ثقافة

“ميلاد السيد المسيح” رسالة محبة وسلام إلى العالم أجمع

لكل دين من الأديان السماوية أيام محددة من السنة يحتفلون فيها بمناسباتهم الخاصة مهما كانت نوعها أعياد أو…، حيث يمارسون فيها طقوسهم وثقافتهم الخاصة والتي تكون مختلفة من طائفة إلى أخرى أو من دين إلى آخر.

وبما اننا في هذه الأيام على أعتاب عامٍ جديد، وبما إنه يتم الاحتفال في الأيام الأخيرة من كل عام بأعياد اخوتنا المسيحيين، حيث صادف تاريخ 25-12 “ميلاد السيد المسيح”، فسنسلط الضوء في هذا التقرير على أسباب تحديد هذا التاريخ بحسب المصادر، والطقوس والعادات التي يمارسها المسيحيون حول العالم في هذا العيد، حيث يُعد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل ذكرى ميلاد يسوع المسيحيين وتاريخياً تم تحديد الـ25 من ديسمبر/ كانون الاول تاريخاً لعيد الميلاد في القرن الرابع تزامناً مع الاعتراف بالمسيحيّة واندماجها في نسيج الامبراطوريّة الرومانيّة الاجتماعي.

تحديد تاريخ العيد:

يُعتبر عيد الميلاد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح، وذلك بدءاً من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يوماً يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير، ورغم أن الكتاب المقدس لا يذكر تاريخ أو موعد ميلاد يسوع فإن آباء الكنيسة قد حددوا عام 325 الموعد بهذا التاريخ، كذلك فقد درج التقليد الكنسي على اعتباره في منتصف الليل، وقد ذكر إنجيل الطفولة ليعقوب المنحول في القرن الثالث الحدث على أنه قد تم في منتصف الليل، على أن البابا بيوس الحادي عشر في الكنيسة الكاثوليكية قد ثبّت عام 1921 الحدث على أنه في منتصف الليل رسمياً؛ يذكر أيضاً، أنه قبل المسيحية كان يوم 25 ديسمبر عيداً وثنياً لتكريم الشمس، ومع عدم التمكن من تحديد موعد دقيق لمولد يسوع حدد آباء الكنيسة عيد الشمس كموعد الذكرى، رمزاً لكون المسيح “شمس العهد الجديد” و”نور العالم”. ويعد عيد الميلاد جزءاً وذروة “زمن الميلاد” الذي تستذكر فيه الكنائس المسيحية الأحداث اللاحقة والسابقة لعيد الميلاد كبشارة مريم وميلاد يوحنا المعمدان وختان يسوع، ويتنوّع تاريخ حلول الزمن المذكور بتنوع الثقافات المسيحية غير أنه ينتهي عادة في 6 يناير بعيد الغطاس، وهو تذكار معمودية يسوع.

وفي المسيحية المبكرة لم يتم الاحتفال بعيد الميلاد، لاحقاً ومع بدء ترتيب السنة الطقسيّة اقترحت تواريخ متعددة للاحتفال بالعيد قبل أن يتم الركون إلى تاريخ 25 ديسمبر بعد نقاشات مستفيضة حول التاريخ الأنسب للاحتفال. غير أن بعض الكنائس كالكنيسة الأرمنيّة كانت ومن قبل التحديد في 25 ديسمبر قد جمعت الميلاد مع الغطاس في عيد واحد، ما دفع إلى إقامتها الميلاد مع الغطاس في 6 يناير. لاحقاً، ومع إصلاح التقويم اليولياني ونشوء التقويم الغريغوري المتبع في أغلب دول العالم اليوم، نشأ فرق في التوقيت بين 25 ديسمبر اليولياني الشرقي و25 ديسمبر الغريغوري الغربي، ولكون الفرق يتزايد بمرور القرون، فالفرق حالياً ثلاثة عشر يوماً وغدت الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني الشرقي تقيم العيد في 7 أو 8 يناير في حين تقيمه الكنائس التي جمعته مع عيد الغطاس على التقويم الشرقي في 19 يناير رغم قلّة عددها وأبرزها بطريركية الأرمن الأرثوذكس في القدس، في حين أن بطريركية كيلكيا اعتمدت التقويم الغربي وباتت تقيم عيد الميلاد مع عيد الغطاس في 6 يناير، المألوف. تقيم عدد من الكنائس الأرثوذكسية عيد الميلاد والغطاس بحسب التقويم الغريغوري منها بطريركية انطاكية، والقسطنطينية، والإسكندرية، واليونان، وقبرص، ورومانيا وبلغاريا أما كنائس روسيا، وأوكرانيا، والقدس، وصربيا، ومقدونيا، ومولدوفا وجورجيا فضلًا عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية فتعتمد التقويم اليولياني في تحديد هذه الأعياد. بكل الأحوال لا تعتبر الطوائف المسيحية الاحتفال تاريخاً واقعياً لذكرى ميلاد المسيح، بل باستذكار قدومه إلى العالم وما حمل ذلك من معاني روحية.

