مقالات

الالتزام بإجراءات الوقاية الطوعية والذاتية دليل على الوعي والمسؤولية وحب الوطن

ياسر خلف

مع بداية عام 2020 دخل العالم أجمع في حالة طارئة لمواجهة عدو موحد غير معلوم الملامح، وبدأ الراي العام العالمي يدرك مخاطر هذا الوباء ونتائجه الكارثية في حال تفشيه حيث بدأت الغالبية العظمى من الدول والحكومات باتخاذ إجراءات وتدابير وقائية حازمة بخصوص تقييد حركة العمل وحظر التجوال ومنع التجمعات والاحتفالات والفعاليات وغيرها من النشاطات الجماعية، ومن هنا يتبين أن العلاج الوحيد إلى هذه اللحظة لهذا الوباء (كورونا) أو ما اتفق عليه علمياً بكوفيد 19 هو القيام بإجراءات ذاتية واتباع تعليمات هيئة الصحة، والإدارة الذاتية بالبقاء في البيت. فهذه التدابير الوقائية كفيلة بمنع ظهور المرض, والوعي بخطورة كورونا تلزمنا جميعاً أن نتحمل جزءاً من المسؤولية وليست الإدارة الذاتية لوحدها. (قدَّم وزير الصحة الصينية تشن تشو نصيحة وُصفت بالذهبية للدول، والجهود التي تبذل في العالم لاحتواء انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، من خلال التجربة العملية التي قامت بها الصين لاحتواء المرض، واعتبر تشو على صفحته الرسمية أن التعاون الشعبي التام والامتثال الكامل لتوجيهات المؤسسات الصحية هو ضرورة أساسية لنجاح أية محاولة لاحتواء الفيروس قائلا للناس “عليكم أن تتعاملوا مع أي شخص قربكم حتى ولو كان من افراد الأسرة على أنه مصاب بالفايروس، حتى لو كنتم متأكدين من عكس ذلك، وأن تتصرفوا مع كل الاشخاص الذين حولكم على أنكم مصابون بالفايروس حتى وإن لم تكونوا كذلك”) فالتدابير التي انقذت الصين من كارثة جماعية كانت من المحتمل أن تتسبب بنتائج غير محمودة العواقب على الشعب الصيني الذي يصل تعداده إلى قرابة المليارين نسمة ما لم تقوم الحكومة الصينية باتخاذ قرارات ملزمة وفورية وإغلاق جميع مداخل ومخارج مدينة ووهان التي ظهر فيها الوباء، وفي المقابل يمكننا القول أن وعي الشعب الصيني وعملهم الموحد كخلية نحل مع حكومتها كان الأكثر حزماً في حصر الوباء والانتصار عليه حيث التزم جميع الموطنين بالقرارات التي أصدرتها الحكومة بضرورة الالتزام بالبيت وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى  وذلك تفاديا لمنع انتشار الوباء بشكل أوسع هذا بالإضافة لعمل الهيئات الطبية والصحية كخلية أزمة على مدار 24 ساعة، ومن هنا باتت الخطوات التي أقدمت عليها الصين شعباً وحكومة هي الأنجع لمواجهة وباء كورونا الفتاك حتى وقتنا الحالي، وبدأت الدول الأخرى تقتدي بها لمنع تفشي هذا المرض وإن تأخر اتخاذ هذه التدابير الوقائية  في بعض الدول كإيطاليا وفرنسا واسبانيا وأمريكا وغيرها من الدول تسببت في تحولها لبؤر تفشي هذا الوباء القاتل، وهذه الدول وكما هو معلوم من الدول المتطورة والمتقدمة في المجالات الطبية والصحية عدا عن تطورها في المجالات التقنية والتكنلوجية فما يتحتم علينا هو اتخاذ سبل الوقاية والحماية الذاتية, فالإجراءات الاوربية البطيئة وغير الكافية هي التي أدت الى النتائج التي نراها الآن من موت العشرات يومياً مع عدم وجود المستلزمات الطبية الكافية من كمامات وأجهزة تنفس، والنقص في الأسرَّة داخل المستشفيات لاستيعاب المصابين بوباء كورونا لتصاب المدن والشوارع الاوربية بشلل تام وتُقيد الحركة فيها حيث عمدت هذه الدول الى طلب المساعدة  للحد من تفشي هذا الوباء.

