مقالات

عندما يموت المثقف ليعيش السياسي!

يقول أحدهم: إن يقظة الشعوب كانت دوماً شأن نخبة معينة من الجماهير التي كانت أغلبها غائبة نتيجة الجهل والتخلف، أما ما يحدث مؤخراً من حراك جماهيري فهو صنيع الجماهير من دون هذه النخبة المشار إليها..

راهناً, يكثر الحديث عن المثقف. فيتهم حيناً بغيابه عن واقع المجتمع، وأحياناً أخرى بالوقوف إلي جانب الضفة الخطأ، أو بالتقوقع والانزواء, وتكثر الواوات حوله.

ليس غائباً على أحد قيام السياسي في كثير من الأحيان بلعب دور المثقف في وقت ينساق المثقف لإغراءات السياسة متخلياً عن دوره كمثقف وناقداً ومتحولاً إلى إنسان من نوع آخر …

 مع تزايد الممارسات الخاطئة سواء من السياسيين أو من المثقفين، ومع تراجع القيم والأفكار، ومع تخلي المثقف عن تدبير الشأن العام والمشاركة فيه، عادت الجماهير إلى طرح سؤال الدهشة: ما الذي ألمّ بالمثقفين؟ هل هذه هي الأحزاب التي ستَعبر بالمجتمعات الطموحة والمنفتحة إلى بر الأمان؟

تعقيباً على هذه التساؤلات: لا يمكن النكران بأن الفترة الأخيرة شهدت خروج بعض المثقفين عن صمتهم، وكان لهذا الأمر أثراً بالغاً في تغيير آراء شريحة مهمة معها, وبدأ المثقف يطل من شرفته على ما يحدث وما يجري، فقرر النزول للقيام بدوره الذي يمكن تلخيصه في الانخراط بالحياة العامة والتدخل فيها لمصلحة المجتمع. كما بدأ السياسي يستشعر اليوم مدى حاجته إلى المثقف, أمام المتغيرات التي طالت مفهوم المثقف، وأمام تزايد اتهامه بالتراجع والانزواء، وبانحسار أدواره المؤثرة في المجتمع، واتهامه بالصمت والحياد، ليترك المجال لتفشي أنواع معينة من الانتهازيين والوصوليين، ممن يتحكمون في العقل، وفي المشاريع المجتمعية ومستقبلها.

من هذا المنطلق، تأتي اليوم دعوة الأحزاب السياسية، إلى تعميق اهتمامها بالمثقفين وبالمسألة الثقافية في برامجها السياسية، وجعل الثقافة ضمن أولوياتها، وعدم وضعها في سلّم متدنٍ من انشغالاتها وبرامجها؛ شعوراً منها بالدور الهام الذي يمكن أن يقوم به المثقف .وبناءً عليه يتوجب على الأحزاب السياسية أن تساير النخبة المثقفة من منطلق اعتبارها المدخل الرئيس لأي نقاش سياسي راقي بمنأىً عن الظرفية والمنفعية، وعن الصراعات الحزبية والشخصية الضيقة.

محصلة الكلام, تختلف وظيفة السياسي عن وظيفة المثقف؛ فالأول يسعى لاقتراح التكتيكات وأخذ القرارات السياسية الخاصة ومتابعة تنفيذ القرارات والمواقف السياسية المختلفة، ووضع خطة العمل ومتابعتها في إطار حساباته ورهاناته العلنية أو السرية، فإن مهمة الثاني مهمة نقدية ترمي إلى إضفاء قدر من الأنسنة على العملية السياسية عبر الدفاع عن الإنسان وقيمه العليا، واستشراف المستقبل بنظرة شمولية استباقية ترهص بتحولات جذرية، وتطرح البدائل الممكنة، مع الإلحاح دائما على العمق الرمزي والثقافي لأي مشروع. بمعنى آخر يتحرك المثقف ليس ليغير القواعد، ولكن ليصحح الاختلالات.

يموت المثقف عندما يصبح تابعاً للسياسي وعندما ينتظر إشارة منه ليسكت أو ليتكلم.

زر الذهاب إلى الأعلى