مقالات

واشنطن – الكُرد – الأتراك والتوازنات الجديدة

 

مصطفى عبدو

 مجموعةٌ من التساؤلات بدأت تقتحم صفحاتِ التواصل الاجتماعي، أمكنني اختزالها على الشكل التالي– هل ستتخلى واشنطن عن الكُردِ في ظلّ الأحداث المتسارعة سورياً ودولياً ؟

وماهي خطة ترامب الرئيس الأمريكي الجديد حيالَ منطقة الشرق الأوسط؟

سأبدأ من حيث انتهت التساؤلات , فبعد أن تأزّمت العلاقاتُ الأمريكية التركية في عهد أوباما، تأملُ تركيا بعلاقاتٍ أفضلَ مع حُكم ترامب، إلّا أن جوَّاً من التفاؤل الحذر يسيطرُ الآنَ بين الدولتين، وتزدادُ محاولاتُ الأتراك لخلق توازناتٍ مع واشنطن، مُتناسية أن الإدارةَ الأمريكية دولةُ مؤسّساتٍ، والمسألة لا ترتبط بشخصية ترامب أو غيره، والسياسة الأمريكية هي نفسها، لا تختلفُ من رئيسٍ إلى آخرَ. وعلاقاتُ واشنطن مع الأتراك أو مع الكرد مازالت مستمرةً كما كانت حتى قبل أيام الرئيس السابق أوباما، والمراهناتُ التركية على ترامب ستصلُ إلى طريقٍ مسدود، لأن الحالةَ المؤسّساتية والمصلحة الأمريكية تشيرُ إلى ضرورة التعامل مع الكرد كأولوية في سوريا، لكن دونَ التخلي عن العلاقات الخاصة مع الأتراك. والمحاولاتُ التركية للضغط ربّما على واشنطن سوف لن تأتي بجديد، والمناطق التي تم تحديدها” مناطق تخفيف التوتر” ربما تكون مبادرة أمريكية لإرضاء تركيا، وهي خطة روسية تركية إيرانية و(أمريكية)عملياً , وهذا بحدّ ذاته يعني إرضاء لتركيا عما سيحدث لاحقاً. ومن الملاحظ أنه كلما حاولت تركيا إشعالَ فتيل الحرب والنزاع تدخّلت واشنطن للحدّ منها، كما حدث مؤخراً على طول الحدود حيث وضعت واشنطن بعض قواتها للفصل بين الأتراك وبين وحدات الحماية الشعبية  عندما حاول الأتراكُ تصعيدَ التوتر. وهذا يدلّ على عدم موافقة واشنطن على تصرّف الأتراك.

ومن جهة أخرى، تركيا وعلى لسان المحلل التركي زاهد غول تؤكد ” ليست لدينا مشكلة مع الكرد مشكلتنا هي مع وحدات حماية الشعب، ولسنا ضدّ علاقة أمريكا مع أي طرف، لكن عندما يتعلق الأمرُ بعلاقة أمريكا بقوىً انفصالية لديها امتدادٌ داخلَ الأراضي التركية وتعبثُ بالأمن والاستقرار، فهذا لا يمكن تقبّله”

وبناءً عليه قدّمت تركيا نفسَها على الأرض ليمكن الاعتماد عليها من قبل قوات التحالف لاستبدالهم بقوات سوريا الديمقراطية في معركة الرقة المنتظرة، معلنة أنها ستقدم أكبرَ التضحيات من أجل تحرير الرقة وأنها الوحيدةُ القادرةُ على هزيمة داعش، ولكن حتى خطتها هذه واجهتِ الفشلَ. فأين كانت أنقرة عندما كان مسلّحو داعش يسرحون ويمرحون ويعيثون فساداً في الأرض على بعد أمتارٍ قليلة من دباباتها ؟ ولماذا فتحت حدودها أمام الإرهابيين؟ وجواباً على المقترحات التركية جاء التصريحُ الأمريكي سريعاً” قوات سوريا الديمقراطية هي الوحيدة التي تعمل على الأرض، وهي الوحيدة القادرة على دحر الإرهاب”(وزارة الدفاع الامريكية) ثم تلاها موافقة الكونغرس الأمريكي على دعم وحدات حماية الشعب “الكردية”.

أعتقدُ، وكما تشير الحقائق، واشنطن ستبقى حريصةً على القوة التي بنتها مع الكرد لأسبابٍ عديدة ..وستبقى تركيا أيضاً حريصة على مصالحها مع واشنطن، وهي ليست جاهزة لمحاربة داعش بقدر ماهي جاهزة لمواجهة المدّ الديمقراطي في سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى