مقالات

ما قاله منتدى رميلان

sehanok-dibo2سيهانوك ديبو – من الإنصاف القصيّ لو قلنا بأن الأزمة في سوريا هي أزمة فكر ومعرفة تتعلق بظهور وتسلط الأفكار المشطوبة المسطحة والمعطوبة التي حملها النظام الاستبدادي كي يحلو له الجلوس على صدر الشعب السوري؛ من جهة، ومن جهة أخرى بالأفكار التي حملتها غالبية الأحزاب المعارضة وكياناتها وشخوصها؛ أفكار قلقة تم سحلها نتيجة اللوك المستدام الذي ألّم بها، ووفق هذه الأفكار الظاهرة (المعروفة) كان الصراع بينها في أدنى مستوى، وهذا هو التفسير المتفائل لها، خاصة؛ أن حامليها بانوا كَكُتل عدمية متصارعة. وفي بداية الأزمة السورية سادت الخطابات بدلاً من الأفكار، وساد الارتجال بدل من الموقف، وساد التفاعل الفجائي بدلاً من الرؤى والمنهجية والاستراتيجية، فحصل ما حصل، وأصبحت المبادرة في أغلبها مسنودة للخارجي عوضاً عن السوري المتقوقع –عنوة- في سديم التقسيم والنكوص الفئوي والحبو العقدي، والخارجي مجبول بملفات هائلة من الدوغما السياسية والمصالح ذات الأصل الاقتصادي والتصارع الجغرافي والقيمي بينها؛ وكلها متحركة في فضاء الهيمنة والحوكمة العالمية، فتحولت سوريا إلى أكبر خزان جغرافي لتضارب المصالح الدولية والإقليمية والمحلية، مما استدعى بعض ناعتيها بأنها حرب عالمية ثالثة في جغرافية يحرص المصارعين فيها أن لا تتمدد إلى خارجها؛ مع السماح لبعض الشطحات في القفزات البهلوانية التي تؤكد بدورها حرص المتناقضين على إبقاء قواعد اللعبة في الجغرافية السورية. وهذا كله يرجع بدوره إلى الفقر المدقع الذي نال نواة أو نويّات التغيير المجتمعي السوري، ومن المؤكد أن أسباب هذا الفقر يرجع بدوره إلى غياب نوعي جمعي للروافع السورية التي من المأمول بأنها كانت تنظر مثل هذه الجلبة السوسيوسياسية التي أحدثها انتفاض الشعب السوري في آذار 2011؛ تنظر وتنتظر هذه الجلبة، لكنهم، ظهروا تباعاً بأن غالبيتهم لم يكونوا سوى المجبولين بالأفكار وليسوا الجالبين لها.

 ما حدث في رميلان؛ مقاطعة الجزيرة من روج آفا- شمال سوريا وفي يومي 30 أيلول والواحد من شهر تشرين الحالي هو حوار وطني ديمقراطي بمن استطاع الحضور ضمن الظروف الاستثنائية التي تمر بها عموم سوريا وبالأخص في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، وقد تم تلبية الدعوات والحوار تحت شعار (الفيدرالية الديمقراطية ضمان لوحدة سوريا)، وكانت المحاور الأساسية للحوار الوطني مؤلفاً من أربعة محاور أساسية، وأكثر من سبعين مداخلة:

1- الدولة القومية وتداعياتها على المكونات السورية : العرب؛ الكرد؛ السريان الآشور؛ وعلى المرأة.

2- نموذج الأمة الديمقراطية كبديل من أجل حل القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية التي نعاني منها.

3- تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية وتقييمها بالنسبة لمكونات روج آفا- شمال سوريا.

4- النظام الفيدرالي الديمقراطي كنموذج حل للقضايا في سوريا ودوره في ترسيخ وحدة سوريا.

المحاور والمداخلات التي تبعتها بالمجمل كانت مفيدة وتتماهى مع فكرة الحوار ذاتها. وتنقل الصورة الإيجابية الموصولة إليه في روج آفا المخالفة بشكل تام  لما نشهده من الدمار والتقسيم  الحقيقي الذي تعانيه سوريا في أغلب مناطقها. باستثناء بعض من الأصوات القليلة جداً؛ والتي يمكن تسميتها بالمترددة أو التي كانت تحاول تسويق نفسها من خلال التركيز على الجزئيات وابداء نفسها بأنها المُخَلِّصة؛ وهذه الشاكلة هي بالأساس مشكلة لذاتها؛ لا لغيرها.

دواعي المنتدى وطرح فكرة الفيدرالية الديمقراطية

لا شك بأن أصل الأزمات كما أن أساس الحروب هي بسبب غياب الحلول؛ وقد يكون التعريف الأنسب للحرب بأنه غياب الحل/ الحلول. وما حدث في رميلان لمدة يومين هو البحث في الحل المطروح من قبل قوى وأحزاب سياسية وفعاليات مجتمعية من روج آفا- شمال سوريا بهدف تصويب الوجهات المختلفة إلى عملية خلق المجتمعات الفاعلة وليست المنفعلة، إلى المجتمعات المنضبطة المنتظمة وليست المجتمعات المنفلتة. وأن طرح قضية كبيرة مثل الفيدرالية كحل للأزمة/ الحرب السورية متعلقة بالأساس بدواعي القضايا التي تُحَلْ حين تطبيق النموذج الفيدرالي؛ أهمها:

1- الانتقال السياسي السوري المتوافق عليه في قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؛ من المفترض أن يلامس جوهر التغيير والتحول الديمقراطي؛ ومن المهم التأكيد بأنه يجب أن لا يكون بصلة مع أي شكل من أشكال إعادة نظام مركزي تسلطي. ونظام الفيدرالية أي الاتحادية تمثل مثل هذا الانتقال من صيغة الحكم المركزي إلى صيغة اللامركزي الديمقراطي.

2- التأكيد على العيش المشترك بين المكونات دون تبعية أو الحاق أو أية سياسات تؤدي إلى إنكار حقوقها؛ يضمن هذا التأكيد/ المطلب أن تكون وجهتنا كسوريين إلى الجمهورية السورية الفيدرالية.

3- يضمن النظام الفيدرالي مسائل التنمية المجتمعية والاقتصاد دون استبداد زمرة مستبدة معينة تتحكم برقاب المجتمع السوري مؤدية بمكوناته إلى الفقر وإلى التخلف؛ إذا ليس من المعقول أن يكون – كانتون الجزيرة- على سبيل المثال منتمياً إلى المحافظات النامية المتخلفة، والعلم كله أن الجزيرة لوحدها تسهم في الناتج الوطني بنسبة أكثر من 40% .

4- الأمن والاستقرار: أثبتت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تشكل صيغة ومضمون الفيدرالية الديمقراطية المعلنة من قبل من أعلنها؛ أنها ناجحة بشكل منقطع النظير في إحقاق السلم الأهلي وضمان حالة متقدمة من الأمن والاستقرار، أدت هذه الحالة كي تكون ركيزة من ركائز المجتمع الديمقراطي كهدف من أهداف النظام الفيدرالي الديمقراطي.

الفيدرالية الديمقراطية ليست متعلقة بالتدويل السلبي –حتى اللحظة- الذي تتعرض له سوريا؛ إنما العكس تماماً متعلق بإيجاد حد للتدويل وأن لا يبدو المجتمع السوري بأنه مسلوب الإرادة ولا يستطيع أخذ القرار. كما أن اصرار القوى السياسية التي أعلنت عن المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي لروج آفا- شمال سوريا في 16/17 آذار العام الحالي تشكل بصميميتها أنها المبادرة في اتخاذ القرار وبناء اللبنات الأولى نحو التأسيس للمجتمع السياسي الأخلاقي الأيكولوجي.

زر الذهاب إلى الأعلى