الاحتفالات والطقوس التي تُقام أيام عيد الميلاد:

كاحتفال ديني وثقافي بين مليارات البشر حول العالم، يترافق مع عيد الميلاد احتفالات دينية وصلوات خاصة للمناسبة عند أغلبية المسيحيين، واجتماعات عائلية واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة عيد الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وانشاد الترانيم الميلاديَّة وتناول عشاء الميلاد، ولدى هذه العادات الاحتفالية المرتبطة بعيد الميلاد في العديد من البلدان أصول من العصور ما قبل المسيحية وأصول علمانية بالإضافة للأصول المرتبطة بالمسيحية، وتحتفل أعداد كبيرة من غير المسيحيين ثقافياً بالعيد أيضاً، وهو عطلة رسمية في أغلب دول العالم، وكذلك، يعد عيد الميلاد من أكثر المناسبات التي ينفق الناس عليها مالاً، كما يوجد لهذه المناسبة أغاني وموسيقى وأفلام ومسرحيات ومسلسلات تلفازية عديدة تتناولها، بأبعادها المختلفة.

يترافق عيد الميلاد مع تزيين المنازل والكنائس والشوارع الرئيسية والساحات والأماكن العامة في المناطق التي تحتفل بالعيد، بزينة خاصة به. عادة يعد اللونين الأخضر والأحمر هما اللونان التقليديان للإشارة إلى عيد الميلاد، تطعم أيضاً بشيء من اللونين الذهبي أو الفضي؛ يرمز اللون الأخضر “للحياة الأبدية” خصوصاً مع استخدامه للأشجار دائمة الخضرة التي لا تفقد أوراقها، في حين يرمز الأحمر ليسوع نفسه. تاريخ نشوء زينة الميلاد طويل للغاية ويرقى للقرن الخامس عشر، حيث انتشرت عادة تزيين المنازل والكنائس بمختلف وسائل الزينة، تشمل زينة الميلاد شجرة العيد وهي رمز لقدوم يسوع إلى الأرض من ناحية، وهو حسب التقليد يجب أن تكون من نوع شجرة اللبلاب بحيث ترمز ثمارها الحمراء إلى دم يسوع وإبرها إلى تاج الشوك الذي ارتداه خلال محاكمته وصلبه وفق العهد الجديد.

إلى جانب الشجرة، فإنّ الأجراس والسلاسل الذهبية والكرات الحمراء وندف الثلج وأكاليل أغصان دائمة الخضرة، والشموع اللولبية والملائكة وحلوى القصب والجوارب الحمراء، والنجوم – رمزاً لنجم بيت لحم – تعتبر داخلة في إطار زينة الميلاد التقليدية، ذلك يشمل أيضاً وجوه لبابا نويل وغزلانه، حيث درجت التقاليد الشعبية على اعتباره قادماً على متن عربة يجرها الغزلان؛ أما الأكاليل الأغصان دائمة الخضرة فتوضع عادة على أبواب المنازل أو النوافذ لإظهار أن المسيحيين يؤمنون بأن يسوع هو نور العالم؛ سوى ذلك، فإن تزيين الشوارع بلافتات خاصة وسلاسل ضوئية على طول الشارع ووضع أشجار الميلاد في أماكن بارزة، تعتبر داخلة ضمن زينة الميلاد، فضلاً عن الساحات ومناطق التسوق. التي تنوعت أشكال وزخارف زينتها.

لا يوجد تاريخ محدد لوضع زينة الميلاد، غير أنه قد درجت العادة بدء التزيين مع 1 ديسمبر/ كانون الاول، أما وضع شجرة الميلاد يرتبط تقليدياً بليلة العيد أي عشية 24 الشهر ذاته، غير أن أعداداً أقل من المحتفلين لا تزال تلتزم به، وترفع زينة الميلاد في 5 يناير/كانون الثاني عشية عيد الغطاس.

هذه كانت نبذة تاريخية بحسب المصادر عن سبب اختيار هذا اليوم للاحتفال وجميع الطقوس التي يقوم بها المسيحيون في أيام العيد.

احتفالات أهالي شمال وشرق سوريا بعيد الميلاد:

وبالعودة إلى سوريا بشكل عام وروج آفا بشكل خاص، فقد احتفل المسيحيون “السريان، الأرمن، الأشوريون ..” بهذا العيد، واقاموا الطقوس الخاصة بهذا اليوم كما في السابق، ولم تقف الظروف الراهنة في طريق ممارسة عاداتهم وثقافتهم القديمة التي تعود لزمن بعيد، ففي روج آفا وبالرغم من هجمات دولة الاحتلال التركي والجماعات الإرهابية التابعة لها على مناطق شمال وشرق سوريا إلا إن المسيحيون عبروا عن عاداتهم وثقافتهم ووجهوا رسالة محبة وسلام من خلال تلك الطقوس إلى العالم أجمع.

ففي ناحية تل تمر اجتمع المسيحيون من أرمن وسريان وأشوريين في دير مريم العذراء، وذلك للاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح، وتضمنّت مراسم العيد “الدعاء، والتراتيل الدينية التي قدّمتها فرقة الكورال”.

هذا وزار أهالي ناحية تل تمر ومؤسسات الإدارة الذاتية، دير مريم العذراء، لتهنئة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، وتمنى المحتفلين أن يكون هذا العيد عيد سلام وأمان للشعب السوري ولكافة مكونات المنطقة من كرد، عرب، وسريان، كما تمنوا عودة المُهجّرون قسراً إلى ديارهم”.

كما احتفل المسيحيون في مقاطعتي الحسكة، وقامشلو بإقليم الجزيرة، بعيد ميلاد السيد المسيح، وبدورهم تمنّوا أن يعمّ السلام، والأمن في جميع أرجاء شمال وشرق سوريا, ويعود المُهجّرون إلى مدنهم.

حيث بدأ مسيحيو الحسكة طقوس عيد الميلاد المجيد، بالذهاب إلى الكنائس، وأداء الطقوس الدينية، بالإضافة الى التراتيل الدينية، ومن ثم أشعلوا النار التي تُعتبر أحد رموز العيد، وشارك في الطقوس كافة مكونات مدينة الحسكة من مسيحين, كرد وعرب.

وبعد أداء التراتيل والطقوس الدينية، وُزّعت الحلوى على الأطفال، وهنأ المشاركون في الطقوس بعضهم بعضاً، لتبدأ بعدها معايدة الأقارب.

كما هنأ مسيحيو قامشلو العالم بميلاد السيد المسيح، وتمنّوا أن يعمّ السلام على العالم وبشكل خاص على أبناء سوريا، وعودة جميع المُهجّرين إلى سوريان وتوجّه مسيحيو مدينة قامشلو منذ ساعات الصباح، وبعد قرع أجراس الكنائس إلى كنائس المدينة لأداء صلوات القداس الإلهي.

مراسم الاحتفال بدأت في كنيسة ماري يعقوب نصيبيني بإقامة صلوات القداس الإلهي، وحمل المصلون الشموع الدّالة على المحبة والسلام.

وكانت روج آفا تعم بالتفاؤل والابتهاج في هذا العيد، واحتفلت كافة المكونات مع بعضها البعض بعيداً عن الطائفية والعنصرية، فالإدارة الذاتية الديمقراطية ومنذ تأسيسها زرعت في نفوس الجميع مبادئ أخوة الشعوب والعيش المشترك، وعملت على ممارسة كل دين ومكون لعاداته وتقاليده وثقافته بكل حرية وديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى