقت.

إن أول قصيدة شعرية كتبت قبل 4800 عام قبل الميلاد عندما هاجم المستبد العيلامي لوغول زيغري مدينة كيش ودمرها بالكامل وقتل وشرد شعبها، فقام الشاعر السومري دنغر داموانهاب بكتابة قصيدة تعتبر أقدم قصيدة في التاريخ عن مدينته كيش صور فيها تدمير مدينة كيش وهنا نرى أن القصيدة هي التي خلدت هذه الحادثة في التاريخ”.

 لقد لعبت الثقافة والفن دوراً كبيراً في التعريف بالحركة والقضية الكردية المعاصرة، وهنا نتطرق إلى فرقة برخدان الموسيقية التي كانت لها دور كبير في رفعت معنويات الشعب وبث روح الثورة والمقاومة، تلك الأغاني ما زالت تغنى حتى الآن في الفعاليات والمظاهرات التي شهدتها وتشهده روج آفا وشمال وسوريا. الوضع نفسه ينطبق على عفرين فمن أجل مساندة عفرين وفضح الجرائم التي ترتكب بحق أبنائها ولإيصال صوت مقاومة الأهالي والمقاتلين إلى جميع أنحاء العالم وتخليد هذه المقاومة في التاريخ كتبت الكثير من الأغاني والمسرحيات والقصائد باللغتين العربية والكردية. ونحن نرى كيف أن هذه الأغاني تبث الحماس في نفوس أبناء الشعب وتدفعه للانتفاضة والنهوض عندما تغنى في الفعاليات والمظاهرات والاحتفاليات”.

الثورة والمقاومة في روج آفا هي بالطبع نتاج تلك المرحلة وهي تستمر اليوم بمقاومة العصر في عفرين التي أعطت روحاً جديدة للثقافة والفن، والتي تخلد في التاريخ من خلال الشعر والأغاني والمسرحيات، وفي الوقت نفسه ستصبح مصدراً لثقافة شعوب المنطقة. ولأن المقاومة والنضال جزء من التاريخ والتاريخ جزء من ثقافة الشعوب لذلك نستطيع القول إن الثقافة خلقت المقاومة ولكن المقاومة هي التي تحرك الثقافة وتمنحها الحيوية”.

بالطبع يهاب السلطة ويخاف العدو من الكلمة والقلم أكثر من خوفه من البندقية، ففي ثورة روج آفا بدى دور المثقفين واضحاً للعيان واستطاعوا إلى حدٍ ما ومن خلال نتاجاتهم الأدبية والفنية المتنوعة إيصال صوت الثورة والمقاومة إلى أصقاع الدنيا. ولأن مداد أقلام الكتاب بمثابة بلسمٍ للشعوب وسماً على قلوب الأعداء وهذا أثار غيظ أعداء الشعوب والانسانية والثقافة وشهدنا كيف إن النظام التركي قام باعتقال المئات من الكتاب والمثقفين وفرض الحظر على نتاجاتهم الأدبية والفنية وأصحاب الفكر الحر الديمقراطي وسجل المستبدين حافلٌ بهذه الممارسات وهنا أشير إلى قيام الدولة التركية بمنع الأغاني الثورية التي تبعث الحماسة في نفوس أبناء الشعب كأغنية “صيد الثعالب” للفنان صفقان.

إن المثقف يستطيع التفكير في عتبات الظلمة وينير بفكره وخياله المستقبلي كل الأماكن المظلمة، وهذا ينطبق على المثقف الواعي لقضايا شعبه والمدرك لحقيقة الثقافة ودورها في مقاومة الشعوب. الحاجة إلى الكتاب في الثورات كبيرة وخاصة في ثورة روج آفا، وذلك بسبب دورهم في ربط الشعب بالثورة والمقاتلين، وبث القوة والحماس في نفوسهم، ويكونون بذلك قد منحوا أنفسهم فرصة المشاركة في النضال والمقاومة.

 من هنا يعتبر الفنان والمثقف والكاتب بمثابة الطبيب للشعوب يجب عليه أن يعرف كيف يشخصون الداء ليعرفوا كيف يوصفون الدواء، وعليهم العمل على توحيد أبناء المجتمع وإزالة كل الرواسب والتقاليد البالية منه وإبداع وابتكار الأشياء المفيدة، وتطوير المجتمع على أساسها، ويكونوا صلة الوصل بين الشعب وثورته وأرضه.

ختاماً

يلعب المثقف دور جوهري في بناء الثقافة الثورية والتي تتصف بالحيوية والديمومة، كونها تعد إحدى أهم المنجزات في الإطار العام للثورة، فلا يمكن وضع حالة النهوض المجتمعي في الإطار الثوري والسياسي ما لم يردف نهوضه بصياغات أدبية وفنية وفكرية تعبر عن الحقيقة الثورية للشعوب والتي أنجزت المئات من الثورات منذ فجر التاريخ.

ولعل الدور الذي لعبه المثقف في روج آفا في تحطيم قوالب الأنماط الثابتة التي وضعت للمثقف رغماً عنه أو تلك التي وضعها بعض المثقفين لأنفسهم كتقليد مكتسب ضمن إطار تقاليد السلطة والمدنية. المثقف في روجآفا وخلال ثورة الحرية استطاع كسر تلك القيود التي كبلته وأسّرته في حجرة الذات الفردية.

 وشكل مشاركته ووقوفه في روج آفا بجانب مجتمعه ركيزة أساسية في تحقيق آماله في الحرية والديمقراطية، فمن تحشيد الجماهير في الساحات والطرقات إلى بناء ووعي ثوري تحرري بين كافة أبناء روج آفا وشمال سوريا، تعالت أصوات المثقفين وذخرت أقلامهم الثورة وأمدت المقاومة بالقوة والقدرة على متابعة الثورة، لاسيما أن المثقفين يُعدّون قيمة ثورية لا يمكن الاستغناء عنها.

إعداد: دوست ميرخان       

زر الذهاب إلى الأعلى