مقالات

يوميات مواطن على طاولة وطن (2)

مناظر تدمع العين وتحطم القلوب ونحن نسمع من بعيد ضرب الهراوات على رؤوس شبابنا وصرير أبواب السجون تُغلق على أبناء الكرد المنتفضين ضد سياسة النظام التركي, يتوقف النَفَسُ ثم لا يلبث أن يطلق زفيراً طويلاً عندما نلتقي بأطفال شبُّوا ولم يعرفوا من الآباء سوى الأسماء وبعض الصور الهلامية الصامتة.

في كل بيت صورة شهيد وفي كل شارع صور لشهداء وهكذا تنتشر الصور لتملأ الجدران والساحات وكل موضع في المدن.

في كل زاوية من زوايا مدينتي يقبع رجلٌ مسنٌ يستند إلى شيء ما ويجلس وحيداً مكبوت الألم، يبلعُ كُتَلاً متلاحقة من دخان لفافة التبغ الوحيدة التي لم تفارقه، يرسل بصره إلى كل طريق لعله يلمح طيف أحد أولاده الغائبين.

وهناك أجسام ترتفع في السماء وتتهاوى وأجسام تتلاشى وأخرى تختفي في انفجار.. وجوهٌ مكلومة، وخدود ناتئة محمرَّة من اللطم، وآمال خائبة على أضرحة الشهداء التي ضجت بهم الأرض..!

الأمهات يسكبن الدموع خلسة في زوايا البيوت أو في الأركان المظلمة، بعيداً عن النظرات البريئة لأطفالٍ صغار السن لا يفقهون شيئاً عن ألعاب الكبار والسياسات الجائرة.

وعلى الجبهات وفي مواجهة خفافيش الظلام عيون لم ترَ النوم منذ سنين وأشخاص لم يجدوا غير الأرض فراشاً والسماء غطاءً والأحجار وسادةً  ومع ذلك لا تفارقهم الابتسامة، وإن وجدوا فرصة للغناء والدبكة تجدهم لها متحمسون.

ذاك الذي يرصد هناك من خلف الساتر ترك زوجته وابنته الوحيدة في رعاية أبويه العجوزين, والآخر ترك عروسته بعد أيام قليلة من زواجه ليلبي نداء الواجب، وذاك المستَنِدُ إلى الصخرة ترك ولده الصغير وهو يحاول اللحاق به، وتلك الفتاة التي تمتشق البندقية نعم, صاحبة الجدائل الذهبية تواعدت مع من تحب على أن تكون الحرية مهراً لها فاختارا طريق النضال شهر العسل.

عند هؤلاء يقف المرء في بعض ثنايا حديثه واجماً لا يستطيع التقدم ولا التأخر. تمتنع كلماته عن الخروج لتشكل غصَّة عند الحنجرة فتنعدم كل السبل أمام المرء سوى أن يبتلع ريقه مع كل مرارته ويلتجِئْ إلى لغة الإشارة للنجاة من الموقف.

منذ سنوات و المشهد الكردي كما هو لم يتغير والساسة الكرد كما هم لم يتغيروا.

الهدف من هذا المقال هو نداء إلى أصحاب الشأن على أمل تغيير النفوس وخاصة في هذه اللحظات الحَرِجَة…

دعونا من سياساتكم ولو للحظات، دعونا من جَلبة المواقف والبيانات، دعونا من التدافع والتجاذب والتعارض لساعات معدودة، والتزموا ولو لبُرهَةٍ واحدة بنداء مجتمعاتكم…

هذه آمالنا، هذه أحلامنا، هذه أشواقنا… ولكم يا أصحاب القرار الكلمة الأولى والأخيرة، وبيدكم اليوم ما قد تَعجَزُونَ عنه في وقت آخر! فلا تُسقِطُوا غُصنَ الزيتون ولا تَغمِضُوا العيونَ؛ إنَّ الجُرحَ غائرٌ والنزفَ ثائرٌ لا يندمل ولا يشفى على مرِّ السنين، مع عناد ساستنا، وهذا حالنا نحن الكرد!

زر الذهاب إلى الأعلى