دراسات

لمصلحة من يتم أبلسة الكرد وخصوصاً في سوريا؟

سيهانوك ديبو

مُذْ إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014 –عشية اجتماع جنيف السوري الثاني المنسي- تمت محاولات كبيرة وأكثر انتظاماً في الآونة الأخيرة بغرض تشويه فحواها وتشويه قائميها؛ ومن قبل أطراف يتقاسمون الأمكنة نفسها؛ كلاً منهم بالدور المعهود له.

أطراف من الائتلاف لعبوا من أجل تسديد هدف في مرمى التقسيم السوري وأن الكرد –بإغفال كامل مقصود للمكونات الأخرى المؤسسِة- هدفهم من وراء الإدارات الذاتية تقسيم سوريا. وفي اللحظة نفسها كانت أقسام من المجلس الكردي الموجود في الائتلاف يعزف للرأي الكردي بأن الإدارات الذاتية تغييب كامل للحق الكردي.

وبمحازاتهما كان تنظيم داعش الإرهابي والمجموعات المسلحة المرتبطة به وبالنصرة/ فتح الشام الحالي؛ وبعد كل خُسران قُدّام وحدات حماية الشعب والمرأة وعموم فصائل سوريا الديمقراطية كانت ولم تزل مروِّجة بأنهم يقاتلون المرتدة/ الكفرة الكرد؛ في أكثر من بيان وفي أكثر من مقابلة؛ موازاة قصوى مع رفع أحدث السلاطين أردوغان للقرآن الكريم وبيانه التتريكي في أنه يحارب الكرد الكفرة الزرادشتيين.

واليوم يتم طي تلك الصفحات التي تطايرت أمام وقع الثائرات الكرديات ووقع الثائرين الكرد مع جميع الثوار من جميع المكونات؛ إذْ لم تبدي لا نفع منها، وبعد طيّها أو بعثرتها يتم العودة إلى رنة عتيقة جديدة أخيرة تحت ذريعة التقسيم والانفصال، وقيادة أوركسترا بِنَوطةِ (معزوفة) اتفاقية أضنه 1998 (تركيا والنظام السوري وإيران)؛ صك البيع الأخير لِلواء اسكندرونة للعثماني.

هكذا يتكلم زرداشت؛ اليوم

الكردي ومَنْ معه مِنَ المكونات في شمال سوريا/ روج آفا قدموا آلاف الشهداء لحماية جميع المكونات على مدار الخمس سنوات الماضية بشكل متناغم مع تاريخهم الإيجابي ودورهم الوطني في سوريا التشكيل وسوريا الانتداب وسوريا الاستقلال وسوريا المعارضة ضد الاستبداد. ومن أسسوا الإدارات الذاتية الديمقراطية/ جوهر الفيدرالية الديمقراطية هم المعارضين الأصلاء للنظام المركزي وهم الأكثر من عارضوا النظام وحافظوا على المؤسسات الوطنية في الوقت نفسه.

أصل الثورة أن يتم التمييز بين قواعد الدولة الوطنية (المؤسسات المجتمعية) وبين النظام الاستبدادي اللازم على محك التغيير؛ من مركزي إلى لا مركزي بمقصد حل القضايا القومية والتنموية وتوزيع السلطات بين المركز والمناطق السورية وفق مبادئ التغيير والتحول الديمقراطي وأن تفضي نتيجة التغيير إلى اللامركزية الديمقراطية في صيغة الفيدرالية الديمقراطية/ نموذج الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا. أما أن يتم تصوير تحرير الكرد من خلال وحدات حماية الشعب والمرأة لعاصمة دولة الخرافة (داعش) واعتباره من قبل بعض الذين يقسمون سوريا ويقتاتون من موائد أعداء شعب سوريا وفي مقدمتهم الشعب الكردي، بأنه لا علاقة للكرد بتحرير الرقة؛ فهذا هو الافتراء المعلن بعينه.

والملف السوري باعتباره اليوم ملفاً تدويلياً تم تشبيكه مع الملفات الساخنة الإقليمية والدولية؛ فإن مهمة الاتفاق على الحكومة الوطنية والجيش الوطني والدستور الوطني؛ مهمات لم تتم إنجازها، وأمّا قوى الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا عن طريق الإدارات الذاتية الديمقراطية السياسية والعسكرية تنتمي قولاً وعملاً إلى التهيئة ومن ثم إنجاز هذه المهمة وغيرها من المهمات التي تشكل سوية قواعد خارطة الطريق لحل الأزمة السورية.

الجزء المغيّب؛ ما يتم البحث عنه

أن يتم تصوير ما يحدث في كانتون الجزيرة والرقة ومنبج ومقاطعة الشهباء…. على أنه نزاع بين قوى عسكرية كردية- بالرغم من الدور الرئيسي للكرد في عموم قوات سوريا الديمقراطية من جهة ومن جهة أخرى المكون العربي؛ فإن لذلك غاية ومقصد دفين مكشوف؛ لعبت على إذكائه قوى الأنظمة الاستبدادية وممثلي القومية البدائية؛ أينما كانوا. أما غاية ذلك بأن يتم أبلسة الكرد وأبلسة هذه القوات وإفراغ الأدوار الثلاثة التي قامت بها القوات وحققتها على الدوام: الإنسانية والوطنية والقومية ومن خلال التصدي لتنظيم داعش الإرهابي وتحرير العديد من المناطق السورية من الإرهاب المدعوم من السلطة التركية ومن النظام ومن إيران؛ من كلٍّ بحسب حاجته ولكلٍّ بحسب ما يخدم أجندته وبقائه واستمراريته. يتعكزون على داعش ويستخدمونها؛ وتتعكز عليهم داعش ويستخدمهم مجتمعين منفردين.

الحديث عن الحل الديمقراطي هو الأصل الذي لا يمكنه التأثر بالمستجدات وبالتشويه والتشويش وحتى بالفتن؛ آخرها في الحسكة، والحديث عنه لا بد من أن لا تخلو الجعاب والعقول من مشاريع ديمقراطية. وفي روج آفا- شمال سوريا التي أعلنت عن نظام الإدارات الذاتية الديمقراطية قبل خمس وخمسين شهراً؛ من المؤكد يسأل السوري نفسه في حوران الجبل أو السهل؛ في الساحل؛ في حمص؛ في حلب وفي كل المناطق السورية: ما الذي منعنا أن نشكل إدارات ذاتية خاصة بمناطقنا ومن مكوناتها. حينها واليوم؛ تصبح مسائل التعكز الثنائي بين الاستبداد والإرهاب غير قابلة على التموجد. حقيقة تم الإجابة عنها في روج آفا- شمال سوريا.

وحديث الأبلسة وإظهار رواد المشروع الديمقراطي بأنهم على ضلال حينها واليوم حديثٌ أجوف كمن ينفخ في قربة مقطوعة.

المجتمع السوري (المُخربط)

الحديث عن أن المجتمع السوري قد ناله التعب؛ نتيجة صحيحة، ولكن؛ دون أن تؤثر هذه النتيجة أو تشوِّش على إمكانية وجود الحل، والخربطة الصائرة إليه في المجتمع السوري تبدأ من الوعود والخطوط الحمر التي أججت نيرانها السياسة غير الأخلاقية المعتمدة من قبل الما وراء وفي مقدمتهم تركيا، وتنتهي بالحرب بين القوى العالمية على مناطق النفوذ في سوريا بقصد: الإعمار؛ الموارد؛ الكتلة البشرية والاقتصادية.

وما بين النقطتين يوجد حديث مفجع من القتل الذي فاق نصف المليون، وأضعافه من المعاقين، وأضعافهما من المهجرين. والغاية من هذه الخربطة هو تغييب الحل وإفشال نويّاته وفي مقدمتها الحل الديمقراطي الفيدرالي في روج آفا- شمال سوريا. الخربطة لا تُضعف الحل بل تقويّها وتستدعيها، والمزيد من إظهار اللاحل يعني من الضرورة أن يقابله المزيد من الاصرار على الحل وكل ما يستوجبه وكل ما ينفذ بالضرورة على خلق الأمن والاستقرار.

    هل نفهم كسوريين وكَكُرد بشكل مخصوص في أن من انتصر على الإرهاب من الواجب أن لا ينتصر عليه الاستبداد؟

عن طفيليات الحروب…. عن البقايا؛ ومن يشبهونها.

ثلاثة صنوف مهاجمة تظهر فور كل هجوم على القوى العسكرية أمْ السياسية الممثلة للإدارات الذاتية الديمقراطية سواء من قبل الإرهاب أو من قبل الاستبداد؛ بدلاً من التعاضد والمزيد من التحالف. هذه الصنوف هي:

1- المتهجمون على فكر وفلسفة المشروع الديمقراطي الذي أفضى على تحقيق نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية ومشروع الفيدرالية الديمقراطية كحل لانتشال سوريا من الوضع المتقدم الذي تعيشه من التقسيم والتفتيت والتدمير؛ هؤلاء هم الأعداء الاستراتيجيون.

2- المتهجمون على المنجزات والمكتسبات السياسية التاريخية التي تم تحقيقها بفضل نهج الخط الثالث المتمثل بالسياسة الديمقراطية؛ يبدو هؤلاء اليوم في لباس الواعظ والحكيم وهم على غير علاقة وثيقة بالوعظ والحكمة. والمتتبع لدروبهم الضحلة والاستثنائية يجدهم من خسارة إلى خسران؛ هؤلاء هم أشبه بلعب دور الذبابة التي كلما تبعدها تحاول المجيء؛ متعلق ذلك بعدم امتلاكها للذاكرة والإدراك.

3- المتهجمون من خانة أو باب المعارضة لأجل المعارضة: (النظام وال PYD) يقومون بمسرحية وخلافهم على مناطق النفوذ. لماذا تقوم أمريكا بدعم الكرد ولا تقوم بدعم (المعارضة) في فتح الشام/ جبهة النصرة أو غيرها من المرتبطة بتفاكير الجهاد وغيرها من التي لا تنتمي إلى التاريخ ومستقبل التاريخ؟

وأمور أخرى من هذا القبيل. وهذه الخانة تشبه ما تقوم به النوّاحة؛ كمهنة مستديمة لها؛ في أي عزاء، وهذا الصنف مُصاب بعمى الألوان بالإضافة إلى التوحِّد السياسوي؛ مريض لا أمل من شفائه.

هذه الصنوف الثلاثة تعيش من خلال المقايضة أو تطفلها العضوي فيما بينها والأنظمة الاستبدادية على مختلف أشكالها وتموجداتها؛ إضافة إلى أن هذه الصنوف تعيش مجتمعة في زوايا حاوية قمامة مثلثة الأضلاع؛ كلاً منها تستميت للبقاء في الزاوية المعدة لها بإتقان شديد من قبل أسيادهم؛ طالما وجدوا في أنفسهم عبيداً محض عبيد.

إذا كان الهدف من أبلسة الكرد هو القضاء عليهم؛ فهذا لن يحدث. وإذا كان الهدف من ذلك هو الدفع في التقسيم؛ فهذا لن يحدث على يد الكردي أيضاً. وإذا كان الهدف هو إعادة انتاج النظام المركزي الاستبدادي؛ فهذا من غير الممكن حصوله أو تحصيله إذْ لا يمكن أن تنسى صيحات الشعب السوري قبل حوالي ستة أعوام: الشعب يريد التغيير؛ التعبير الأكثر وصفاً بأن قوة سوريا في فيدرالياتها. وإذا كان الهدف من التحالف الصدئة هو التآمر على الكرد وسوقهم نحو الذبح؛ فهذا له العديد من الأجوبة التي تنفيه بالفعل وبالعمل، والنمذجة والتنظيم المجتمعي الذي حصل في مناطق فيدرالية الشمال أجوبة للمنع والصد.

هناك من يسأل نفسه في مكان ما من سوريا، وهناك سوري يسأل نفسه في مكان ما من العالم الذي تشتت فيه، ومن مواطني البلدان في الشرق الأوسط يسأل نفسه:

لماذا هذه السهام الثنائية والثلاثية والرباعية على الكردي؛ مجرد أن يقرر مصيره بالانتماء وفق حق تقرير المصير إلى البلدان التي وجد نفسه؛ وجدت المكونات نفسها- موجوداً؛ موجودة فيها؟

إنها الأنظمة المتكسرة؛ إنها السهام المتكسرة؛ إنه الحق في الحياة وكل ما يتعلق بها من قدسية وأصالة وتصميم.

زر الذهاب إلى الأعلى