مانشيتمقالات

تركيا وإيران تمويل الإرهاب بتصدير المخدرات “الكبتاغون”

  ياسر خلف ــ

المخدرات آفة أشد خطراً وبطشاً بالمجتمعات لأنها تؤدي إلى تفككها وتقضي على آمالها ومستقبلها باستهدافها العقول والإبداع والديناميكية المحركة للمجتمع عبر خطفها لشبيبتها وفتكها لبنيانها القيمي والأخلاقي المبنية على الأواصر العائلية المتماسكة، فقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة أمام خطر حقيقي يهدد نسيجها وتماسكها المجتمعي، وينذر بإدمان شامل يصعب القضاء عليه لانتشار المخدِّرات بشكل كبير، وتصنيعها وترويجها المنظم من دول تمارس وتمول الإرهاب عبر تصدير وتجارة المخدرات، ولم تعد بخافٍ على أحد، فتركيا وإيران باتتا من كبرى الدول التي تستثمر في هذه الآفة لتمويل جماعاتها الإرهابية والتي أصبحت مناطق سيطرتها في سوريا ساحة خصبة لزراعتها وتصنيعها وترويجها وتصديرها.

لم يمض يوم على إعلان الأردن ولبنان والعراق والنظام السوري تشكيل ما تسمى “خلية اتصال” لمواجهة “آفة المخدرات” حتى أعلن الأردن مقتل 5 مهربين وضبط كميات كبيرة من حبوب “الكبتاغون”، أثناء محاولة تمريرها عبر الحدود.

وهذه الحادثة تعطي مؤشراً واضحاً على أن القضية التي تم بحثها في العاصمة الأردنية عمّان بين وزراء داخلية الدول الأربعة تتجاوز ما تم الإعلان عنه، وأن هذا الإعلان لم يكن سوى محاولة لمعالجة النتائج دون المسببات، تماماً كالذي يكتشف أداة القتل والجاني يتعهد بكشف القاتل!؟ فقد كان من المفروض استدعاء المسؤولون الحقيقيون عن انتاج هذه الآفة وتصديرها إلى هذا الاجتماع وتوجيه الاتهام إليهم مباشرة، فإيران وتركيا وعبر أذرعها من الجماعات الإرهابية تستثمر في هذه المواد بشكل علني، ومعامل ومصانع وموانئ تصديرها موجودة في المناطق التي تحتلها وتستوطنها جماعاتها الإرهابية، كما أن دوائرها الأمنية والاستخباراتية هي من تتولى الإشراف عليها وتعمل المواقع الإلكترونية التابعة لها على الترويج للمخدرات الاصطناعية والتي تجذب نحوها وتستقطب المدمنين والمتعاطين والمتاجرين بها.

فبحسب مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية؛ فإن “تجارة المواد المخدرة “الكبتاغون على وجه التحديد” تغذي العنف في الشرق الأوسط، وتُعتبر مصدر تمويل الجماعات الإرهابية، وأشارت المجلة إلى أن المخدرات بدأت بالانتشار في العقد الأول من القرن الحالي من قِبل التجار الأتراك وتجار لبنانيين محسوبين على إيران والنظام، قبل أن ينتقل الإنتاج إلى سوريا في عام 2014.

وحسب تقديرات الحكومة البريطانية فإن 80 في المئة من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدر من سوريا.

ففي أعقاب سيطرة الجماعات الإرهابية على مساحات من سوريا، من بينها تنظيم “داعش” وجبهة النصرة ومثيلاتها والتي أدخلها ومولها ودعمها أردوغان وحكومته؛ فقد عززت من إنتاج وبيع “الكبتاغون” لجمع الأموال، كما تناوله مقاتلو تلك الجماعات الإرهابية للبقاء مستيقظين واكتساب شعور الشجاعة، حيث يتم وصف المخدر بـ “كابتن الشجاعة”.

كما أن نظام الأسد والجماعات الإيرانية هي بدورها قد انخرطت واستغلت هذه التجارة المربحة؛ فبدلاً من قيام النظام السوري بالتصدي لها؛ تولى هو بنفسه المسؤولية في انتاجها وترويجها ليس فقط داخل سوريا بل تعدى ذلك إلى التصدير لدول الجوار، وخاصة الدول الخليجية منها كالسعودية والإمارات لتصبح هذه المواد مَصدَر الدخل الرئيسي للنظام وللجماعات الإيرانية.

فخلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط؛ أقدمت المملكة الأردنية على تنفيذ عشرات الغارات الجوية في جنوب سوريا ضد قوافل مهربي حبوب الكبتاغون، كما كشفت وصادرت أجهزتها المختصة عشرات الأطنان على مداخل حدودها الرسمية قادمة من الداخل السوري.

وحسب الإحصاءات الرسمية للمديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية فقد أحبطت محاولة تهريب ما يقارب ال 60مليون قرص من المادة المخدِّرة قادمة على الأرجح من سوريا، هذا ولم يكتفِ كل من النظامين التركي والإيراني والجماعات المحسوبة عليهما في الاستثمار وإنتاج هذه الآفة القاتلة؛ بل يستخدمانها كسلاح أساسي في حربهما القذرة ضد المناطق الخارجة عن احتلالهما وانتشار مجاميعهما الإرهابية، وخاصة ضد مناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا؛ فالنظامين عَمَدَا عن طريق شبكة من التجار والمهربين وعملائهما وأجهزتهما الاستخباراتية الى استخدام المخدرات كأحد أهم  أساليب الحرب الخاصة ترويجاً وإغواءً وتهريباً لاستهداف المناطق الأكثر أماناً واستقراراً في عموم سوريا، وذلك لتمزيق النسيج الاجتماعي والوطني المتنوع والغنى الثقافي الموجود فيها؛ بعد فشل محاولات إنهاء مشروع الإدارة الذاتية بالإرهاب والمسيرات والحرب المباشرة والاتفاقات والصفقات الأمنية.

ففي الآونة الأخيرة كشفت قوى الأمن الداخلي “الأسايش” عن إحباط العديد من عمليات تهريب المواد المخدرة في كل من الرقة ومنبج حيث صادرت عشرات الآلاف من أقراص الكبتاغون قادمة من مناطق “سيطرة الجماعات الإرهابية” التي تحتلها إيران وتركيا.

لقد بات من الضروري توحيد الجهود الدولية والإقليمية وتضافرها بأسرع وقت ممكن، وبناء تحالف دولي للقضاء على هذه الآفة تماماً، فهي أشد خطورة من داعش الذي بدأ ينتشر مرة أخرى بدعم من تركيا وإراداتها من تجارة المخدرات.

لقد تحولت آفة المخدرات إلى صناعة تمتهنها دول إقليمية  بعينها وتعمل علانية على نشرها وتصديرها بشكل واسع ومتسارع مستغلة الصراعات الدائرة في المنطقة وانشغال المجتمع الدولي بالصراعات المشتعلة، وخاصة الحرب في غزة، وذلك لتمويل جماعاتها وأذرعها الإرهابية المنخرطة في صناعة وانتاج المخدرات كمورد رئيسي لبناء المستوطنات لها داخل المناطق التي تحتلها تحت مسميات جمعيات إخوانية (“خيرية”) منتشرة في العديد من الدول كالكويت وتركيا والجماعات الفلسطينية المحسوبة عليها والتي تعمل كشبكات لغسيل أموال هذه الآفة وإرسالها تحت مسمى المساعدات إلى مناطق الاحتلال التركي داخل الأراضي السورية لإحداث التغيير الديمغرافي فيها، وكقواعد أساسية لصناعة وإنتاج وتصدير هذه المواد المخدرة القذرة.

هذا وهناك مخاطر حقيقية من أن تستبدل صناعة “الكبتاغون” الى مواد أكثر فتكاً وقتلاً يتمثل ب “الميثامفيتامين”، الذي يسهل تهريبه ويدر أرباحاً أكثر، حيث تمتلك كل من تركيا وإيران بالفعل كيميائيين وشبكات تهريب منتشرة ومقيمة في مناطق سيطرتها تتحرك حسب توجيهاتها وتعمل تحت إمرتها وأغلب المؤشرات تدل على أنها انخرطت فعلياً في إنتاج هذه الآفة، حيث حذَّرت العديد من الدول الغربية من مخاطر تصديرها إلى خارج منطقة الشرق الأوسط باتجاه القارة العجوز حيث هناك معلومات تفيد بانخراط شبكات المافيا الدولية في عمليات تهريبها.

زر الذهاب إلى الأعلى