مقالات

مقاومة الإرادة في عفرين تكشف الحقيقة من الزيف

سليمان عرب

الحرب الدائرة في إقليم عفرين هي هجوم لطرف خارجي غريب على منطقة آمنة ومستقرة يقطنها أهلها منذ آلاف السنين, استطاعوا بعد طرد النظام الشوفيني الاستبدادي من مناطقهم، بناء إدارات ذاتية ديمقراطية ومؤسسات لإدارة شؤونهم اعتماداً على النهج الثالث بعيداً عن الفوضى والأزمة العاصفة بالبلاد، والحرب العالمية الثالثة الدائرة على السلطة والنفوذ والمصالح، والتي تحولت لحرب طائفية مقيتة فكانت فاتورتها ثقيلة على الشعب السوري؛ مُخلِفَةً مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والملايين من المشردين واللاجئين, فهذه المقاومة في عفرين ضد الغزو التركي هي حالة نادرة في هذا الزمن, فلا يوجد توازن في القوى! فكيف تسير الأمور، ومن أين تأتي هذه المقاومة، ومن أين تكتسب هذه الإرادة؟.

المقاوم الموجود في عفرين يأخذ توجيهاته من فلسفة “أوجلان” الموجود في سجن انفرادي في جزيرة إمرالي منذ حوالي عشرين سنة؛ وهو ملهمهم وقائدهم, وقالها صراحة (سأنتصر حتى في السجن), كذلك كافة الحدود مسدودة أمامهم والأبواب جميعها مغلقة ولا يعترف بهم أحد وهم غير شرعيين, ولا تقبل القوى الموجودة حضورهم في أي اجتماع دولي من أجل المشاركة في الحل على طريقتهم.

مصادر التمويل والتسليح مقتصرة فقط على الأسواق السوداء والمهربين واعتمادهم فقط على أنفسهم وشعبهم ومجتمعهم, بالرغم من كل ذلك إرادة المقاتل والمقاتلة في وحدات حماية الشعب والمرأة أقوى، وتستطيع قلب المعادلة وتحقيق النصر, مقابل الجندرمة التركية والمرتزق السوري (اللاجئ المدرب على عداء الشعوب والمتشرب بالعنصرية والتعصب) هذه هي حقيقة المقاومة العصرية في عفرين, والشاهد على ذلك الموقف الحقيقي؛ هو التلاحم بين موقف الشعب في الصمود وعدم النزوح والوقوف خلف قواته رغم المجازر والقصف العشوائي, وبين إرادة قوات الحماية في الدفاع المستميت حتى النهاية.

بالمقابل الطرف المهاجم من الدول المعروفة بترسانتها وقوتها العسكرية (طائراتها ومدافعها ودباباتها) وأسلحتها المُحرَّمة والكيميائية, وجيوشها الجرارة كونها عضوٌ في حلف الناتو, تدعمها الشرعية الدولية وكافة دول العالم وكافة الحدود مفتوحة أمامها, وكافة مصانع وأسواق الأسلحة وبإمكانيات غير محدودة ومفتوحة, ولكن هنا ينبغي التنويه أن الهجمات على عفرين لم تنقطع وهي مستمرة منذ سنوات حيث كان المقاومون دائماً يردونهم على أعقابهم عبر صمودهم وتضحيات الشهداء، والعدو لا يزال يهاجم بطرق مختلفة, والآن يظهر بعض الكرد المتباكين على عفرين, ذلك الكردي الذي يعاني من غمامة وسحابة سوداء على شبكة عيونه وضميره, فلا يستطيع ذكر أسماء المقاومين بصراحة وطلاقة (YPG) ولا يستطيع أن يتحدث عن الفلسفة والقناعة والإيديولوجية، ويتناسى أن الذين يقاتلون ويستشهدون ويملكون تلك الإرادة هم الآبوجيون؛ وأوجلان هو صاحب تلك الأفكار والقناعات, بالرغم من أن هناك العديد من التجارب والأحداث التي تظهر أنه ليس للكرد سوى المقاومة والجبال, فثورة شيخ سعيد بيران 1925 م وسقوط جمهورية مهاباد عام 1946 م وانهيار ثورة أيلول 1975 م بعد إتفاقية الجزائر وكذلك ما حدث في شنكال 2014 م من إنسحاب مفاجئ وآخرها ما حدث في كركوك 16 أكتوبر 2017 وفي عموم اقليم كردستان دون مقاومة, فأين هم من تلك الروح والإرادة التي تقاوم الآن في عفرين, إنها إرادة مظلوم دوغان وساكنة جانسيس وآرين ميركان, وهي نفسها المقاومة الموجودة الآن في سجن إمرالي التي يقودها القائد أوجلان.

فلماذا لا يستطيع ذلك الكردي التصريح والإعلان باسم (YPG) بالرغم أنه يغني ويخرج للتظاهر وحتى يعلن الانسحاب من الأحزاب والائتلاف وما يسمى بالمجلس, لذلك كان عليه أن يصرح بالحقيقة الموجودة, عليه أن يصرح أن (أبناء الفلسفة الأوجلانية) هم من يقاتلون، وأن يصرح أن أجزاء كردستان الأربعة تقاوم وتقاتل, وأن الكرد والعرب والسريان يقاتلون ويقاومون في عفرين.

إنه موقف رهيب لإنسان لا يقبل الواقع ويخرج للتظاهر ويغني من أجل انتصاره, يا له من شتات في التصرف النظري وانعكاسه العملي، يا له من تخبط في التوازن والمنطق والتحليل، ويا لها من شخصية مهزوزة بدون موقف وإرادة حرة.

زر الذهاب إلى الأعلى