دراسات

“ملحمةُ الانبعاث”

مُقتطفاتٌ من أجوبة القائد عبد الله أوجلان، في حوارٍ أجراهُ يالجين كوجوك معهُ، عام(1992)، أي قبل (25)عاماً…../ وكأنهُ تحدّثَ قبل يومين من الآن/.

هو مُتجاوزٌ في فكرهِ لمفهوم الدولة القوميّة:

(أنا لا أنخدعُ بكثيرٍ من الشّعارات على سبيل” ليتنا نُصبحُ أصحابَ دولة”، و” الدّولةُ كلُّ شيءٍ في حياتنا” كما يقولُ الغيرُ، ويعبدونَ ذلكَ، لأنّ هذا التفكيرَ يُشبهُ التفكيرَ العشائريّ القديمَ. لديكَ دولةٌ, قُمْ وانطحها برأسكَ، فأنا لا أحسدُ هؤلاءِ ولا أرى فيما يطرحونَ شيئاً عظيماً، ولا أُمنّي نفسي بمثل هذه الأشياءِ، فلديَّ قيَمٌ أسمى من الدولة، وأنا أبحثُ عن تكويناتٍ أجمل من الدولة،  فما هي الدولةُ التي تتحدثّونَ عنها! إنّها سقفٌ لمستوىً اجتماعيّ مُعيّن، وتكرارٌ للعلاقات الداخليّة، فالمجتمعُ مُتفسّخٌ والدولةُ متفسّخةٌ أكثر منهُ بألف مرّة، والمجتمعُ لا يستطيعُ أن يتنفّسَ والدولةُ على حافة الغرقِ، وليسَ هناكَ أيّ شيءٍ يدعو للفخر، فدولةٌ بهذا الشكل تستوجبُ التحقيرَ، ولا توجدُ فيها أيّةُ ناحيةٍ تستوجبُ التعظيمَ، كأن نقولَ هي كلّ شيءٍ في حياتنا…).

(في هذه المنطقة توجدُ ثقافةُ شعوبٍ كثيرة، وما يُزعجُ هو أن نعتبرَ ثقافة كل هذه الشعوب وكأنها لشعبٍ واحدٍ، فيأتي الأتراكُ وينهبونها كالمُحتالين ويقولون إنها لنا، ويأتي العربُ ويقولون بدورهم إنها لنا. فهذه نظرةٌ قوميةٌ ضيّقة، ولهذا يجبُ الوقوف في وجهِ المفاهيم القوميّة الضيّقة في هذه المنطقة واستصغارها).

(إنّ نظرةPKK للقوميّة الكرديّة مُغايرةٌ لحركات التحرّر الوطنيّة الأخرى، وحتى الحركات الكرديّة الأخرى. إنّ عبد الله أوجلان يريدُ تغييرَ الأكرادِ والسُموّ بهم، ولهذا السبب يتعرّضُ لانتقاداتٍ شديدةٍ، وهذه النقطةُ التي تُميّزهِ عن غيرهِ.)

(علينا أن نخافَ من الذينَ يدعونَ إلى القوميّة بتطرُّف، فإذا بحثتم عن أصل الذي يقولُ” أنا قومي تركي مُتطرّف” ستجدونَ أنهُ ينتمي إلى شعوبٍ أخرى غير تركية!، وإذا دقّقنا في الذينَ يدعونَ إلى الدولة ويتفوّهونَ بكلمة الأُمّة كثيراً، نرى أنهم ليسوا وطنيينَ بالضرورة. فالذينَ أسسّوا جمعيّةَ الاتّحاد والترقّي للشباب الأتراك” جان تورك” كانَ اثنان منهم كُرداً، والثالثُ شركسيّ والرابعُ عربياً!)

(القوميّةُ التركيّةُ هي مزيجٌ بنسبةٍ كبيرةٍ، فابحثوا في تاريخ الأتراكِ المُتطرّفين ستجدونَ أنهم من شعوبٍ أُخرى، وأكثرُ الأتراك المُتعصّبين للقوميّة التركيّة قادمونَ من البلقان، حيثُ اُقتلعَتْ جذورهم وأصبحوا مُهاجرين، وخرجوا من مُجتمعاتهم الأصليّة، ابتداءً من مصطفى كمال ووصولاً إلى كنعان ايفرين.)

الطُرقُ الصوفيّة وتأثيرها على القضيّة الكرديّة:

(الأتراكُ يستخدمون الإسلامَ وسيلةً للتوسُّعِ، أمّا إيرانَ فكان ردُّها بالمذهب الشيعيّ، وربطتْ هذا المذهبَ بمصالحها القوميّة، أي أنهم أمّموا الإسلامَ. ومع مرور الزمن سيحوّلونهُ إلى إمبرياليّة، والعربُ طوّروا المذهبَ السُنيّ، واستخدموهُ لأجل توسّعهم، أمّا الأتراكُ فقد استخدموا الإسلامَ بشكلٍ عامٍ لأجل مصالحهم القوميّة والوطنية وفي سبيل ترسيخ أركان نظام دولتهم، أي استخدموهُ في الداخلِ والخارج كسلاحٍ أساسيّ، وإلاّ فكيفَ نستطيعُ التفكيرَ بدخول الأتراك إلى البلقان والأناضول لولا الإسلام! فالإسلامُ التركيُّ يتميّزُ بالاحتلال وتذويب الشّعوب، وبالتوسّع، وهذا كلّهُ واضحٌ ومُستمرٌ منذُ ألف عامٍ، وإذا تحدّثنا عن علاقة الكُرد بالإسلام فلا يمكنُ أن تُطبّق نفس المُعطيات، فالكُردُ كانوا ضحيّةَ إسلام العجم والأتراك والعرب، لأنّ كلاً منهم استخدمَ الإسلامَ في سبيل ابتلاعهِ، ولم يولَد إسلامٌ كرديّ، ولم يصبغ الإسلامَ باللون القوميّ الكُرديّ…

كانت هناكَ بعضُ الطُرقِ الصوفيّة وبعض المذاهب، ولكن لم يكن لها أيُ تأثيرٍ على المسألة القوميّة، فسعيدُ النورسيّ والشيخ سعيد  كانت لهم طرقٌ دينيّة صوفيّة مختلفة، وكذلكَ الطريقة النقشبنديّة، ولكن لم تصلْ واحدةٌ من تلكَ المذاهب إلى البُعد القوميّ، لأنّ جميعها كانت بمثابة عُملاء للإمبريالية الإسلاميّة. فإدريس البدليسيّ كان يتبعُ الطريقةَ النقشبندية وكان عميلاً ل” ياووز” وأخيراً البارزانيون نقشبنديون، وهُم أكبرُ عائلةٍ عميلةٍ).

(تركيا قدّمتْ مُساعداتٍ كبيرةً إلى أصحاب الطُرق الصوفيّة بصورةٍ مُباشرة، مما يدلّ على أنّ الأيديولوجية الكماليّة لم تلقَ إقبالاً في كُردستانَ، وخاصةً بعد صعود حزب العمّال الكردستانيّ PKK، ولهذا فقد نتجَ فراغٌ نفسيّ كبيرٌ، فأرادوا إشغالهُ بشكلٍ مُنظّم عن طريق الدعاية للطُرق الصوفيّة. لذا فقد موّلوا الطريقةَ النقشبندية، ودفعوها إلى الأمام، وبهذه الصورةِ جذبوا الآلافَ بل عشرات الآلاف إلى هذه الطرق. وهذا يشبهُ الأسلوبَ القديمَ الذي كان يستخدمهُ العثمانيون عندما كانوا يستولونَ على أطفال المسيحيّين بعدَ المجازرِ، ويأخذونهم إلى مدارسَ الجيش الانكشاريّ، ويجعلونهم أدواتٍ طيّعةً لخدمة القومية لتركيّة، فالتقرُّبُ إلى هذه الطُرق يُشكّلُ الخطوةَ الأولى نحو الدخول في خدمة الدولة.)

(كانتِ الدولةُ دوماً تستفيدُ من البنيّة المُتخلّفة لدى المُجتمع الكُرديّ، فهذه البنيةُ كانت مُنقسمةً إلى طُرقٍ صوفيّة ومذاهبَ، فتديُّن آفرين وتمسُّك أوزال بالطُرق الصوفيّة لم يأتِ من فراغٍ، فقد رأوا أنهم بهذه الوسيلةِ يستطيعونَ إضفاءَ بُعدٍ جديدٍ لتوسيع نطاق القومية التركيّة، فصارَ نظامُ 12 أيلول يلجأُ إلى الطرق الصوفية بشكلٍ غير طبيعيّ، ويعملُ على تأمين الدّعم المادي لها، وأصبحوا يدفعونَ الرواتبَ لكثيرٍ من رجال الدّين، وتحوّلتِ المُدنُ الكردستانيّةُ مثل باطمان- ديار بكر- أورفة- سيلوان.. إلى أوكارٍ للطُرق الصوفيّة، فقد أخذوا الأطفالَ الذين لا تتجاوزُ أعمارهم 7 سنواتٍ وعملوا على تحفيظهم الأفكارَ الدوغماتيّة لإبعادهم عن حقائقَهم القومية والاجتماعية، كما كانَ يفعلُ العثمانيونَ في المدارس الانكشاريّة، حيثُ طبّقوا هذه الأساليبَ على الأطفال المسيحيين ليجعلوا منهم أتراكاً مُسلمين، وقد طبّقَ أتاتوركُ هذا الأسلوب أيضاً في ديرسم بشكلٍ وحشيّ لأجل تتريكهم، فالأطفالُ الذينَ جمعوهم بعد مذابحَ ديرسم تحوّلوا إلى قوميينَ أتراك مُتطرّفين أكثر من الأتراك أنفسهم، وأصبحَ بعضُهم وزراءَ وجنرالات قوميين، وما زالَ قسمٌ منهم موجودٌ حتى اليوم.

إنها أساليبُ التذويب التي كانت تُطبّقُ في مدارسهم، وهكذا فالجهودُ التي تُبذَلُ في الطُرق الصوفيّة هي لأجل أن يُخرّجوا جيلاً من الخونةِ العُملاء.)

( إنّ القوميةَ التركيةَ لا يمكنُ أن تجدَ أرضيّةً أخرى لها دونَ أن تمتزجَ بالدّين، فالسبيلُ الوحيدُ هو اللجوءُ إلى الطُرق الصوفيةِ تحتَ قناع الدّين، بينما في الحقيقة هي سياسةُ التتريك المُتطرّفة، ولأنّ PKK حالَ دونَ تطبيق ما كانوا قد طبّقوهُ في ديرسم فقد لجأوا إلى خلطِ الدّين بالقوميّة التركيّة.)

( فلنسألِ النقشبنديين والسليمانيين والنورجيين: ما هي مصادرُ تمويلكم، ولماذا يعطونكم هذه الأموالَ؟ لقد استطاعَ نظامُ 12 أيلول الفاشيّ بقيادة أوزالَ وآفرين أن يُحققّ بعضَ النجاحات في هذا الخصوص، ولم يتّبعوا هذه السياسة مع السُنّة فقط بل مع العلويين أيضاً، فقد أبرزوا بعضَ المشايخِ المُزيفين من الطائفة العَلوية وشكّلوا جمعياتٍ مُزيّفةً في الداخل والخارج. والهدفُ من كلّ هذا هو تنظيمُ العلويين في الشّمال والسنّة في الجنوب للوقوف في وجه النضال التحرّري الكردستانيّ، فوزيرُ الداخلية” عبد القادر آقصد” نقشبنديٌ مُتطرّفٌ جاءَ في عهد أوزال، ولاستغلالِ الطبقاتِ الكادحة من العلويين جاؤوا ب” محمد موغولتاي” الذي هو علويٌ من ديرسم أصلاً، ونصّبوهُ وزيراً في الحكومة.)

نضالُ PKK القديمُ- الحديث:

(لقد خاضَ PKKنضالاً مريراً ضدّ قوتين أساسيتين، هما” القومية البدائية” و” الاشتراكية الشوفينية”، وخاضَ نضالاً إيديولوجياً اعتباراً من عام 1975، وأعلنَ نفسهُ كحركة تحرّرية وطنية، أمّا ردُّ تركيا على هذا التطوّر فكان انقلابُ 12أيلول الفاشيّ 1980قاسياً جداً.

وتمّ الردُّ على ذلكَ بقفزةٍ 15 آب المجيدة، حيث كانت هذه القفزة بمثابة خطوةٍ جريئةٍ جداً، وعقد المؤتمرُ الثالثُ 1986 ليراجعَ إيديولوجيتة وتنظيميته وإجراء تحليلاتٍ عميقة، وبدأ يعدّ نفسهُ للتطبيق العملي في عام 1987، مما حدا بالدولة التركية إلى إعلان حالة الطواريء في كردستان وتوثيق العلاقات مع حُماة القُرى وتسليح العشائر مرةً أخرى والاعتماد على الطُرق الصوفية بدلاً من الإيديولوجية الكمالية، وتقديم الدعم لها، وحاولت أن تُلهي الشعبَ بالرياضة والفنّ… وبدأت بتشكيل الوحدات الخاصّة نصف العسكرية وأدخلتها في مواجهة الحزب، ووضع الحواجز العسكرية والإيديولوجية أمام نضالPKK.

ولمّا بدا للدولة عدمَ كفاية هذه الإجراءات، لجأت إلى العمالة الكردية ودفعتها للهجوم على PKK بشكلٍ مباشر، وخاصّةً ما حدثَ في الجنوب، حيثُ اتضّحَ بما لا يدعُ مجالاً للشكّ بأنّ القوميةَ الكرديةَ للبارزاني هي شكلٌ من نظام حُماة القُرى والذي لغبَ دورهُ ضمنَ هذا المسار. ولجأت تركيا إلى استخدام” حزب الله” أيضاً وخاصةً في المناطق القريبة من النفوذ الإيراني، ومع عدم كفاية كل هذه الإجراءات بدأت باستخدام كلّ قواتها المُسلّحة وفي جميع المناطق).

الفرقُ بين المرأة والأنثى:

 (الملابسُ التي ترتديها العروسُ في نظري هي كفنٌ، وحفلاتُ العرس هي حفلاتُ تأبينٍ، وهذا الإحساسُ يرافقني منذُ الطفولة، وأنا الآن أفهمُ بأنّ هذا هو الصحيح.)

( الرجلُ والمرأةُ الكرديةُ يصلان إلى نقطة الانتهاء عندما يتزوّجان، فالزواجُ الذي يتحقّقُ تحتَ هذه الشروط يأتي على نهاية كلّ شيءٍ في الشّخصية والبنية الفيزيائية والروح وجمالها، فهي تصبحُ أمّاً لعشرة أطفالٍ قبل سنّ الثلاثين، وهذه إهانةٌ كبرى ودناءةٌ ما بعدها دناءة، فهل يبقى في هذه المرأة شيءٌ اسمهُ امرأة!

والرجلُ الكرديّ يعملُ المستحيلَ لأجل إنقاذ زوجته وأولادهِ، وحتى أنهُ يقومُ بالعَمالةِ لهذه الغاية، وهذا يعني الانتهاءَ بالنسبةِ للرجل الكرديّ).

التغريبة الكردية:

 (هناكَ غربةٌ كبيرةٌ في الروح، فالإنسانُ الذي لا يعودُ إلى ذاتهِ روحيّاً لا يستطيعُ أن يعودَ إلى نفسهِ فكريّاً.

ثمّةَ مَن هربَ من وطنهِ لأنهُ يرى أنهُ صارَ أنقاضاً، فالوطنُ والجغرافيا تحوّلا إلى أشباح، وهناك ثعابين، لذا عليه أن يهربَ.

وهناك من يقولُ: ما زال هنا غذاءٌ ومأوىً وما شابهَ ذلكَ يكفي للمئات من أمثالكَ.

بينما يعودُ الآخرونَ إلى أوطانهم ويتمركزون فيها ويتمسّكون بوطنيتهم مثال” اليهود، الأرمن، الفلسطينيون”، أمّا الكرديُّ فما زالَ يهربُ، وما زال الكردُ يعيشونَ هجرةً كبيرةً).

إعداد : سليمان محمود

زر الذهاب إلى الأعلى