مقالات

هل ستخرج أمريكا من سوريا؟

دون شك نرى في الآونةِ الأخيرة تطورات متسارعة على الساحة السورية حيث تأخذ هذه التطورات مختلف الجوانب سواء العسكرية منها والسياسية، وهذه التطورات لا تتعلق فقط بسوريا بقدر ما تتعلق بالقوى الدولية والإقليمية المتواجدة على هذه الساحة التي تُعتَبَر أكثر المناطق سخونة في المنطقة بل في العالم.

ومن ضمن هذه التطورات المتسارعة مسألة التحالفات فيما بين الدول والقِوى الإقليمية والدولية التي جعلت من سوريا  ساحةً للصراع؛ “صراع المصالح والنفوذ”، فإذا عُدنا إلى تاريخ  هذا الصراع في المنطقة سيظهر لنا جلياً امتداده إلى عمق التاريخ، حيث كان الشرق الأوسط دائماً منطقة خَوْض الحروب فيما بين الدول الكبرى من الحرب العالمية الأولى وإلى اليوم، فبعد تقسيم المنطقة إبان الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقيات “سايكس -بيكو ولوزان” وغيرها من الاتفاقيات التي تم بموجبها تقسيم المنطقة فيما بين الدول الكبرى و خاصةً فرنسا و إنكلترا والتي نتجت عنها ظهور دولٍ مصطنعة على حساب أرض شعوبٍ أخرى، لا زال هذا الصراع مُستمراً وأخذ عبر التاريخ أشكالاً مختلفة للهيمنة.

هنا أودُّ الإشارة بوضوح إلى أنه وبعد مُضي قرن (مائة سنة) على تلك الاتفاقات التي أشرتُ إليها أعلاه، بأنهُ هناك مخططات تُنفذ اليوم ليست وليدة البارحة بل يمتد تاريخها إلى ستينيات القرن الماضي وهو مشروع (الشرق الأوسط الجديد الكبير) والذي سيكون بديلاً لتلك الاتفاقيات التي انتهت صلاحياتها والتي تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة على مبدأ (الفك والتركيب) من جديد، ولكن بلاعبين جُدد وبتحالفات جديدة حسبما يقتضيه مصلحة كل لاعب، حيثُ يتداخل هنا الصراع فيما بين الأمم  والحضارات مع الصراع على النفوذ الذي يرتكز على المصالح ومدى تقاطعها مع حليف وآخر.

هنا وفي هذا الصراع يظهر دور أمريكا وحلفائها بشكلٍ قوي، ولكن بأساليب أخرى بعد تجاربها في أفغانستان والعراق لتخرج بأقل الخسائر وتحقيق ما وُضِع في ستينيات القرن الماضي، ففي هذا السياق يحتدم الصراع اليوم بينها وبين الثلاثي الضامن لآستانا (تركيا، روسيا وإيران) غير أنه وبالتزامن مع ذلك لا تريد أن تخسر تركيا التي تلعب على محاورٍ مختلفة ؟!

ومن خلال هذا التحليل المقتضب وبالعودة إلى عنوان المقال لا يمكن لأمريكا الانسحاب من سوريا لإن المسألة لا ترتبط فقط بسوريا بل بتواجدها في المنطقة بشكلٍ عام وبالتالي التفكير بالانسحاب يعني فقدانها لمصالحها الحيوية في المنطقة، وترك المنطقة لُقمَة سهلة لدولٍ مارقة كـ”إيران وتركيا” أضف إلى ذلك ضياعها و خسارتها لهيبتها كدولة عظمى من شأنها أن تكون ضربة قاضية لها في بُقَعٍ أخرى  من العالم، إلى جانب ذلك سيكون الانسحاب ضربة قوية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، فكل ذلك يقودني إلى التأكيد بأن أمريكا لم ولن تتخلى عن سوريا، وستبقى  لعقود من الزمن لأن هذا المشروع لازال في مرحلته الثانية أي نُفِّذَ منه حسب اعتقادي ٤٠% ولازال الكثير والأهم هو أنه قد بدأت المرحلة الثالثة منه بالتزامن مع المرحلة الثانية بجر تركيا وإيران إلى مستنقعي العراق وسوريا.

هنا أودُّ الإشارة الى أن المصالح والقوَّة هي التي تشكل الأساس لأي تحالف، وأمريكا تهمها فقط مصالحها فبالنسبة لنا كـ “روج افا والشمال السوري” علينا خوض دبلوماسية قوَّية لفرض مصالحنا، خاصةً ونحن اليوم نشكل رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه لذا عليهم بقبولنا والاعتراف سياسياً بواقع روج افا والشمال السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى