مقالات

هكذا تتحرر إدلب؛ فتتهيأ مقدمات الحل السوري

سيهانوك ديبو

إذا ما وجدنا بأن قمة ما فشلت؛ فلعله أول ما يمكن تقييمه بأنها ليست بالقمة. أي أن (قمة) طهران التي فشلت؛ تسقط حقها الاجرائي المسلكي بأنها القمة. بعد فشل ضامني الاستانا في اجتماع طهران الأخير؛ يشهد السوريين تزاحماً في الخطط ذات الصلة بإدلب. كما جرت العادة مؤخراً؛ فإن أغلب هذه الخطط تأتي خارج سوريا فخارج إرادة شعب سوريا؛ فمبتعدة بشكل كبير عن تلمّس ألف باء الحل السوري. أما السيد ستافان دي مستورا الذي يبدو بأنه قرر إدارة الظهر لطهران؛ فإنه لم يزل حتى اللحظة يتأرجح ما بين أنقرة وموسكو، لكن بنصف استدارة ظهر أو أكثر بقليل لجنيف. أمّا الخطة التي يتحدث عنها والمزمع بأنها من بنات أفكار بعض من الجمعيات المدنية السورية فإن حقيقة هذه الخطة تبدو بأنها آتية من تجمعات سورية في تركيا تتخذ أسماء متعددة؛ يتم تمويلها من أنقرة، لتبدو خطتهم حيال إدلب بأنها المكمِّلة للخطة التركية حيال إدلب و/ أو بالخطة باء التركية. يوجد أكثر من عشرين سببٍ كي يقدم السيد دي مستورا استقالته، يبدو اليوم بأنه مبعوث الآستانا التي انتهت إلى سوريا أكثر بكثير من أنه المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية. أما رومنسيته التي فاضت محاولاً خلالها شرعنة إعادة احتلال إدلب؛ من حيث أنه ليس من الضرورة بأن تكون كل معركة تحرير، فشروط التحرير واضحة. خلافاً للسيد دي مستورا فإن الذي يبدو بالمثالي في هذه اللحظات التاريخية هو الذي يحدث من خلال تحرير شرق دير الزور على يد قوات سوريا الديمقراطية. رومانسية دي مستورا مع (مزحة/ طفرة) ممره الإنساني في إدلب؛ لم تستطع أن تخرج حينما احتلت تركيا جرابلس في 24 أغسطس آب 2016 في عملية استلام وتسليم فاضحة ما بين جيش الاحتلال التركي ومرتزقته من جهة ومن جهة أخرى عناصر داعش التي بقيت في أمان واستقرار لأكثر من عامين في جرابلس حتى اللحظة. هذا الشيء نفسه ينطبق على الوساطة التي جرت ما بين داعش وأنقرة في تسليم الباب لأنقرة عبر وساطة ما يسمى بالحزب الإسلامي التركستاني. لم يخرج من دي مستورا أي تعليق –سوى بعض القلق- إبّان مقاومة تاريخية لشعب عفرين دامت مدة 58 يوماً ضد جيش الاحتلال التركي ومرتزقته. لم يتحدث عن ممر آمن. وإذا ما كان نسبة المدنيين من شعب إدلب هي 98% مقابل 2% من الإرهابيين فإن نسبة الإرهاب في عفرين قبل احتلال تركيا لها كانت الصفر. ليبرز دي مستورا أسماء تلك (الجمعيات) (المدنية) (السورية) صاحبة الخطة. أما خطة أنقرة فهي في الحقيقة نسخة طبق الأصل للتي لم تستطع تمريرها في اجتماع طهران الأخير مع شريكيها السابقين في آستانا؛ يبدو أن صفة السابقين تنطبق اليوم على تركيا بشكل كبير نظراً للتركيك الكبير الذي يطغو على العلاقات المتعثرة ما بين شركاء الآستانا الثلاثة: منفردين؛ مثنى؛ ثلاث. كما أن الملفت للنظر بأن خطة تركيا بخصوص إدلب هي إدانة دامغة لها. مرةً تطرح تركيا نفسها بأنها من تسيِّر ومن تخيِّر في أمر الجماعات الإرهابية والقاعدة في إدلب. متحكمة في أدق تفاصيلهم وصولاً إلى حرية اختيارات العناصر الإرهابية بالرجوع لبلدانهم، وبنفس الطريقة التي جمعتهم. هل يحتاج السيد دي مستورا –على الأقل- دليلاً دامغاً أفضل على مثل هذا التورط؟ كما أن تركيا حينما تقدم لروسيا بأنها ستضمن أمن قاعدة حميميم؛ هل تحتاج موسكو ومن فوقها الرئيس بوتين دليلاً بأن تركيا تقف وراء تسيير عشرات الطائرات المسيرة إلى القاعدة الروسية؟ وماذا عن المتبقي من الائتلاف مِنْ هذا الدعم من قبل سلطانهم أردوغان (للمحتل) الروسي؟ بالتأكيد لذريعة بأن تركيا دولة لها مصالحها إنما ذريعة وحجة تنتمي إلى الخطاب الفاسد الفاسق. وماذا عن الأمم المتحدة من جريمة التغيير الديموغرافي التي تعقد تركيا القيام بها ضمن المرحلة الرابعة على عفرين والشهباء في تسيير (الرحّل) الذين تم تجميعهم على سبع دفعات آخرها من درعا؟ ثم ماذا عن السلطة السورية وهي ترى بأن تركيا تحوص وتلوص كي تحقق احتلال حلب؟ فكل الاجراءات التي تقوم بها تركيا وعمليات البيع والشراء وميكانزيم النقل بهدف خلق واقع حال عدائي مستمر في الحلبة السورية؛ تهدف وتنطلق من ما تسميه أنقرة بالميثاق الملي.
تصوّرات لخطة تحرير مفيدة لإدلب
1- الأهمية القصوى من الانطلاق بأن (النصرة الإرهابية/ هيئة تحرير الشام) و(حراس الدين) و(الجيش الإسلامي التركستاني) لن تقبل بأية مغادرة آمنة من إدلب. الأيديولوجية التكفيرية لدى هؤلاء لا تسمح لهم بذلك؛ لتأكيد ذلك تسألون أنقرة. كل الوقائع والتتبع لمساراتها وبشكل خاص في الأزمة السورية تشير بأن إعداد هؤلاء جرى وفق توليفة الدخول والانغماس فقط. أما محاولات تركيا بإقناع هؤلاء فهو محض افتراء؛ تبغي من خلاله كسب الوقت من أجل تمكين نفسها بكل العداء للقضيتين الديمقراطية السورية والقضية الكردية.
2- من المهم الاستفادة من عملية عاصفة الجزيرة في تحرير دير الزور؛ بالأخص في شرقه على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي ضد الإرهاب. متزامناً ما يجري بقرع طبول الحرب في إدلب والمرحلة الأخيرة من تحرير دير الزور والقضاء على الوجود الأخير لتنظيم داعش الإرهابي في دير الزور. فإن أهم ملخصات عام كامل من عمليات التحرير أخذ أربع مراحل لها؛ فإن الملحوظ هو المستوى الكبير في الحفاظ على المدنيين والأهالي والممتلكات، وتشكيل مجالس مدنية ممثلة وعسكرية من المدينة ومن أريافها. أي أنه من المهم إيجاد مقاربة ما بين تحرير دير الزور وإدلب؛ إذا ما كنا أمام عملية تحرير حقيقية ينطبق عليها نتيجة التحرير.
3- إشراك مؤسسات المجتمع المدني السورية الحقيقية في هذه العملية من خلال تصوراتهم وتوصياتهم. الشيء نفسه ينطبق على الهيئات والمنظمات القانونية ومراكز حقوق الإنسان في ذلك.
4- إعلان سماء إدلب وأرضها؛ علاوة إلى سماء شمال سوريا وأرضها منطقة حظر جوي وأرضي. تحسباً لأي ردة فعل تركيّة؛ بخاصة أنها لن تقبل أن تخرج من المولد السوري بلا حمّص. إنْ كانت حمص في السابق خط أحمر كما حماه كما مناطق أخرى فإن تركيا لن تتنازل عن طموحها التوسعي الاحتلالي لحلب. وهي اليوم تتحدث عن منطقة حظر جوي بعمق 18 كم فإنها تبغي ضمان الربط الجغرافي من جرابلس إلى لواء اسكندرون. مناطق تم احتلالها من قبل تركيا في أزمة التعكيك السورية. خلافات الثلاثي الأخيرة ما بين الضامنين في طهران تعتبر الخلاف على نسبِ التعكيك/ قضم الجغرافية السورية. كما أن لخطوة الحظرين تفيد بمستوى كبير لمنعٍ استباقي في أي تهور تركي محتمل بالهجوم على شمال سوريا من (شرقي الفرات)؛ كأكثر المناطق أمنا واستقراراً في عموم سوريا وأكثرها التي تحظى على وجود أكثر من مليون ونصف المليون من السوريين الذين نزحوا من مناطق (خفض التصعيد) و(خفض التوتر) المتبوعة (للضامنين المفترقين).
5- تحرير إدلب. كما قضية تحرير عفرين. الأخيرة بأنها القضية الحقيقية. إقليم بمساحة تقريبية لإمارة دبي الإماراتية. كانت تدار من خلال نموذج مدني ديمقراطي. تحولت لأربع سنوات إلى مركز إيواء لأعداد قدرت بنصف المليون نازح أي بنفس عدد سكان عفرين. ليتم احتلالها من قبل دولة مارقة وجماعات مسلحة مرتزقة عاثوا فيها الخراب والحرق والتدمير وشتى أنواع اللصوصية منذ احتلالها في 18 آذار العام الحالي إلى اللحظة الراهنة. ومع التأكيد بأنه لا مقومات لاستمرار هذا الاحتلال بخاصة في ظل مقاومة تاريخية دخلت مرحلتها الثانية منذ ذلك الوقت حتى تحريرها بشكل نهائي. فإنه من المهم التعامل مع كلا القضيتين وفق مساحة المنجز الوطني (أرفع من النظام وأعلى من المعارضة، وفي الوقت نفسه بالتأكيد على أهمية الفرق ما بين النظام والمعارضة). وإذا ما تم الأخذ بذلك فإنه لا ضير هنا من تشكيل هيئة الشأن الوطني؛ مثالاً؛ ما بين المجلس العام للإدارة الذاتية الديمقراطية لشمالي وشرقي سوريا من جهة ومن جهة أخرى السلطة في دمشق؛ بإشراف مجلس الأمن أو على الأقل من راعيي الحل واشنطن وموسكو، إضافة إلى المجموعة السورية المصغرة: فرنسا، السعودية، الأردن، مصر، بريطانيا، ألمانيا، والتي من ضمنها تأتي الولايات المتحدة الأمريكية.
6- الأرقام التي تتحدث بأن جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام تسيطر على 60% من جغرافية إدلب هي أرقام مضللة. علماً بأن النصرة تحتل كامل إدلب بشكل أو بآخر. كما أن داعش كانت تسيطر على كل الرقة المتحررة بشكل كلي اليوم. وكانت تسيطر على كل دير الزور بشكل كامل التي تتحرر بشكل نهائي في الفترة القريبة القادمة. وصفات موسكو التجزيئية لا تبدو منطقية حيال إدلب؛ بالرغم من أنها شهدت نجاحاً بالنسبة لها في مناطق أخرى وفق تمرير المصالحات والترحيل إلى ما غير ذلك. كما أن وصفات ضامني الآستانا بتجزئة السلة المتكاملة لحل الأزمة السورية المتدرجة؛ على شاكلة تقديم الدستور من تشكيل لجنة تفتقر إلى أدنى صفة التمثيل والشرعية، بالإضافة إلى زج ملف إعادة الإعمار وإعادة النازحين دون تحقيق التغيير الديمقراطي؛ إنما يعتبر بمثابة تعقيد إضافي للأزمة السورية المعقدة أساساً.
فقرة بعلاقة غير مباشرة مع المقال
يصدف اليوم الذكرى السابعة عشر من الهجومات الإرهابية على أمريكا بتاريخ 11 سبتمبر أيلول. كما يصادف اليوم عيد رأس السنة الهجرية المباركة. تابعتْ في هذا اليوم أعمال المرافعات في محكمة لاهاي المتعلقة باغتيال الراحل رفيق الحريري. ينعقد اليوم جلسة طارئة لمجلس الأمن متعلق بإدلب وبطلب موسكو. يأتي هذا الاجتماع قبل أيام قليلة لاجتماع اللجنة المصغرة للدول السبعة بحل الأزمة السورية. يتزامن بمباحثات وتعهدات غير علنية ما بين برلين وأنقرة حيال استئناف أعمال سكة الحديد التي ترجع بداياتها إلى العشر الأول من القرن العشرين. في مقال نشرته (وول ستريت جورنال) لأردوغان؛ كان سيكون مقالاً جيداً لو كان عنوانه الانكماش التركي في سوريا أو بداية الأزمة التركية. هذا العنوان يتماشى والقياس المرتفع لصراخ وعويل السلطان الذي يخرج من كل حرف من مقاله المزعوم بتأكيد على فشل جميع مشاريعه. كل ذلك يأتي مع مستوى معقول حققه الكورد بالاستعداد لأي تغيير قسري أو طوعي يطرأ على هذا الشرق الأوسط؛ ربما العالم. لا علاقة لذلك بأية رغبة أو عاطفة. لا بل أن نتيجة الاستعداد هذه على كل العلاقة بفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية كخيار ديمقراطي اتخذه حركة حرية كردستان ومن يؤمن بفكر الأمة الديمقراطية التي تعبر عن ثقافة شعوب المنطقة وتحقيق تطلعاتها في الحرية والاستقرار. وعصر السلام يتحقق من خلال عصر الأمة الديمقراطية: لسنا قوميات وشعوب متحاربة، لا دخل لأي انتماء ديني أو عرقي بالصراع الذي يحصل في سوريانا وعموم شرقنا المتوسط؛ فإننا ثقافات تؤدي أدواراً حضارية متكاملة. إنه عصر الأمة الديمقراطية؛ فيما لو ننحو منحى السلام.
كل رأس سنة هجرية وأنتم بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى