مقالات

الكُردُ- كالعرب- أصحابُ هذه الأرض وحُماةُ هذا الوطن

slimanmmhmudسليمان محمود

كثيرٌ من عُلماء التاريخ والأجناس، ومن ضمنهم العُلماء العرب، كتبوا في كتبهم وأبحاثهم عن الشّعب الكرديّ وأصله وتاريخه، الذي يمتدّ لأكثر من خمسة آلاف سنة في هذه المنطقة بالذات، وتحديداً بين بُحيرتَي “أورمية ووان”، كما كتبوا الكثيرَ عن أسلافهِ من الميديين والميتانيين، وعن ثقافته وتقاليدهِ وفلكلوره الشعبيّ الغنيّ، وعن دور الكُرد المُشرّف في نشر الإسلام وفي ترسيخ دعائمه، وردّ كيد الأعداء عنه، وكذلكَ الدول والإمارات التي شكّلوها في العهد الإسلاميّ وقبله.

ربّما إننا لا نملكُ إحصائيّةً دقيقةً عن عدد الكُرد المُشاركين في الحروب الصليبيّة إلى جانب صلاح الدّين، لكنّ الذي نعلمهُ جيّداً هو أنهُ كانَ لهم دورٌ مُشرّفٌ في الدفاع عن الإسلام والعرب، بغضّ النظر عن عددهم يومئذٍ، وما آلوا إليه اليومَ، وهذا الأمرُ ليس بخافٍ على أحدٍ، سواءٌ في المشرق أو في المغرب، ورغمَ ذلكَ فإننا نوردُ هنا بعضَ الوثائق التاريخيّة حول ذلكَ. يقولُ ن. ه نيوباي، في كتابه( صلاح الدين وعصره) ما يلي: ” جاءَ إلى صلاح الدين الدعمُ من الشمال والشرق، من مدن الجزيرة والموصل وديار بكر، خمسةُ آلاف خيّالٍ…(ص136)”. ومن المعروف أنّ مدنَ الجزيرة( جزيرة ابن عمر) وديار بكر، جميعُ سكّانها من الكرد، والموصلُ كذلك كان الكردُ يُشكّلون نسبةً تفوقُ النصفَ، حتى وقتٍ قريب.

وعن معركة “يافا”، يذكرُ نفسُ المصدر، وبوضوحٍ أكثر، ما يلي:” فأرسلَ صلاح الدين ابنهُ الفاضل، لكي يجلبَ فرقَ الموصل وسنجارَ وديار بكر التي كانت ما تزالُ في دمشقَ من أجل الدفاع عن بيروت، وقامَ هو، مع قوّاته الكردية والتركيّة والمملوكيّة، بالتوجّه إلى يافا التي اقتحمها بعدَ قتالٍ عنيفٍ.

وحولَ الموضوع نفسه، يذكرُ” ميخائيل زاباروف” في كتابه( الحروب الصليبيّة في الشرق) ما يلي:” أعادَ صلاحُ الدين تنظيمَ القواتِ المُسلّحة، ومنذ ذاكَ صارَ المقاتلون من الكرد والسلجوقيين…(ص189). وتشيرُ الأرقام التي أوردها البحّاثةُ والمؤرّخين بأنّ جيشَ صلاح الدين كان يتجاوزُ عشرات الآلاف، حسب جميع المصادر التاريخية والتقديرات المختلفة، وما كان يتطلّبه حجم المعارك التي خاضها، كما كان الكردُ يشكلّون جزءاً هاماً ورئيسياً من هذا الجيش، نظراً لاعتماد صلاح الدين على العنصر الكرديّ، لأسباب عديدة حسبما تؤكّدُ المصادرُ المذكورة آنفاً.

الكردُ كانوا ولا زالوا حريصينَ على هذه الأرض، ليسَ بأقلّ من العرب وغيرهم، من دُعاة التعصّب القومي، الذين يجعلونَ من أنفسهم أوصياءَ على هذه الأرض، ومن غيرهم غُرباء. وأقولُ بأنّ امتلاكَ الكردِ للأرضِ لا يغيّرُ من طابعها الوطنيّ كما يزعمُ المُتحذلقون.

إنّ تاريخَ سوريا مليءٌ بالشواهد الحيّة على تفاني الكردِ في سبيل الوطن وعزّته، وسجلّهُ يفخرُ بأبنائه الكُرد الذين ساهموا في رفعِ كلمته في جميع المراحل والأوقات، فالكُردُ لهم أيادٍ ناصعة بيضاء في خدمة الإسلام والعرب.

الكُردُ ما كانوا يوماً جسماً غريباً على هذه الأرض، بل كانوا دوماً عنصراً إيجابياً في بناء الوطن، يساهمونَ بإخلاصٍ وشرفٍ في تقدّمهِ وازدهارهِ، وهم- كغيرهم من المواطنين- أصحابُ هذه الأرض وحُماةُ هذا الوطن.

الكردُ، في هذا البلد، لا يوجدُ ما يُميّزهم عن غيرهم من المواطنين، فهم لم يقدموا على ما من شأنه الإساءة للوطن ووحدة أرضه، وإنّ التشبيهَ المشوّهَ الذي يقدّمهُ البعضُ عن الشعب الكردي، إنما أصبح من مُخلّفات الماضي وبالياً، وإنّ أفكارَهم هذه سوفَ تُكتبُ في زاويةٍ مهملةٍ ومظلمةٍ من صفحات التاريخ، باعتبارها نموذجاً للظلم والاضطهاد القوميّ، والتخلّف الفكري الذي لفظَتهُ الشعوبُ منذ زمنٍ بعيد.

الكردُ لم يُطالبوا يوماً بتغيير هويّة الأرض التي هم عليها، أو الانفصال عنها، ذلك لأنهم أصحابُ هذه الأرض وهذا الوطن، ولا يحقّ لأحدٍ أن يمنَّ بوجودهم عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى