مقالات

تحديات الواقع

تَلوحُ في الأفق نيران حرب جديدة لا تهدد شمال وشرق سوريا فحسب؛ بل حتماً ستمتد إلى الجوار، فالحرب الجديدة إن نشبت لن تكون محدودة الأثر بإقليم واحد. الدول القومية بعدما عجزت عن وضع حدٍّ لامتداد المشاريع الديمقراطية التي اتسعت وازدادت عمقاً في سوريا والمنطقة، وبعد أن حققت مكاسب وانجازات عظيمة في خضم هذه الأجواء، وخاصة في لمِّ شملِ المكونات والشعوب من جديد؛ بدأت هذه الدول بممارسة نوع آخر من الحروب والمؤامرات ولجأت في ذلك إلى أعوانها.

باقتضاب؛ ثمة توجه وقمع متكاثف على المشاريع الديمقراطية في المنطقة, أما اختيار هذه الفترة بالتحديد والدافع الأساسي وراء ذلك إنما هو الإحساس بقرب الحل السياسي السلمي (الديمقراطي).

 تتناسى الدول القومية بأن الشعوب والمكونات لم تعد مسلوبة الإرادة كما كانت في السابق وأنها لن ترتمي في أحضان الآخر ولن تُسلم زمام أمورها لمن يمكن أن يتلاعب بقراراتها وإراداتها؛ فشعوب المنطقة اليوم أصبحت قادرة على المقاومة والمواجهة التي ستأتي نيرانها على العديد ممن يعتقد أنهم سيكونون في منأى عنها.

وربما يغفل البعض أن اعتماد سياسة التصعيد العسكري والإعلامي, والصوت الهادر المضلل لن يجدي نفعاً أمام التجربة الديمقراطية التي تمارسها الشعوب والمكونات التي وجدت إرادتها من خلالها. فالمشروع الديمقراطي يحاول جاهداً ومن خلال دبلوماسية متوازنة إلى جمع المختلفين واحتضان المتخاصمين، ويدعو إلى الحوار ونزع فتيل الأزمة، ويقيناً أن ثمن هذه الدبلوماسية ووسطية الخطاب لن يمر مرور الكرام، فاستقلال المواقف، ودافعية المصلحة المجتمعية، ومقاومة الإرهاب ودحره وتنظيم المجتمع وممارسة الحياة التشاركية، وإحقاق الحقوق, وحالة الأمن والأمان؛ كل ذلك لم يَرُقْ لبعض اللاعبين الذين يرفضون أن نُبصِرَ الضوء في نهاية النفق فسرعان ما لجئُوا إلى ممارسة آليات جديدة وشنِّ حربٍ خاصة على كل مشروعٍ فتيًّ من شأنه أن يُنهي أزمات الشعوب, فضلاً عن أولئك الذين يسيل مداد أقلامهم مهاجمين ومنتقدين ومتهمين، ولأنهم يفضلون العيش ضعفاء تابعين يتهجمون على الإدارة الذاتية الديمقراطية ويتهمونها بالتبعية والخضوع للأجندات الخارجية، وهم أنفسهم تابعين واقعاً.

 إن لهؤلاء (تاريخ )لا يغيب عن ذاكرة مكونات المجتمع، وهم اليوم يعلنون صراحة عن تبعيتهم, فالاتهامات والحملات الدعائية والحرب الخاصة التي تصاعدت بعد تصاعد التهديدات التركية خير دليل على تبعيتهم للعدو.

جَرَتْ العادة أن يتحد المختلفين من أجل المصلحة العامة في الأزمات، فيتم تأجيل الخلافات وترحيل الصراعات أو تجاوزها، فيتقدم مصلحة المجتمع على كل أولوية، ومن هنا يتعين توخي الحيطة والحذر والدقة البالغة تجاه التحليلات التي تتناول المجتمع ضمن واقعه الراهن، ونتأمل من الفرقاء التسامي عن الصغائر لأن مصلحة الشعب والمجتمع أسمى مكانةً من المصالح الشخصية، وشعبنا أغلى من انتماءاتهم الثانوية، وسيذكر التاريخ مَنْ ناضَلَ وتسامى وضَحَّى ودافع عن المجتمع, مثلما سيذكر من باع وخان وحرَّضَ وتآمر.

زر الذهاب إلى الأعلى