يمكننا في روج آفا وشمال سوريا ومن خلال تضافر الجهود المجتمعية بين الإدارة الذاتية والمواطنين تفادي انتقال الفيروس إلى مدننا وقرانا وذلك باتخاذ الإجراءات الذاتية والطوعية للوقاية من هذا المرض فالإجراءات الوقائية التي اتخذتها الإدارة الذاتية غير كافية لوحدها لمنع انتشار الفيروس القاتل فالمسؤولية تقع على كاهل الجميع وخاصة الالتزام بالقرارات المتعلقة بحظر التجوال والتجمعات والبقاء في البيت فهناك سبل كثيرة يمكننا خلالها التواصل مع أهلنا واحبائنا وليس بالضرورة أن تكون عن طريق الخروج  والزيارة المباشرة فهذه الأمور بإمكان الجميع التخلي عنها في الوقت الحالي وخاصة إذا كانت تشكل تهديداً على حياتنا وحياة من نحبهم. كما أن خلايا الأزمة المشكلة مؤخراً في مناطق الإدارة الذاتية تسعى إلى تفادي الوباء والحيلولة دون انتشاره  فيتوجب على جميع المواطنين التعاون معها والتبليغ عن أي طارئ في وقته وعدم التهاون في هذه المسألة فالتقيد بإجراءات الوقاية الطوعية والذاتية هو دليل على الوعي والمسؤولية وهو واجب وطني يقع على عاتق كل فرد ضمن مجتمعه ففي النهاية الإدارة الذاتية هي نتاج جهود جمعية مشتركة بين المواطنين ومؤسساتها وهي تدار بالالتزام بقراراتها واحترام قوانينها واجراءاتها الوقائية وتدابيرها الاحترازية كما أن الإدارة الذاتية بالمقابل هي معنية تماماً بحياة شعبها وسلامة مجتمعها وهي أيضاً مُلزمة بتقديم كل ما يكفل حماية المواطنين وتأمين جميع مستلزماتهم الضرورية المادية منها والمعنوية طيلة فترة الطوارئ والحظر والخطر الذي قد يتهدد المجتمع في شمال وشرق سوريا.

يقول القائد عبد الله أوجلان في مجلده الخامس: (يمكن تسمية الإدارة بالعقل الجمعي للمجتمع, وفي حال أخذنا بهذا التعريف للإدارة.

سيتحتم علينا تعريف مصطلحَي الإدارة الذاتية، والإدارة الغريبة أو الدخيلة، حيث الإدارة الذاتية وفق الدلالة التي تشير إليها، تعني تنظيم تلك القدرات الكائنة في طبيعتها الاجتماعية ومراقبتها، لأجل تأمين صيرورة المجتمع بتوفير احتياجاته ومستلزمات وجوده الروحية والمادية،

في حين أن الإدارة الدخيلة، تعلن عن نفسها سلطة من خارج ذاك المجتمع، وتشرِّع بإغواء المجتمع، عبر تسلطها عليه للقبول بها حاكماً، بعد تحويلها (المجتمع). إلى مستعمرة لها لنهب فائض القيمة وتكديسها عبر السلطة تلك

من هذا التحليل للمصطلحين والتعريف بهما، فإن الإدارة الذاتية تتمتع بأهمية مصيرية لأي مجتمع كان، حيث أي مجتمع يفتقر إلى إدارة ذاتية، أو غير قادر على إدارة نفسه، سيستحيل عليه تجنب التحول إلى مستعمرة، سرعان ما ستقوم تلك السلطة الغريبة من إفنائه وصهره.)

وهنا يمكننا التأكيد أن المسؤولية في زمن الأزمات والأخطار الوجودية هي مشتركة بين المواطن والإدارة الذاتية وتتطلب من الجميع اليقظة والانتباه والتحلي بمسؤولياتهم الأخلاقية والوجدانية والعمل معاً لتخطي هذا الوباء القاتل والانتصار عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى