مقالات

ذكاء الأسد وغباء المعارضة !!

طه الحامد
يعلم بشار الأسد جيداً إن سقوطه لن يكون عبر هذا الكم الهائل من الجماعات المسلحة والتي فاق عددها 1200 جماعة , لأسباب عديدة :
أهمها التوازن العسكري والفرق الشاسع بين مقدرات النظام المدعوم من أيران وروسيا وإمتلاكه لترسانة عسكرية متكاملة تكفيه لحرب طويلة الأمد .بعكس المعارضة التي تعيش على رحمة المعونات القطرية التركية السعودية والمشروطة بأجندة سياسية لا تخدم قضية التغيير الديمقراطي بل إن تلك الشروط والممارسات ورفع الشعارات التي تطالب علناً بإقامة نظام الخلافة والدولة الإسلامية جعل من الحراك السوري بمجمله خارج دائرة الدعم العالمي وأظهرتها كما أراد النظام على إنه حراك ذات خلفيات طائفية يتسم بالإرهاب , وتوثقت هذه النظرة عبر مئات الأشرطة والصور المقززة التي بثتها الكتائب المسلحة وهي تتلذذ وتفتخر بقطع الرؤوس وسط صيحات وهتافات إسلاموية تدعوا لإبادة العلويين والدروز والكورد والمسيحيين . والتي لاقت ترحيباً موثقاً عبر البيانات والتصريحات لمؤسسات المعارضة السياسية وعلى رأسها الإئتلاف , فحيناً دافعوا عن جبهة النصرة وحيناً آخر قالوا عن داعش إنه فصيل ثوري لكنه يخطأ في الإجتهاد ويجب عدم التفريط به في معركتهم مع النظام , وبهذا أعطوا لتلك الجماعات الإرهابية غطاءً شرعياً سياسياً أمام الرأي العام .
وثانياً رغم الحرب التي إستنزفت جزء من طاقات النظام إلا إنه مازال متماسكاً ومازال يوزع الرواتب والمواد المعيشية من طحين وماء وكهرباء في مناطق سيطرته وخارج سيطرته , وحتى تلك التي تديرها الجماعات المسلحة المعارضة تحصل على الإعانات من النظام ولم تتوقف عنها الموارد المالية والنفطية في الوقت الذي عجزت المعارضة بكل أطيافها بإستثناء الإدارة الذاتية الديمقراطية من تقديم نموذج صغير على إنهم قادرون أن يكونوا بدلاء عن الأسد ونظامه في إدارة المناطق المحررة ,بل على العكس أصبحت تلك المناطق التي وقعت تحت رحمة المعارضة تحن إلى أيام النظام نتيجة إقامة إنظمة حكم محلية لا تنتمي للمدنية ولا إلى شعارات الحراك بشيئ , فقد أصبحت تلك المناطق إمارات إسلامية متناثرة يسود فيها حكم أمراء الحرب أعادوا تطبيق خرافات القرون الوسطى وأحكام شرعية عفى عليها الزمن وسادت شريعة الرجم وقطع اليد والجلد وضرب الرقاب وشد الوثاق في الساحات العامة ظاهرة يومية , منعت في تلك المناطق الحريات الشخصية بشكل قاطع وجعلوا من المرأة عبارة عن كيس أسود بلا روح ولا حياة , منعوا الموسيقا وتدريس العلوم الطبيعية والرياضيات , منعوا صالونات الحلاقة ومشاهدات التلفزيون وجعلوا كل أشكال الحياة العصرية عبارة عن جرم شرعي و من المحرمات الدينية حسب شريعة كل أمير ونزواته ونهفاته الفقهية , دون ادنى مراعاة لروح الإسلام كدين إعتدال ودين يسر .
ولأن الأسد يعلم إن بقاءه يكمن في ديمومة الحرب العبثية كان كل مايضيق الخناق عليه سياسياً ودولياً لإجباره الذهاب إلى الحل السياسي كان يلجأ إلى خباثة تنطلي على المعارضة الغبية ويقعون في الفخ الذي ينصبه لهم النظام .
بالأول سلم الرقة وبعض المناطق المتاخمة لها إلى المعارضة المسلحة وهو يعلم إن اليد الطولة في السيطرة ستكون للجماعات الظلامية وسوف يظهرون بمظهر الإرهابيين أمام السكان والعالم وبالتالي يظهر النظام رغم كل عفونته إنه الخيار الأفضل مادامت المعارضة بهذا الشكل ومن جهة أخرى يدفع المعارضة بتلك الخطوات الإنسحابية إلى الوقوع في نشوة النصر والغرور وبالتالي ينسحبون من المسار السياسي مراهنين على الحسم العسكري , ويتهيئ لهم إن القصر الجمهوري بات قاب قوسين أو أدنى من الفوز به ,فيتهافتون فرادا وجماعات إلى السلطة التي أصبحت هاجسهم الأول والأخير في هذا الصراع .
ولمن راقب الوضع منذ بداية الحراك يشاهد هذه اللعبة الذكية من النظام حيث كلما إشتد الخناق عليه كان يلجأ إلى الإنسحاب من مناطق مختارة بدقة من حيث الحاضنة الإجتماعية وطبيعتها الطائفية محتفظاً لنفسه بالمناطق الحاسمة والتي تهمه طائفياً بالدرجة الأولى تاركاً المناطق الأخرى فريسة يتصارع عليها أمراء الحرب والكتائب الظلامية محدثاً بذلك إنقساماً وتناحراً بينها على الغنائم والسلطات المحلية على حساب المشروع الأساسي الذي خرج السوريون لأجله وهو التغيير الديمقراطي .
وهكذا يستمر النظام في لعبته الذكية وتغوص المعارضة في الغباء والركض وراء المصالح الفئوية والإرتزاق على المساعدات التي تدر عليهم بسخاء من دول لم ولن تكون ذات يوم من داعمي القيم الديمقراطية والحضارية لا في مجتمعاتهم ولا خارجها ,
وأخيراً كانت مجزرة دوما إحدى فصول النظام في دفع أطياف المعارضة إلى التخلي عن الحل السياسي الذي أصبح أقرب إلى التحقيق أكثر من ذي قبل وخاصة توحد الجهود الدولية في الفترة الأخيرة وتوافقاتها حول ذلك
زر الذهاب إلى الأعلى