مقالات

لوحة من الانتخابات البرلمانية العراقية

في خضم الصراع الدائر في الشرق الأوسط والحرب العالمية الثالثة والفوضى والأزمة التي خلطت الحابل بالنابل بين القوى المحلية والإقليمية والدولية, والاستمرار في تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في عموم المنطقة, فإن الانتخابات تعني مرحلة جديدة أو هي بمثابة اتفاق سياسي بين القوى المتصارعة إلى حدٍّ ما من أجل بداية مرحلة سياسية تفاوضية للبحث عن الحل والاستقرار ووقف الحرب وتقديم المشاريع والآراء وأساليب وطرق الحل التي من خلالها يتم إقناع الناخب والمواطن من أجل التصويت للحل والاستقرار وتحقيقاً للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة.

فبعد القضاء على داعش في العراق وبعد مرحلة الاستفتاء في إقليم كردستان العراق والهجوم العراقي الإقليمي والدولي عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً على الإقليم, ظهرت القوى الشيعية هي المنتصرة على السنة (داعش) وعلى الكرد (الدولة الكردية), ولكن لا أعتقد أن الشيعة انتصروا عملياً في ظل الانقسام والتشتت الذي تعيشه الشيعة في العراق, فظاهر العراق الحالي المنقسم ليس طائفياً أو قومياً فحسب؛ بل كل طائفة وقومية منقسمة فيما بينها ومرتبطة بالقوى الإقليمية والدولية كل حسب مصالحها ومنافعها لتصبح العراق ساحة للصراع الأمريكي الإيراني وحتى الدُوَلي،  تُحدِّد ملامح هذا الصراع الانتخابات البرلمانية التي يتنافس عليها حوالي 7000 مرشح و88 حزب وتحالف على 329 مقعدٍ مُقسَّمٍ على المحافظات العراقية كما تحظى المرأة بنصيب وافر ضمن القوائم الانتخابية المختلفة الشيعية والسنية والكردية والكردية الإيزيدية والتركمانية والسريانية والآشورية وغيرها.

مشاركة القوى السياسية والأحزاب الكردية في الانتخابات والتعويل على البرلمان العراقي بعد الاستفتاء الذي أجري في الإقليم بفترة قصيرة وبعد النتائج الكارثية لها؛ دليل على الفشل السياسي واعتراف بالفشل, وتظهر مشاركة القوى والأحزاب الكردية في إقليم كردستان في الانتخابات العراقية بعدة قوائم وكتل؛ مدى التشتت والاختلاف بينها؛ وهذا الاختلاف والتباين هو على السلطة والمناصب وليس على الأفكار والمشاريع والمناهج، حيث الدعاية الانتخابية تقتصر على تأمين الرواتب بالدرجة الأولى والقضاء على الفساد, لأن الغالبية من المجتمع في باشور كردستان يعتمد على الرواتب في معيشته (الرواتب التي تدفعها حكومة المركز) وهذا يأتي نتيجة السياسة المُتَّبعة من قبل السلطات في الفترات السابقة وعدم قدرة حكومة الإقليم على تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي رغم وجود الموارد والإمكانات والأرضية المناسبة لتحقيق هذا الاكتفاء وبذلك ابتعد الشعب عن الاعتماد على الذات والقيام بالأعمال الأخرى من الزراعة والصناعة والتجارة التي أصبحت مقتصرة على فئة صغيرة واعتمد المواطن على الراتب فقط.

الوضع السياسي والاقتصادي الجيد للإقليم قبل الاستفتاء وقبل داعش وتدهوره؛ دفع بكافة الأحزاب والقوى السياسية في الإقليم إلى زيارة بغداد كل لوحده وتقديم فروض الطاعة والخضوع للسلطات المركزية, وبهذا الشكل ستكون المشاركة في الانتخابات العراقية والصراع على مقاعد البرلمان وادعاء أن الشرعية والدستور والمعركة السياسية هناك في بغداد وعلى الكرد خوضها, ولكن الذي وجه الكرد إلى بغداد هم الأتراك أنفسهم وكان ذلك واضحاً في خطابات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الدكتاتور أردوغان بعد عدائه لعملية الاستفتاء في الإقليم, ولم يتوقف الخضوع والاتفاق مع بغداد فحسب بل شمل الاتفاق الأكبر إيران أيضاً وعليه زيارة وزير التجارة الإيراني الرهيبة إلى هولير وعقد كونفرانس اقتصادي وعزف النشيد الوطني الإيراني أولاً ثم العراقي وأخيراً الكردي, وكذلك استقبال العبادي بتمديد السجاد الأحمر له في هولير, وتحركات القنصل التركي في زاخو ودهوك وهولير وكأنه والي عليها وزيارة المسؤولين الكرد لأنقرة وعقد الاتفاقات الاقتصادية من قبل الأحزاب السياسية وليست الحكومات أو القوى المنتخبة, كلها دلائل دامغة على انتهاء السياسات القديمة والآمال المعلقة على الاستفتاء وغيرها.

من جهة أخرى التحالف بين حركة حرية المجتمع الكردستاني والجبهة الديمقراطية الشعبية والجيل الجديد (شاسوار عبد الواحد) طَرَحَ العديد من التساؤلات، لأن تفكري آزادي (حركة حرية المجتمع الكردستاني) تمثل فلسفة الأمة الديمقراطية، ولكن بموازاة ذلك العديد من القياديين في الاتحاد الوطني يفتخرون بمواجهتم لتركيا وحفاظهم على الخط الوطني الكردستاني في ظل طرد ممثلهم في أنقرة ومقاطعة الطائرات التركية لمطار السليمانية وخاصة التصريحات التركية بتواجد الحركة في السليمانية، كذلك حركة كوران تحاول الاستفادة من علاقتها مع الحركة في حملتها الانتخابية وكذلك استخدام الرموز كصور القائد وأعلام ي ب ك من أجل كسب الأصوات وعاطفة الشعب (علما أن تفكري آزادي طلب التحالف مع العديد من الأطراف السياسية ولكنها لم تقبل ورفضت الاتفاق، في النهاية بطلب من الجيل الجديد أي شاسوار عبد الواحد تم الاتفاق على قائمة واحدة والتحالف في الانتخابات بقائمة (الجيل الجديد), ولكن المستنتج من ذلك أن القوى والأحزاب السياسية في باشور لا تقبل الخط السياسي لحركة الحرية (الأمة الديمقراطية) بالعمل والنضال في باشور تخوفاً منه كما تريد الاستفادة من العلاقة بينهما في الأجزاء الأخرى أي في روج آفا أو باكور وكذلك فإن الاتحاد الوطني وحركة التغيير يصرحون بحسن العلاقات والدعم لروج آفا والعداء لتركيا, ولكن الاتفاق مع تفكري آزادي غير مقبول ومرفوض بالنسبة لهم, لذلك القرار الذي اتخذه تفكري آزادي صائب ويعمل على الانخراط في مجتمع باشور وخلق الشخصية والذهنية الأبوجية فيها, وهو الهدف الذي لابد منه وعدم ترك الساحة فقط للقوى الأخرى, من جانب آخر بعض القوى والتحالفات الكردية ما زالت على موقفها الصامت حيال مقاومة عفرين وروج آفا والاحتلال التركي ومستمرة في رغبتها بعدم إزعاج الجار التركي والإيراني الأكثر أهمية بالنسبة لهم من البعد الكردستاني وروج آفا بشكل خاص.

الحملات الانتخابية للقوى السياسية والإبراز الفاقع لصور الأشخاص المرشحين وأعلام ورموز الأحزاب والشخصيات وصرف المبالغ الطائلة, والخطاب السياسي في الوعود المادية وصرف الرواتب ورفع سقفها علماً أن الوعود المادية لن تستطيع معالجة المشاكل السياسية والاجتماعية وحالة الفساد وسيطرة سلطة العائلة والحزب والأشخاص، وكذلك مهاجمة القوى والقوائم الأخرى في سبيل إظهار نفسه الأفضل واستخدام العنف ضد المرشحين في القوائم المنافسة من قبل بعض القوى الأمنية وعصاباتها, هذا هو الواضح أكثر في لوحة الدعاية الانتخابية وسط غياب طرح القضايا المصيرية والبرامج الانتخابية وخطط العمل لحل المشاكل من أجل تحقيق التغيير والإصلاح والديمقراطية.

حالة عدم الثقة والفجوة بين الأحزاب والسلطات من جهة والشعب والمجتمع من جهة اخرى, كذلك ملل الجماهير من الوعود في التغيير وتحسين الأوضاع, بالعودة لتاريخ الإقليم عند انقسام الاتحاد الوطني عن البارتي وعد وقتها بإحداث التغيرات, لكنه لم يحقق المطلوب وبعدها حركة التغيير (كوران) أيضاً بالرغم من التصويت وقتها لصالحهم من قبل الغالبية, لكنهم أصبحوا شركاء في السلطة ودخلوا في فخ الاشتراك بالحكومة ليصبحوا شركاء في الخطأ وجزء من المشكلة نفسها, والآن يأتي غيرهم ليلعب الدور نفسه بعد أن كانوا رؤساء للحكومات السابقة وغيرها ليقدموا الوعود بالتغيير ولكن الشعب لن يقع في نفس الخطأ السابق, لأن الشعب يبحث عن المشروع الحقيقي والسياسة الديمقراطية والإدارة الديمقراطية من أجل حل مشاكله وهو بحاجة إلى مشروع متكامل وبرنامج يعالج كافة مشاكله.

الانتخابات العراقية مهمة جداً في هذه المرحلة فالعراق الجار الوحيد لروج آفا في المنطقة في ظل العِدَاء والخِصام مع المحتل التركي وبنفس الوقت خضوع سلطة البارتي لسياسات تركيا, لذلك البرلمان العراقي الجديد سيكون له تأثير على العلاقات مع روج آفا وسوريا أيضاَ, من ناحية أخرى هذه الانتخابات جزء من الصراع الأمريكي الإيراني على النفوذ في الشرق الأوسط وسيكون لها تأثير كبير على عموم العراق والمنطقة ودرجة الحاكمية وتوزيع المصالح من خلال الجهات والقوى المدعومة من قبلها كونها جبهة مواجهة وحدودية ضد إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى