مقالات

ما بعد الآستانة..

في بداية الثورة السورية التي تحولت في تسمياتها إلى الأزمة السورية، وإلى ما ذلك من مسميات لتخرج من معناها الحقيقي في سوريا لتتحول إلى نزاعات طائفية ودينية وتتبعثر أهداف الثورة تحت نعال الأجندات الخارجية وتصبح ما آلت إليه سوريا من خراب ودمار وتشرد و..، ولا زال الشعب يموت بشتى الأسلحة التي يجربونها على الشعب السوري، والمؤسف جداً في ذلك إن القتلة يبيعون السلاح للأطراف لتتقاتل فيما بينها أي بمعنى لفظي آخر القاتل يبيع السلاح للضحية والضحية نفسها تنغر بالسعر ولا تسأل عن المضاعفات، هذا والذي زاد الطين بلّةً هي التدخلات المباشرة من أصحاب الأجندات وأصحاب ملفات التقاسم وأصحاب الامتيازات التي تناضل بدورها للوصول إلى مبتغاها في نوع من أنواع الاحتلالات وهؤلاء نفسهم بدأوا يتشاطرون الوليمة وبطرق دبلوماسية وسياسية، فبدأوا بعقد مؤتمرات واجتماعات موسعة وعلى مستويات القمة والوزارات والممثلين للدول ومنها ممثلي سوريا الذين ليس لهم في القضية شيء يُذكر سِوى السمسرة على دماء السوريين والخضوع للمزايدات من قبل هذا وذاك من التجار وصانعيّ الحروب؛ وكانت أبرزها اجتماعات جنيف التي تكررت ولم تخرج بحلول للمأزق، وايضاً سوتشي والقاهرة وغيرها، ولكن التي استمرت أكثر كانت تلك التي سميت بمؤتمرات {الآستانة} حتى أخذت الرقم القياسي بعقد هكذا مؤتمرات، ولم تخرج بحل مجدي للأطراف الجالسة في عتبات تلك الاجتماعات، وللأسف بل كانت تُعقّد القضية أكثر وتضع السوريين في متاهات الموت أكثر من السابق؛ مرة بلعبة المصالحة وأخرى بأخذ الأطراف الضامنة وقف الحرب ولكن نراها تفعل العكس.

تزيد الأزمة تعقيداً وتثير النعرات أكثر وتتوسع الفجوات بين الأطراف التي تجلس في تلك المؤتمرات؛ وبدون شك أن لم  تستقر تلك التوازنات السياسية الاقتصادية بين هؤلاء الذين يصنعون الأزمات والحروب، فلن نجد للقضية السورية حلولاً جذرية، والدليل على ذلك هو نفسها تلك المؤتمرات المنعقدة هنا وهناك، والملفت للانتباه إن أصحاب القضية السورية الاساسيون والحقيقيون ليسوا مدعوون لتلك المؤتمرات وهذا السبب الرئيسي الذي نفهم منه أن هدفهم هو إطالة عُمر الأزمة أولاً، وثانياً أن الرعاة أنفسهم يدركون أن الذين يجالسونهم ويناقشونهم ليس لديهم أي مشروع على الأرض يخدم من خلاله الشعب السوري أو حتى نخبة من المجتمع وليست لديهم خريطة طريق ولا قاعدة شعبية متزنة سوى الذين اغروهم بالتشدد الديني والمذهبي الذي يُبقي على الحقد والثأر فيما بينهم وستكون جاهزة للانفجار في أي لحظة يريدها المستفيدون من تلك المنازعات، وكما قلنا أن الذي يمتلك مشروعاً جدياً وقاعدة شعبية كبيرة مكونة من جميع الفئات والأطراف السورية حرر ثلث أراضي سوريا من رجس الإرهاب الأسود {الداعشي المتشدد}، وشكل قوة عسكرية على الأرض من خيرة شباب وشابات الوطن السوري وسجل للتاريخ انتصارات عظيمة على أرض سوريا، ناهيك عن القوة الأمنية واللجان المجتمعية والمؤسسات المدنية المتمثلة في هيكلية الإدارة الذاتية والقوة السياسية التي تسعى دائماً ومنذ نشأتها لإيجاد الحلول من خلال الحوار السوري السوري، في المدن السورية، دمشق كانت أو أي مدينة في الجزيرة أو الساحل او الداخل السوري، فمشاكل الوطن لاتحل إلا فيها وهذا الأصح.

لكن كما نوهنا في البداية أن الدول المستفيدة من النزاع توجه الدفة إلى الاستانة وغيرها من مدن الغرب للمصالحة وصياغة الدستور، علماً أن صياغة الدساتير في التاريخ لا تأتي إلا بعد ما تنتهي الحروب الساخنة وتبدأ التفاهمات، لكن لا زالت الحروب قائمة والمدن تُحتل من قبل تركيا، والسوري الذي يُدعى “الحر” هو شريكها في التغيير الديمغرافي والانتهاكات وجرائم الحرب، وكيف ستكون المصالحة وهم نفسهم الذين ينهبون سوريا ويقتلون العربي قبل الكردي،  الأطفال قبل الكبار، فكيف ستكون شكل المصالحة والتفاهم مع هؤلاء القومويون والقتلة وكم من البيانات الختامية والقرارات الكاذبة ستخرج من {استانة} وغيرها، وكم عدد الذين يسعون إلى تقسيم الأراضي السورية وكيف سيكون التقسيم والكل له هدف يتضاد مع الآخر ولكل أجندة يتبعها، والمفارقة أيضاً بين الإدارة الذاتية وبين الأطراف المدعوون لها، هي أن الإدارة تهمها بالدرجة الأولى مصلحة الشعب وتوحيد الأرض والمجتمع وتحرير الأراضي التي احتلت، وهذا كله من أولوياتها في أي محادثات وأي حوارات، ومع أي طرف كان داخلي أو خارجي، ولهذا السبب لا يتم دعوتنا كـ {إدارة ذاتية} لأجله على طاولات الحوار لأن من يتحدث باسم الشعوب وحقوقهم مستبعدون عن هكذا مؤتمرات، لكن ثقتنا بأن قضيتنا هي المُثلى تزيدنا إصراراً ومقاومة لمحاربة الطامعين في أرضنا ووطننا.

زر الذهاب إلى الأعلى