دراسات

الإدارة الذاتية والكونفدرالية الديمقراطية

حين يدعو أوجلان إلى بناء مجتمع أخلاقي وسياسي ، لا تعني هذه الدعوة وشروحها ، مناهضة أو إنكارا للمجتمع الوطني أو القومي ، فتغيير المجتمعات لأشكالها أمر يعود إلى طبيعة المجتمع ذاته . وما التنوع في الأشكال ، إلا دليل على غنى الحياة . فالمناهضة هنا ، تتعلق بإنغلاق المجتمعات على نفسها وحدة موقفها إزاء التغيير في الشكل ، فالتزمت في حد ذاته ، ليس إلا رفض للإنفتاح على الحواف والأطراف وعلى الذات معا .

بينما الحرية تتطلب مرونة لتلك الحواف ، تتيح لها إكتساب التنوع والإختلاف الذي يمنحها القدرة على التطور من خلال التغيير .الهوية في مفهوم الدول القومية ، أحادي ، ومنغلق وصارم ، يفوح بروائح الفاشية دوماً .
الدولة القومية في القرنين المنصرمين تحولت ، إلى بلاء قائم ومقيم في الشرق الأوسط الراهن ، وتشكل أهم العوائق التي تقف أمام الحداثة الرأسمالية . كنظام مركزي مهيمن على الأطراف ، خلال سعيها إلى نشر العولمة في كل مكان بحكم طبيعتها . الأمر الذي يضعها وجهاً بوجه أمام مقاومة شرسة للدولة القومية في الشرق ، بحكم بنيتها المنغلقة والرافضة لأي تغيير .
مسعى النظام المركزي ، ومقاومة الدولة القومية ، تشكل إحدى أهم التناقضات في الحداثة الرأسمالية في عصرنا الراهن . وإحدى كبريات أزماتها ، بشكل بارز .

فمع وقوف النظام العالمي عاجزاً عن حل الأزمات التي تخلقها هذه الدول القومية ، نجد التناقضات تتعاظم وتزداد الهوة ، بين الدولتية القومية ، والرأسمالية العالمية من جهة ، وداخل بنية النظام المركزي وسلطاته التي نظمت نفسها في إطار الدولة القومية بوصفها مرتبة عليا للإحتكار من جهة ثانية .
بدءاً من أفغانستان وحتى المغرب ، ومن القفقاس حتى المحيط الهندي ، حيث الحروب المستمرة المعاشة باتت مزمنة . والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة النظام العالمي المركزي ، الساعي إلى الهيمنة والتوسع ، الذي يدين في توسعه ، إلى مبدأ الدولة القومية ، مما يخلق الأزمات ويطيلها وتصاعد أثارها ، لتزداد شدة التناقضات وتعمق القضايا الإجتماعية ، الأمر الذي يجبر النظام العالمي على التحرك لإحداث التغيرات في بنية تلك الدول القومية ، كحل لأزماته .

يأتي مفهوم الإدارة الذاتية ، والأمة الديمقراطية ، واللامركزية الديمقراطية ، كمصطلحات ، هي جديدة ومختلفة في معانيها ودلالاتها ، عن تلك المستخدمة في السوسيولوجيا الغربية عموماً ، وتعد من جملة المفاهيم التي تنتسب إلى سوسيولوجيا الحرية ، التي تعرف بنفسها من خلال مصطلح الحداثة الديمقراطية الإقتصادية المعاصرة والتي تمثل الوجه لآخر للحداثة عامة ، منذ نشوء المدنية في سومر ، وسنتناول هذه المصطلحات التي تحقق فيها هذه العدالة والحرية نفسيهما بالتحليل والتعريف إلى جانب بعض المصطلحات الأخرى المتعلقة بالإدارة الذاتية ، كي نصل إلى تعريف وماهية الحداثة الديمقراطية المعاصرة كما حددها المفكر أوجلان :
الإقتصاد المطهر من الإحتكار
الإيكولوجيا المتآلفة والمتناغمة والصديقة مع الطبيعة والحياة .
إدارة ذاتية بديلة عن الإدارة السلطوية للدولة القومية .
وأمة ديمقراطية ، بديلا عن أمة الدولة . كأرضية مؤسساتية للحداثة الديمقراطية المعاصرة .

وسنبدا أولا :
بالتمييز بين الشكل السلطوي ، والشكل الديمقراطي شبه المستقل في ظاهرة الإدارة المجتمعية ، كون هذا التمييز يتمتع بأهمية مصيرية لشعوب الشرق الأوسط بداية وكافة المجتمعات البشرية . يمكن تسمية الإدارة بالعقل الجمعي للمجتمع ، وفي حال أخذنا بهذا التعريف للإدارة . سيتحتم علينا تعريف مصطلحي الإدارة الذاتية ، والإدارة الخارجة عن ذاتها .
فالإدارة الذاتية تعني:
تنظيم القدرات الكائنة في طبيعتها الاجتماعية ومراقبتها ، لأجل تأمين صيرورة المجتمع بتوفير إحتياجاته ومستلزمات وجوده الروحية والمادية .
في حين أن الإدارة الغريبة :
تعلن عن نفسها سلطة من خارج ذاك المجتمع ، وتقدم نفسها حاكماً ، وعلى المجتمع القبول به ، بعد تحويله إلى مستعمرة  لنهب فائض القيمة وتكديسها ، عبر تلك السلطة .
من هذا التحليل للمصطلحين والتعريف بهما ، سنجد بأن أي مجتمع لا يمتلك إدارة ذاتية ، سيكون مستحيلاً عليه ، تجنب تحوله إلى مستعمرة ، فسرعان ما ستقوم السلطة الخارجة على ذاته ، بإفنائه وصهره .
فالإدارة الذاتية ، شرط رئيسي لصيرورة الأمة الديمقراطية التي ستحقق نفسها من خلال هذه الإدارة شبه المستقلة فهي هنا بديل عن الدولة القومية ، بوصفها الوجه الآخر للحضارة في جانبها المجتمعي الديمقراطي للحداثة ، وبديل ديقراطي للإدارة عن سلطة الدولة .
تمتع الإدارة الذاتية شبه المستقلة بالشفافية والعلانية والصراحة مع أمتها ، إزاء فساد الحكم السلطوي وتسلطه ، شرط أساسي لنجاح هذه الإدارة .
بالحفاظ على اليقظة الأخلاقية ، والوعي السياسي للمجتمع وحل القضايا الصادرة عن السلطة والدولة . في الدولة القومية المتسترة بقناع الديمقراطية في عصر الحداثة الرأسمالية ، و سعيها الدؤوب لترسيخ سلطتها المركزية الصارمة ، تحت مسميات وشعارات متنوعة .

المجتمع الوطني :
هو الأقرب إلى مفهوم الأمة الديمقراطية ، ويمكن تعريفه بأنه تجمع ، لممن يتشاطرون ذهنية مشتركة . ولما كان الذهن مجاله التجريد والمجرد والتعميم ، فالكيان الوطني مكانه في الذهن وما يقدمه هذا الذهن من تصورات لهذا المفهوم . وليس الخيال كما يقوم بعض المنتقدين لمفهوم الأمة . ومن هنا يمكن تعريف الأمة الديمقراطية أيضا ، بأنها الأمة التي تعتمد على الثقافة في التعريف بنفسها .

الأمة الديمقراطية لا تكتفي بالشراكة الذهنية والثقافية ، وإنما تقوم بتوحيد كافة مقومات الأمة في ظل المؤسسات الديمقراطية التابعة للإدارة الذاتية شبه المستقلة . سعي الأمة إلى الإلتقاء مع السلطة والدولة ، هي سمة أساسية لعصر الحداثة الرأسمالية . فالدولة القومية ينظر إليها على أنها أداة وعصا سحرية ، لحل جميع القضايا . بينما مضموناً تقف وراء أغلب القضايا الإجتماعية ، فهي تسرب جهاز السلطة إلى أدق مفاصل المجتمع ، كون السلطة بحد ذاتها تفرز وتنتج المشاكل والقضايا ، بوصفها أداة للقمع والترويض والإستغلال وإنتاجها مواطنين متساوين أمام القانون ، في أمة نمطية ، حيث اللامساواة الإجتماعية هي الصفة الغالبة على العلاقات الإجتماعية وجميع ميادين الحياة .
الأمة إصطلاحاً :
هي شكل المجتمع الذي يكون عليه بعد تحول الكلانات والعشائر والأسر إلى كيانات كالقوم ، أو الشعب ، أو الملة هذا التحول ، يستند على الأغلب إلى عامل اللغة والثقافة.
أما مفهوم المجتمعات الوطنية فهي أكبر حجماً ، وأوسع نطاقاً من مفهوم القوم ، الشعب ، بسبب مرونة روابطها وبعدها عن الصلابة ، فالمجتمع الوطني ظاهرة من ظواهر عصرنا الحديث .

أما مساعي التحول إلى أمة قومية ، أو الأمة القوية ، وهي غاية وهدف أساسي للحداثة الرأسمالية ، يلزمها سلك دروب تحقق لها المزيد من الإحتكارات لرأس المال ، والسيطرة على مساحات واسعة من الأسواق . هذه الدروب تمكنها من تأمين المزيد من إحتكارات رأس المال والسوق الواسعة . فهي في تعريفها هذا ، بديل للدولة القومية وحكمها ، لتأمين فرصة عظيمة للحرية والمساواة من تحقيق نفسيهما .
بينما السوسيولوجيا الليبرالية :
ترى الأمة متحققة مع دولة متشددة ، أو تجد نفسها في حركة تسعى إلى أقامة أمة متشددة ، البعث والحركة القومية التركي مثالان .
ظاهرتا الوطن والسوق المشتركة المطروحتان كشرط أساسي لتحقيق المجتمعات القومية ، لا تعتبران سمة محددة للأمة بمفهومهاالديمقراطي فمثلاً على الرغم من بقاء االيهود دون وطن ولمدة طويلة ، إلا أنهم إستمروا كأمة ، كذلك ورغم عدم إمتلاكهم لسوق ، فقد عرفوا كيف يصبحون أقوى وأمنع أمة مسيطرة على أسواق العالم .

الوطن والسوق
عاملان مطلوبان من أجل تشكل امة الدولة ولأجلهما ، تم خوض وشن أعتى الحروب وأكثرها دموية . أما مفهوم الوطن والسوق في الأمة الديمقراطية ، فهو مختلف فالأمة الديمقراطية تثمن قيمة الأوطان ، كون الوطن عامل مهم في تشكيل العالم الذهني للأمة الديمقراطية وثقافتها ، إذ من المحال تصور ذهنية ، أو ثقافة دون وجود تصور لوطن يحتضن الذكريات ، وعشق المكان في ذاكرة الفرد أو الجماعة .
اللغة
مهمة بنقس منزلة الثقافة من أجل كينونة الأمة ، إلا أنها ليست شرطاً حتمياً فإستعمال لغة أو أكثر ، لا يقلل من قيمة اللغة القومية وإنما هي غنى وإثراء لتلك اللغة واللغات الأخرى التي تتداولها الأمة الديمقراطية في حين أن الدولة القومية  تعمل على فرض لغة وحيدة ، وتغلق الطرق أمام أي لغة أخرى , غير لغتها الرسمية ، بل تتجاوز هذا الفرض إلى ترسيخ إمتيازات تلك اللغة ، والمتحدثين بها .
فقط ما يجب الإنتباه إليه في هذا المجال هو :
تجنب تقديس الأمة كما تفعله الدول القومية ، بنصب القومية إلهاً جديداً .

مقومات وأسس بناء الأمة الديمقراطية وشروط نجاحها :
أولا الإدارة الذاتية
وقد تم الحديث عنها .
ثانيا
مفهوم الدفاع الذاتي :
مفهوم الدفاع الذاتي لا يقتصر فقط على جانبه المتعلق بالسلاح أو التنظيم المجتمعي العسكري ، بقدر ما يعني توفير وتأمين الحماية الدستورية للمجتمع من خلال فقرات واضحة وصريحة تشير إلى توفر ألية الدفاع تلك .

المفكر أوجلان
تكلم عن هذه الناحية دون أي تفصيلات كثيرة حول هذا الجانب وعليه فإن مفهوم الدفاع الذاتي ، بالإضافة إلى تنظيم لمجتمع لنفسه عسكريا ، يتضمن أيضا ، مفهوم الحماية الدستورية ، ويعني بالدقة :
قدرة المجتمع المنظم على الدفاع عن نفسه ، من خلال التنظيم للذات ، وتأمين تلك الألية التي تمكن المجتمع برمته من الوقوف في وجه سلطة الدولة ، إن هي فكرت في سلب المجتمع من حرياته ، ضمن أطر قانونية رسمية مصدرها العقد الإجتماعي بين مكونات المجتمع على أن تكون قابلة للتطوير والتحسين ، فالدفاع الذاتي ، عنصر وآلية هامة من آليات الدفاع الذاتي للمجتمعات تجاه السلطة وتحريفاتها . الحد من تدخلات ، سلطات المركز ، في إقالة أو تسريح أو طرد ممثلي مجتمع الإدارة الذاتية في الأاطراف ، أوممثلي مجتمع الإدارة في المركز ، بوصفهم ممثلين لها في الهيئات المركزية ، ألية مهمة من آليات دفاع المجتمع عن نفسه .
تحييد الجيش الوطني ، من النزاعات والخلافات السياسية ، جزء من ألية دفاع المجتمع عن نفسه فقرات لا بد من تضمينها إلى دستور كل إدارة ، ومركز كل دولة  على ضوء تجربة روز آفا .
الإدارة الذاتية :
هي مدخل إلى كونفدرالية الشعوب في الشرق الأوسط وعصبها الأساسي والرئيسي ، كحل دائم ومشرف لكل القضايا العالقة في المنطقة ، فالمجتمعات حين تتمكن من تطوير إداراتها الذاتية ، وهي أقرب إلى الإستقلال الذاتي شكلاً وموضوعاً عن الدولة ، تعد من أقرب النماذج تمثيلاً وقرباً إلى الحل الصحيح لمجتمعاتنا في الشرق الأوسط ، التي عاشت هذه الحالة مئات السنين . طوال التاريخ حيث كان المطلوب  الإعلان عن التبعية للسلطان أو الملك  مع بقاء كامل التشكيلة الاجتماعية تابعة لأعرافها وتقاليدها وبناها الإدارية .
شروط لا بد من توفرها ، حتى تكون هذه الإدارات حقا ذاتية ومعبرة عن مصالح المجتمع وحل قضاياه ، بالحذر الشديد من الوقوع في مرض التحريفية القاتل ، وتجنب الحديث عن دكتاتورية الشعب ، أو البروليتاريا أو أي مفهوم آخر يدل على السلط أو أي مصطلح من هذا القبيل يشير إلى الهيمنة ، أي يجب على الإدارة أن لا تتحول إلى دولة تحكم باسم الشعب من جهة ، ولا إلى ملحق أو فرع للدولة لحكم الشعب بإسمها كالقبول بالإدارة المحلية ، أو اللامركزية الإدارية ، وهي كلها أنواع لسلطة الدولة ، وليس للمجتمع .

مع الإنتباه إلى حقيقة يجب عدم غيابها عن أذهاننا ، وهي أن الديمقراطية الليبرالية ، قادرة بحكم تكوينها وبناها ، وبحكم عراقتها والخبرات والسلطات المتراكمة لديها ، على شكل إحتكار متمفصل في كل جوانب السلطة ، والدولة ، والإقتصاد ، والبنى المعرفية ، قادرة على الدوام في التأثير على هذه الإدارة وجرها إلى التحريفات اليسارية ، كلاسيكية ، أم من قبيل مصطلح الشعبية .  لذلك فمن المهم جدا قيام قوى الحداثة الديمقراطية الاقتصادية المعاصرة ، على بناء ذاتها في كل الحقول والساحات الاجتماعية .
هذا النشاط يجب أن يشمل كل مجالات الفكر والمؤسسات التي تساهم في إعادة بناء الوعي ، بتأسيس مئات ، بل آلاف المعاهد والمؤسسات في مجالات المعرفة والديمقراطية والسياسية والإدارية ، مع التركيز على المجتمع ، وبناه ومكوناته ، وأنطلاقاً من حقيقة ، أن الإنسان في هذه المجتمعات ، لا يزال محروماً من الحرية ونسبة الوعي لديه ما زالت منخفضة . وهي أمور تشكل عقبات رئيسية أمام أي تطبيق للفكر النظري على أرض الواقع ، في ظروف هي ليست بالطبيعية قطعاً ، حيث المرأة لا زالت وستبقى إلى أمد ليس بالقريب في مجتمعات الشرق الأوسط ، سلعة وشيئاً .
فإحتكار الدولة القومية ، للمرجعيات والحقيقة ، والمال ، ومقدرات الدولة والمجتمع . يفرض حصار فاشي على مجتمعاتها المناهضة لسياساتها ، للقضاء على أي مسعى للتغيير مهما كان حجمه . لكن مع الإنتباه إلى مفصل هام وحيوي ، لا يمكن الإستخفاف به وهو : الحذر التام من الوقوع في بوتقة الدولة ، عبر الميل إلى التدول ، والإنجرار إلى السلطة ، ذلك أن سلطة الدولة وبحكم طبيعتها مضطرة في علاقاتها مع المجتمع ، إلى تحجيم مساحات وحدود الديمقراطية ، بينما قوى المجتمع الديمقراطية وبحكم طبيعتها ، ستسعى دوما إلى تحجيم سلطة الدولة وتقليل تأثيرها على المجتمع  بإستمرار .
اللامركزية الديمقراطية :
هو نظام يعود إلى فرع من علوم الاجتماع الذي يسعى إلى تفسير التطور ، وأصل الدولة ، والسلطة ، والمدنية ، والقضية الاجتماعية ، وغيرها من مصطلحات يتم تداولها اليوم للتعبير عن أزمة المدنية التي تعيشها ، كما يقوم بتحديدها ، وتوصيفها ، فلاسفة وعلماء اجتماع كبار يمثلون الفكر الليبرالي أو من المناوئين له ، من مذاهب ومدارس فلسفية وفكرية مختلفة .
تمثل الرينانية نسبة إلى الفيلسوف رينان وغيره من علماء الاجتماع الغربيين مثل ديكارت ودوركهايم . وأوغست كونت ، وحتى فلاسفة الإشتراكية العلمية ، ممن رأوا ن الحضارة هي غربية ، تأسست في عهد الإغريق وإستمرت إلى حين بروز الحداثة الرأسمالية إلى الساحة . وأن عمر المدنية المعاصرة خمسمائة سنة ومنها تبدأ المدنية . إشكالية معرفية ، تقود بأصحابها إلى أخطاء في توصيف المدنية ، وإيجاد الحلول لقضاياها .

هناك علماء اجتماع عدة ومنهم غوردون تشايلد . والمفكر أوجلان وآخرون ، يرون بأن المدنية عمرها أكثر من خمسة آلاف عام بدأت من سومر .
. دون إعادة المدنية إلى تلك المراحل والبدايات وإعتبار الحضارة الإغريقية إستمرار للحضارات الأخرى التي سبقتها أولاً ، مع السعي لتخليص علم الاجتماع من المعوقات التي تقود أساليبه إلى طمس الحقائق التاريخية والإجتماعية ثانياً ، وفي المقدمة فصله بين الذات والموضوع ورفضه الميتاقيزيقا ، والميثولوجيا ، بحجة أنهما اساليب بالية وعفا عنها الزمن ، لا يمكن فهم التاريخ ، ولا التعرف على حقيقة القضايا الإجتماعية ، ولا إيجاد الحلول الصحيحة لأزمات الحداثة الرأسمالية ، علم الاجتماع هذا يسعى إلى تصحيح كل المفاهيم الخاطئة , والتي قدمت العلموية والإقتصادية ، والدولتية القومية على أنها قدر محتوم ، وعلى البشرية القبول بكل المآسي التي تعاني منها على يد الحداثة إذاً علم الاجتماع الجديد هذا ، وهو لم يتبلور تماماً بعد ، هو الذي يستخدم مصطلح الحداثة الديمقراطية الاقتصادية العصرية ، كمقابل وند لمصطلح الحداثة الرأسمالية ، وبالتالي ، فإن مصطلح الديمقراطية اللامركزية يعود إلى مصطلح الإدارة الذاتية وهي تعني تماما بأن للمجتمعات مهمة رئيسية وهي إستعادة سلطتها من الدولة التي إنتزعتها من خلال إحتكارها السلطة .
فالمجتمعات الساعية إلى سلطتها ، تصطدم بسلطة الدولة التي تسعى إلى إبقاء وإستمرارية هيمنتها على المجتمع  ، من خلال إدارت الدولة التي لا تلتزم بمبادئ وقيم الديمقراطية الخالصة ولا الإستبداد الخالص ، فهي غالبا ما تكون على شكل إدارات متداخلة ، كون الدولة في الشرق الأوسط تسعى دائما إلى ، التخفي تحت قناع الديمقراطية باللجوء إلى الدساتير المفصلة على مقاس السلطة في التظاهر بالتنازل عن بعض من تلك السلطة .
بالتقليل من سلطة المجتمع ، عبر الديمقراطية البرلمانية المقيدة بسلطات القانون ، الذي تتحكم به سلطات الإحتكارالمركزية ، كون السلطة إحتكار مكثف للسياسة والإقتصاد والمال وذلك ، بالسماح للمجتمع بمشاركته في حصة من إحتكاراتها . عن طريق تلك البرلمانات .

إنقاذ الديمقراطية من هذه الحالة لا يكون ، إلا بالإدارة الذاتية ، التي تعني إستقلال شبه تام للمجتمعات عن سلطة الدولة ، من خلال إنتزاع أعلى نسبة سلطات منها و التي تجعل تلك المجتمعات بمأمن من تغول سلطة الدول المركزية ، فاللامركزية هنا تعني بالحرف الواحد .

تأمين ألية دفاع للمجتمع عبر الدستور والقوانين والتنظيم الذاتي لنفسه ، وصنع القرار من داخل المجتمع .
بدءاً :
من أصغر وحدة فيه وهو الشارع والحي ، إلى أعلى الهرم الاجتماعي  على أن تكون السلطة تابعة لمجلسين .
مجلس النواب ، ومجلس المقاطعات الذي يضم ممثلي المجتمع .
سلطات المجتمع هذه تخضع لقوانين المجتمع الذي إنتجته ، أي إنتخبته ، وليس سلطة الدولة المركزية ، التي يجب عليها نفسها أن تتحول في نهاية المطاف ، إلى محصلة لسلطة المناطق التي يحددها الدستور والشرط هو :

القبول المتبادل للطرفين بعضهما لبعض في الأحوال الطبيعية من خلال العقد الاجتماعي أو الحوار ، وفي حال رفض الدولة وسلطاتها العيش معا ، حينها لا مناص أمام المجتمع المنظم ، إلا الإعلان عن إداراته الذاتية ، فالإدارة الذاتية هنا ، هي الجسم الذي يعبر عن اللامركزية الديمقراطية . وفق مبادئ علم اجتماع الحداثة الديمقراطية الاقتصادية ، وأبرز ممثليه المفكر أوجلان .

الإدارة الذاتية وكونفدرالية الشعوب :
المشروع موجه ويخاطب عناصر ووحدات الحداثة الديمقراطية  للبدء بالمشروع ، فهذه مهمة المجتمع ومن يمثله من أحزاب وتجمعات وكيانات ووحدات وأفراد ومنظمات ، قوى سياسية . وعدم إنتظار الدول والسلطات .

المبادرة دون أي تلكؤ  إلى أقامة الأمم الديمقراطية الجديدة للنفاذ من أزمة رأس المال العالمي بمزاياها الأخلاقية والسياسية للنفاذ من أزمة رأس المال ، بديلاً عن الدولة القومية التي أصبحت جوفاء وخالية من أي مضمون ، مع العمل الجاد على تحويل مؤسساتها الإدارية العليا ، إلى بديل عن المؤسسات الدولية الحالية الإقليمية والدولية وخاصة هيئة الأمم المتحدة .

كذلك تطوير النماذج الإقليمية ( الإتحاد الأوروبي يسير في هذا المنحى نسبيا ). والعالمية بشكل متداخل . أصبحت من الأمور التي تتطلب المبادرة إلى الحسم فيها . فنظام المدنية الأوربية والذي يشكل إمتداداً للأنظمة المدنية المهيمنة القديمة الأخرى التي إعتراها الترهل وفقدت مكانتها في الإحتكار بإنتقالها إلى أوروبا والمنحدرة في أصولها من نظام المدنية المعمرة بخمسة الاف سنة ، تحولت إلى نظام عالمي جديد على أيدي طليعة الحداثة الأوربية ، تقوم كلها على أساس موحد للجميع  قوامه . التنافس والهيمنة . المركز والأطراف . والأزمات الدورية المتعاقبة . واكبت فيها وتلازمت ، عناصر الحداثة السلطوية ، والمجتمعية معا في المدنيات السابقة ، كما نشاهدها اليوم في الحداثة الرأسمالية ، مع إستمرار التناقضات داخل كل مدنية ، حيث لكل مدنية حداثة عصرها، بوصف المدنية نظاماً للقمع والإحتكار ، ونهب فوائض القيمة .

تم بناء صرح الإتحاد الأوروبي على النتائج المستخلصة من دروس نظام ويستفاليا ، الذي يعد أول نواة لتأسيس الدولة القومية ، بعد الحروب المذهبية المروعة ، تلك البنود جاءت  لوقف مجازر تلك الحروب ، وبرز الإتحاد الأوربي ، كطرح مضاد ، يسعى إلى تغيير مضمون نظام ويستفاليا الصارم ، بشان الدولة القومية ، من خلال سياسات الإصلاح ، وليس الثورة على النظام .
نظام هذا الإتحاد :
يعكس رغبة في الخلاص من فاشية الدولة القومية التي بلغت أوجها في الحرب العالمية الثانية ، على قاعدة حقوق الإنسان أولاً ، ولتمييز وتعريف نفسها على أنها مجموعة دول قومية ديمقراطية وطنية منفتحة على الأطراف . بدأتها بإتفاقيات الفحم والصلب ، وإنتهت ، إلى إتحاد مؤسساتي بات نموذجا ، وضعت الحداثات الأخرى بموجبه ، أمام هذا النموذج الأوربي ، كقدوة يحذى بها للإصلاح .

توقع التحول الإصلاحي في الشرق الأوسط ، الذي لم يتحقق على مدار قرنين من الزمن ، يجعل التوقعات حول حدوثه ضعيفاً للغاية ، ويرى أوجلان بأن تخطي وتجاوز نظام الإتحاد الأوروبي ، شرط لا بد منه للقيام بالإصلاحات ، لسببين رئيسيين .

زر الذهاب إلى الأعلى