مقالات

الانتخابات التركية: “أردوغان” ينافس مرشحاً معتقلاً ومعارضة هشة

محمود سعد دياب

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات التركية والتي يترقبها الكثيرون، وستكون لنتائجها تداعيات محلية وإقليمية ودولية، خاصة أن تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان تعيش في أصعب مراحلها في وجه شبه قريب للمراحل الأخيرة لما كان يُسمى “الخلافة العثمانية” نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، وكانت من نتائج تلك المرحلة أن تم تقسيم الجغرافيا العثمانية وتحجيم حدودها إلى دولة مسخة ومشوهة عمَّرت قرناً من الزمان على حساب شعوب المنطقة من العرب والكرد والأرمن، وحتى المعارضين من التركمان والذين تعرضوا لأقصى درجات الإقصاء والتهميش والتضييق.

ورطة عفرين سبب التبكير

وأصبح واضحاً أن النظام التركي كان يشعر أنه في ورطة حقيقية، وبالأخص من بعد احتلال عفرين السورية؛ المقاطعة التي كانت تُدار من أهلها ومكوناتها بنموذج مدني ديمقراطي فيدرالي، ما جعل حظوظ بقائه في السلطة ضئيلة حتى موعد الانتخابات الاعتيادية في تركيا التي كان مقرراً لها في نهاية 2019، فقرر بشكل مباغت أن يُبَكِّر الانتخابات البرلمانية والرئاسية لكي تقام في 24 يونيو الجاري فضلاً عن أن أزمة النظام التركي السياسية أُثْقِلت بأزمة اقتصادية هبطت فيها تصنيف تركيا درجتين في فترة زمنية قياسية وبعجز اقتصادي ضخم يفوق عشرات المرات ميزانيتها السنوية.

وينافس الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ستة مرشحين آخرين يأتي في مقدمتهم صلاح الدين ديميرتاش ممثل حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على الكرد والذي يحظى بدعم كتلة الكرد التي تمثل 40% من إجمالي عدد السكان بالإضافة إلى نسبة من الأتراك تدعم ديميرتاش، خصوصاً وأن رئيس الحزب الحالي سزاي تمللي تركي الأصل ويخوض ديميرتاش الانتخابات من داخل المعتقل الذي دخله ضمن حملة الاعتقالات بين صفوف القيادات الكردية التي يمارسها أردوغان منذ توليه السلطة، وفي مقدمتهم عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني حيث يطبق أردوغان مبدأ: “من لا يدعمني ويؤيدني فهو انقلابي يدعم الإرهاب والإرهابيين”، وبناءً عليه يعتقل من يشاء من معارضيه تحت تلك المظلة المطاطة.

منافسون لمعارضة مستأنسة

ويأتي بعد ديميرتاش النائب محرم إينجة ممثل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية التي اعتبرها متابعون “هشة ومستأنسة”، والذي تسلط الصحافة التركية عليه باعتباره المنافس الحقيقي لأردوغان، على الرغم من أن برنامجه الانتخابي يتمثل فقط في وصوله لسدة الحكم فقط، بدون أفكار حقيقية يستطيع تقديمها للشعب التركي، ويأتي بعده دوغو بارينجاك ممثل حزب الوطن، ومرال إقشنر مرشح حزب إيي، وقره ملا أوغلو مرشح حزب السعادة، ونجدت أوز مرشح حزب العدالة، وحظوظ معظمهم متساوية تقريباً في القدوم في ذيل قائمة الفائزين في الانتخابات.

فرصة تاريخية للكرد

وقد اعتبر الكرد ترشح ديميرتاش فرصة تاريخية حيث احتشدت 4 أحزاب كردية كبرى، واجتمعت على دعم حزب الشعوب والتصويت لصالح مرشحه وهي “حركة الحرية وحزبPAK، وحزبPDK وحزبPSK، مؤكدين في بيان صادر عنهم أن أردوغان قد أعاد لحزبه السياسة السابقة للدولة ويرى حقوق الكرد تهديداً “لمستقبل الدولة”.

وأكدت الأحزاب المجتمعة أن العدالة والتنمية مصّر على الاستمرار في سياسة الترويع تجاه المختلفين معه، أياً كانت قوميتهم منوهين إلى أن الحزب الحاكم كان يتفاخر بخطاباته السياسية بعملية عفرين، وقتل الكرد وتشريدهم ويستعرض أعداد القتلى والضحايا بوصفهم إرهابيين.

منافسة غير متكافئة

وعلى الرغم من حظوظ ديميرتاش الضعيفة في الفوز على أردوغان إلا أن محللين وصفوا المنافسة بأنها غير متكافئة لكون ديميرتاش معتقل ويرفض النظام التركي الإفراج عنه، رغم تقدمه بدعاوي قضائية لم يتم الحكم في أي منها لصالحه تفند الاتهامات المطاطة الموجهة إليه، والتي ليس لها أساس قانوني بأنه يرعي الإرهاب وعلى صلة بالإرهابيين والتي بسببها تم اعتقاله منذ عامين ولم يصدر ضده حكم فيها حتى الآن بالإدانة، ما سمح له بالتقدم بأوراق ترشحه للانتخابات.

وعلى الرغم من الفرص غير المتكافئة إلا أن أردوغان أوعز لأنصاره بالتضييق على حزب الشعوب الديمقراطي وأنشطته في الدعاية الانتخابية للمرشح ديميرتاش وتلا ذلك تلبية أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم النداء وتنفيذهم هجوماً بالحجارة والعصي على مقرات الشعوب في مدينتي ملاتيا وكوجالي رافعين شعار: “ديغريمندر ستكون مقبرة لكم… سنقتلكم جميعاً هنا”، ما أدى إلى إصابة كلّ من الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي في كوجالي صلاح الدين ليشك وإيمره دورموش، كما أصيب 10 أشخاص آخرين إصابات مختلفة تم نقلهم إلى المستشفى، ويذكر أن ديغريمندر هو ميدان في مدينة كوجالي.

كما سخر أردوغان إمكانيات الدولة لخدمة حملته الانتخابية من خلال تعليمات جاءت من الحزب الحاكم إلى رؤساء الأحياء والمدن وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي اجتماعات بين قادة الحزب وهؤلاء المسؤولين فضلاً عن فيديو آخر لأردوغان قال فيه: “أصدقائي… يتوجّب على منظماتنا المجتمعية أن تنشط في مختلف المجالات ضدّ حزب الشعوب الديمقراطي”، وتابع بالقول: “في الخارج أنا غير قادر على قول هذا، إنّما هنا معكم أستطيع أن أتحدّث. لماذا عليّ أن أقول لكم أنتم هذا؟ لأنّه يجب منع الشعوب الديمقراطي من تجاوز العتبة الانتخابية. فمنع الشعوب الديمقراطي من تجاوز العتبة يعني أنّ وضعنا سيكون أفضل في البرلمان”.

وأضاف أردوغان: “على رفاقنا في كلّ ناحية، وكلّ مكان، أن ينشطوا بشكل كبير ضدّهم (حزب الشعوب الديمقراطي).. لأنّكم تعرفون من أنتم ومن هم. فإذا كان ممثلينا في الأحياء لا يستطيعون التمييز بيننا وبينهم فعليهم مغادرة مناصبهم. عليكم أن تعرفوا جيداً كيف تتصرفون. عليكم القيام بنشاطات خاصة ضدّهم، وتقودوا الحملة الانتخابية على هذا الأساس، وأعتقد أنّ هذا سيكون في صالحنا. عليكم أن تحاصروهم وتمنعوهم من العمل والنشاط حتى لا يتجاوزوا العتبة”.

جريمة برسوس

وقد شهدت مدينة برسوس التابعة لولاية أورفة على الحدود السورية، جريمة حقيقية ارتكبها بعض المسلحين المجهولين يوم الخميس الماضي قيل إنهم تابعون لحزب العالة والتنمية قاموا بهجوم مسلح على تجمع لأنصار حزب الشعوب الديمقراطي، ما أدى إلى مصرع 5 أشخاص، وإصابة 9 آخرين، ونظراً لضخامة الحادث، اضطر إعلام الحزب الحاكم إلى الاعتراف بالواقعة واتهام حزب العمال الكردستاني بالوقوف خلفه وهو الحادث الذي لم يكن الأول من نوعه، حيث وقع هجوم مشابه خلال يوليو 2015 أدى إلى مقتل 34 شخصاً، وإصابة ما يزيد عن 100 آخرين، وذلك بعد هزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية في المنطقة التي تعتبر أهم معاقل تواجد الكرد.

شركة أبحاث: تراجع شعبية أردوغان… واحتمالات جولة ثانية بالانتخابات قائمة

من جانب آخر؛ أعلن أوزر سنجار رئيس إحدى الشركات المعنية بالأبحاث أن استطلاعات الرأي التي أجرتها شركته أخيراً، أظهرت تراجع شعبية الحزب الحاكم والرئيس التركي بشكل ضئيل، وأن هذا يعني أنه سيتم عقد جولة ثانية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وقال سنجار في تصريحات له: “أظهر استطلاع الرأي الأخير الذي أجريناه، أن هناك تراجعاً ضئيلاً لاتفاق الجمهور الذي بناه حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية، والرئيس أردوغان… وهذا يعني أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لن تنتهِ في الجولة الأولى بل ستعقد جولة ثانية للانتخابات”، وتابع: “وفي حال عقدت جولة ثانية للانتخابات، فستفوز المعارضة بالانتخابات البرلمانية بفرق بسيط”، وأكد أن “هذه الانتخابات لها ميزة خاصة حيث يمتنع الناس عن الإفصاح عن خياراتهم الانتخابية نتيجة القلق والغموض السائد في البلاد، وهذا يعزز احتمال انتهاء الانتخابات بنتائج مفاجئة”.

وأردف: “لقد استخدمنا جميع الأساليب والطرق العلمية في استطلاعات الرأي التي أجريناها إلا أن الناس الذين يخفون آراءهم وخياراتهم قد يضللوننا، وبالتالي تتغير نتيجة الانتخابات كما حدث في الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في الأول أكتوبر 2015 والانتخابات الرئاسية الأمريكية والإسرائيلية”.

وأشار إلى أن “حزب العدالة والتنمية الحاكم سيفعل كل ما بوسعه من أجل منع حزب الشعوب الديمقراطي من الفوز في الانتخابات البرلمانية، وتجاوز العتبة الانتخابية، لأن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 70 مقعداً إضافياً في حال خسارة حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات”، كما لفت سنجار، إلى أن “حزب الشعوب الديمقراطي أكد منذ البداية، أنه سيدعم مرشح حزب الشعب الجمهوري إنجا في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، إلا أن هذا لا يكفي لفوزه أمام أردوغان”.

باحث يحذر من التشتت وتضرر العرب والكرد

من جانبه قال محمد أرسلان الباحث في الشؤون التركية إن نتائج الانتخابات لها ارتدادات كبيرة وإن تركيا قد تدخل مرحلة جديدة من التفكك والتشتيت التي عاشتها في أعقاب انهيار الدولة العثمانية، وإن قوميات مثل العرب والكرد والأرمن سوف تتضرر من ذلك مثلما حدث قبل 100 سنة، وتستفيد مصالح وأطماع نفس الجهات السابقة التي عملت على تقسيم وتشكيل تركيا.

وأضاف الباحث لـ”بوابة الأهرام”، أن الكل يشحذ سكاكينه منتظراً اللحظة المناسبة لتفريغ جشعه وأطماعه على جسد أردوغان “بدكتاتوريته الشوفينية”، وتحالفه مع الحركة القومية، وأنه بات يمثل تركيا المترهلة والمريضة والباحثة عن “مصلٍ” أو دواء يطيل من عمرها برهة أخرى، مضيفاً أنه يتمنى ذلك من روسيا من خلال صفقة صواريخ الـ S 400.

أردوغان امتداد لـ”أتاتورك”… وبوتين امتداد لـ” لينين”

وأشار إلى أن ما يقوم به أردوغان الآن، ما هو إلا تكرار لما قام به سلفه مصطفى كمال “أتاتورك” في اللعب على نفس المتناقضات، بين “لينين” ما كان يسمى الاتحاد السوفيتي سابقاً وإنجلترا، وعقد اتفاقية الأخوة بين موسكو وأنقرة، وبموجبه تفرغ أتاتورك لليونانيين ومن معهم من فرنسا وبريطانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية انضمت تركيا في 1952 إلى حلف شمال الأطلسي والناتو وتم جعل تركيا الحصن الأول أمام المد الشيوعي.

وأكد محمد أرسلان، أن الزعيم السوفيتي “لينين” تخلى عن مبادئ الاشتراكية، والشيوعية، مقابل الأمن الذي كان يبحث عنه، وتثبيت سلطته في موسكو، وأنه لذلك غض الطرف عن المجازر التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن والكرد والروم، ولم يدافع عنهم وفق شعاره في “حق الأمم في تقرير مصيرها”، وكذلك قدم لينين الدعم اللوجيستي والمادي لتركيا أتاتورك في لعبة منه، تخيل فيها أنه بمقدوره إبعاد تركيا عن الغرب.

وقال: “إنها نفس اللعبة الآن يقوم بها بوتين وأردوغان، ويسعيان لإعادة التاريخ للوراء، والعيش في ظلمات القرن العشرين، إلا أن مسار التاريخ مستمر، وتدفقه سيكون نحو الأفضل حتماً، وإلا لما كان هناك أمل في المستقبل”، وتابع قائلاً: “قام بوتين بتسليم عفرين وجرابلس والباب لتركيا أردوغان، وابتعد كذلك بوتين عن مبادئ الاشتراكية على حساب الأمن مثلما فعل لينين بالضبط، هنا ندرك جيداً أن اشتراكية لينين لم تختلف عن رأسمالية إنجلترا، وصعود نجم أتاتورك، والآن يعمل بوتين على دعم وإسناد أردوغان الرجل المريض لتركيا”.

نقلاً عن بوابة الأهرام

زر الذهاب إلى الأعلى