مقالات

لماذا يعتبر الكورد الطرف الأقوى في المعادلات؟

مقدمة لا بد منها

ليس للكردي إلّا الريح. لا أصدقاء للكرد سوى الجبال. يتامى المسلمين. أبناء الجن. تُحَلُّ القضية الكردية على أساس التفاهمات الدولية فقط. هل أنت كردي أم مسلم؟. سنقضي على (الملاحدة) الكورد. سنلقن كورد سوريا (الدرس) وندفنهم أحياء في خنادقهم. استخدام مصطلح الأكراد بدلاً من التوسيم الحقيقي لهم في أنهم الكُرد أو الكورد. علماً بأن التعنت في استخدام المصطلح الخاطئ ليس إلا محاولة بطح مصطلح الحل أرضاً. وبالتالي دوام الأزمة بما لها من استطالات ومرئيّات. الأكراد: الجمع الذي يدل على القلِّة كما يُسْتَدَل على التشكيك بالأصل التاريخي لهم. ويُراد به في مواضِع معينة على التقليل من المكانة. وما المتفق من الشارحين للقرآن الكريم يؤكد ذلك أيضاً بمثال مختلف. بما جاء عمّا في سورة التوبة: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا….) والفرق واضح ما بين العرب والأعراب أو الأعاريب كما أكد ذلك القرطبي أيضاً. مع العلم بأنه يمكن القول بأكراد لبنان والأردن وأكراد أوربا… كِقلِّة أو أقليّة عددية. لكنْ من الخطأ المتَقَصِّدِ القول عن أكرادٍ في سوريا وأكراد العراق ومثلهما أكراد تركيا وأكراد إيران. المصالحة تبدأ مصطلحاً. والحل الأفضل حينما يختار شعب ما- كما الكرد- ما يناسبه من المصطلحات التي تتوافق وحقه في المعادلة الأكثر صعوبة وهي الأكثر بلسماً للأزمات التي تهدد الشرق الأوسط برمته على مدى قرن كامل من المطارق والمهدّات الممهَدة نحو التفتيت. إنهم الكرد في سوريا وفي العراق وفي تركيا وفي إيران. وبهذا يمكن الاعتبار بأن مدخلاً معرفياً للحل يبدأ بالخَلْقِ؛ بخاصة حينما ندرك بأن أزمتنا كشرق أوسطيين هي معرفية وسوسيوثقافية أي بنيوية بالدرجات الأولى القصيّة. كما أن الجُمَلَ الأولى لا يمكن أن تكون مجرد جُمَلٍ؛ هي صناعة معمول عليها بإتقان، وحرصت عليها عقول سوداء وعيون حمراء أن تكون؛ حتى تكون جزءً من الذاكرة المُسْتَجمعَة وليست الجمعية؛ وترتقي أن تكون أدبياتٍ تتأبطها شخوص وتكتلات الثورة المضادة التي تحرص قوى الأنظمة الاستبدادية أن تكون دائماً لِتزجها في وجهةِ قوى وفلسفة الثورة الديمقراطية؛ كما الحال وأحد الأحزاب الكردية الذي يدعو اليوم إلى تشكيل (منصة كردية مستقلة للتمثيل الكردي في الاجتماعات المتعلقة بالأزمة السورية) وهذا الحزب نفسه من كان يذكر في أدبياته الحزبية بأن الكرد هم أقليّة في سوريا وليسو بالشعب؛ بدليل أنهم الأقل عدداً! أما قوى الثورة الديمقراطية فتدرك تماماً بأن أمامها خياران يتماشيان سويّة؛ الواحد إلى جانب الثاني: إما الحرب الديمقراطية الشاملة أو السلم الديمقراطي الشامل. أحدهما يؤدي إلى الآخر وفي الوقت نفسه البديل للآخر؛ على طول خط الثورة الديمقراطية. في ثورة روج آفا قالت –المكتسبات المتحققة حتى اليوم- ذلك مراراً وتكراراً.

مسألة الحرية تكمن في مسألة التكامل ما بين الذات والموضوع وليست لها بعلاقة حاسمة والخذلان/ خيانة الغير للكورد

فمسألة الحرية حتى تكون وحتى تتحقق لا بد من عدم الارتهان والاعتماد والتذاكي على الخارج فقط، لأن مسألة الحرية متعلقة بالكوانتوم المجتمعي الذاتي/ الداخلي، بِكُلِّ الأفراد في أي مجتمع معني بالتغيير، بِكُلِّ المؤسسات في أي مجتمع ينحو إلى التحول؛ بِكُلِّ العلاقات الناتجة بين الأفراد النديين وليسوا التابعين والمُسيّرين والمُدارين وفق الذكاء التحليلي الناظر إليهم أنهم مجرد أفواه لا عقول. يمكن عبرها وعبر عناصرها (الأفراد) وعبر تفاعلاتها؛ من حيث أنه (كلها) يؤدي بشكل منفرد أو مجتمِع إلى مسائل الطاقة المجتمعية التغييرية؛ وهذا ما يمكن تسميته بقوة الكوانتوم التحولية. وأن هذه القوة تكمن بشكل متمايز في الكومون (الكومين)، وهذا هو السبب الأبرز في تنظيم مجتمع شمال سوريا وروج آفا ومأسستها وتحويلها إلى مجموعات هائلة من الكومونات بهدف تدفق نوعي لكافة أشكال الطاقة المجتمعية، ومنعها من الضياع  والتشتت أو الظهور في أماكن لا تخدم بل تهدم. وإذا كان الكومين أبرز القُسيمات في المجتمعات، فلأنها أصغر الخلايا النوعية التي تجتمع بأدرية وبمعرفة من خلال ذهنية ثورية وليس بجمعها واحتشادها، وإذا كان الكومين مصدر الطاقة نحو الحرية فلأنها تضمن تنظيم المجتمع وتمنع في الوقت نفسه دخول ثقافات غريبة إلى المجتمع بعد فشلها إيجاد حاضنة لها. أن كلَّ شيء في المجتمع الديمقراطي يتم وكأن القُسَيْمات (الكومونات) على اتصال آنيٍّ ودائم بعضها مع بعض. وهذا المدخل الأساس لفهم ماهية الكوانتوم المجتمعي، بل يجب خلق كومينات نوعية ومنتشرة، تتحرك بمسؤولية في الفراغ الحاصل في المجتمع والذي أحدثته السلطوية والاستبداد (الخارجي والداخلي) في الكلِّ الذي لا يتجزأ، وإنْ كان منفصلاً في المجتمع، فإنه في الواقع على اتصال أو (اتحاد) مع كلِّ العناصر المجتمعية الأخرى. ويتبدى رؤية الطاقة المتولدة عن الكوانتوم المجتمعي من خلال مسألة التفاعل والارتباط بين القُسَيْمات (الكومينات) في البحث عن مسألة الحرية بل من أجل تحقيقها. وبأن المسألة في رؤية الكوانتوم حين تناول مسألتي الناظر والمنظور من جهة والنسبية المُحكمة بينهما من جهة أخرى، وأن الذات والموضوع بإمكانهما الوجود سوية بشكل تبادلي؛ أي؛ أن يقوم كل منهما بدور الآخر دون حدوث خلل في النتيجة ويغدو الفصل بينهما في حكم الملغى.

وفَهْمِ الكوانتوم المجتمعي يمكن تعميمه في الأزمة السورية التي نعيشها أيضا، فإصرار بعض الرؤى غير الملبية بل المعترضة في طريق التغيير؛ على اقصاء مكونات المجتمع السوري (القسيمات) (الأجزاء) هي بمثابة احتجاز تلك الطاقات في كلياتية المجتمع السوري، وأما الاكتفاء – بالنسبة للكُرد في سوريا- على حق المواطنة والحق الثقافي وحده؛ فهذا بمثابة احتجاز وتغييب لقوة الكوانتوم المجتمعي للكرد كجزء من الكل السوري والكل الكردستاني في الوقت نفسه، وهذا بالضرورة يؤدي إلى المزيد من التحاجز، بل ومن المؤكد أن الاصرار على النظر إلى القضية الكردية في سوريا بمطلبي المواطنة والحق الثقافي هي بمثابة الاصرار على حصارها؛ ومثل هذا الحصار ومثل ما شابهه من ممارسات استبدادية بحق عموم شعب سوريا؛ كان السبب في الحراك الثوري السوري، وما يزال هو السبب في الاصرار الذي يقابله على التغيير الذي نحتاجه، والتحول الذي ننشده وعلى أساس التأكيد على الجزء كمقدمة للتأكيد على الكل؛ غير ذلك؛ انتاج جديد للسلطوية والاستبداد وحينها بانتظار انفجار جديد في الكوانتوم المجتمعي السوري وبشكل كليّ.

(مثالاً) هل كانت جمهورية مهاباد مكتَسبٌ كردي محض؟

لا يمكن للحظة التشكيك أو حتى مجرد التفكير السلبي بوطنية أو بالمستوى العالي من النضال في تحقيق حرية الشعب الكردستاني الذي كان يسكن الراحل الشهيد قاضي محمد والذي أعلن عن جمهورية مهاباد في 22 كانون الثاني 1946؛ الجمهورية التي لم تدم سوى أحدى عشر شهراً. ولكن وفي الوقت نفسه من الاستحالة أو من الصعوبة بمكان ما أن نقول بأن جمهورية مهاباد مكتسب كردي محض؛ نتج بجهد كردي صرف، وتأسس وفق ثورة كردية تملك بالأساس مقومات الثورة. بل يمكن فهم هذه (الجمهورية) ضمن السياق الذي وجدت فيه، ومضامين القوى المهيمنة في ذلك الوقت. سياق الحرب العالمية الثانية التي أدت في جزئها الإيراني إلى نشوب الأزمة الإيرانية ما بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية. وترجع إلى ستالين بداية الخيط ونهايته في إنهاء جمهوريتين للكرد في النصف الأول من القرن العشرين؛ إَضافة إلى جمهورية مهاباد؛ أيضاً جمهورية كردستان الحمراء 1922- 1929/ قسم من أذربيجان الحالية. وعلى قسم منها كانت جمهورية لاجين الكردية في 20 مايو أيار 1992. مع العلم بأن انهاء كردستان الحمراء يعتبر نتيجة منطقية لاتفاقية لوزان غير المنطقية 1923 فالمعادي للحكمة التاريخية.  يبقى بيت القصيد بالنسبة لفوبيا الخذلان التاريخي للكرد، ويبقى التفسير الأكثر واقعية في ذلك ولكل هزائم الكرد من خلال انتفاضاتهم أو ثوراتهم أو ممالكهم أو اماراتهم التاريخية والحديثة إلى شُحِّ العامل الذاتي؛ وبروز الذات المنفعلة أو الذات الكردية التي تقحم بشكل ارتجالي في الموضوعات الإقليمية والعالمية. كما له التفسير المتدلي لأكثر من ألف عام.

التاريخ في الشرق الأوسط بمساهمة كوردية فاعلة

معركة ملاذ كرد عام 1071 بقيادة ألب أرسلان ضد استبداد بيزنطة. وأيضاً الدور الكردي الحاسم في معركتَي عام 1514 تجاه الصفويين، وعام 1516 و1517 تجاه المماليك، واللتين قادهما ياووز سليم. ولا ننسى دور صلاح الأيوبي إذْ تبرز أهمية قيادة صلاح الدين في تحرير القدس وأهمية شخصيته القيادية التي امتلكت روح الإسلام.. فلولا الدور الإيجابي للكرد في هذه الانتصارات لما حدثت هذه الانعطافات التاريخية وصولاً إلى اليوم. لكن يذكر التاريخ أيضاً بأن كبير قادة ديوان السلطان العثماني ياووز سليم إلى رؤساء 28 عشيرة كردية ذات الشأن والمساهمة في النصر؛ كان قد حمل لهم ورقة بيضاء موقعة/ ممهورة من السلطان أن يحددوا أقصى المطالب/ كردستان ويختاروا من بينهم رئيساً؛ لكنهم لم يتفقوا فيما بينهم أو اتفقوا على أن يتم التعيين من (السلطان)! مثال لا يضاهيه ألماً سوى خيانة هورباك لعمه الامبراطور الميدي حوالي 550 ق م، ويضاهيهما كلّ من حضر من (الأكراد) في لوزان 1923. وعن هذا يقول أوجلان: (إن زمرة الإدارة التركية والعربية، بل والفارسية أيضاً، تخدع ذاتها، عندما تنظر إلى الكردي الأبكم والبائس والفاني المنهار بأنه يشكل حالة ملائمة لها. وإذا كان ثمة مشاركة ساهم فيها الكرد في أحرج أوقات تاريخ تركيا، فإن ذلك ينبع – فقط وفقط – من تحَلّيهم بقيمة ما في تلك الأثناء. هل كان بمقدور الكرد الانخراط في حرب التحرير، لو لم تكن قيمهم تلك؟ لم تكن ثمة هوّة شاسعة آنذاك بين الكرد والترك. بل كانوا يتشاطرون المستقبل بآمال مشتركة معقودة على إحراز التطور). والشيء ذاته ينطبق على الدور الكردي في مأسسة سوريا الحديثة بجغرافيتها الحالية إنْ كان في رفض الانتداب أو في الاستقلال وما بعد الاستقلال في فترة بروز أول ظهور متواضع للحياة السياسية في سوريا، وبدور كبير في الحراك الثوري السوري وتقديم نموذج التغيير الديمقراطي الأمثل في سوريا اللامركزية وبدور ملفت في محاربة الإرهاب حتى اللحظة. يبدو الأمر بالمتطابق في كل من إيران والعراق.

بمزيد من الإسقاط على التاريخ المعاصر؛ نجد بأن أكبر الجهات التي حاولت التشويش على فحوى ثورة روج آفا 2012 هي الذات والموضوع الكلاسيكيّان ذو الصلة مع أنظمة الاستبداد؛ الخائفة من الذات والموضوع المتكاملين بشكل ديمقراطي والظاهرتين كحالة ثورية بديلة لها بشكل يسير؛ علماً بأن المشوشون هم حطب الثورة المضادة؛ في أحسن وصف لهم.

حان الوقت لحل القضية الكردية

لن نخطئ حين القول: هذه القضية يجب أن تُحَلْ. وسيكون عين الصواب لو ركزنا على أن يكون الحل ضمن مساره الديمقراطي، أمّا النتيجة التي تؤكد بأن مفتاح دمقرطة الشرق الأوسط وظهوره في نتيجة الآمن والمستقر يمّر عبر بوابة إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية؛ فإنه يضاهي كي يكون بمثابة مصالحة تاريخية مع الذات الشرقية ويضاهي أن يكون بمثابة عقد صلح مجتمعي بين شعوب الشرق الأوسط الكرد والعرب والفرس والأتراك والسريان الآشوريين والتركمان والأرمن والشعوب اليهودية وغيرهم من المكونات. إنما يتعداها ليصل إلى مستوى إعادة الدور الذي يليق بالشرق الأوسط والأدوار التاريخية التي قام بها في معرض عشرة أحقاب ماضية، وأن يظهر كي يقوم بدوره التكاملي مع بقية شعوب المعمورة. إنها مقياس الأسرة العالمية الواحدة، ومقياس توزيع الأدوار فيما بينها؛ بخاصة إذا كانت أهدافنا تتقاسم القيم الديمقراطية نفسها.

لكن؛ حينما تُجبَر الدول المتناقضة والمتصارعة في تاريخها ومعاصرها وفي الحاضر القريب والآن؛ ومن المؤكد بأن صراعهم المستمر؛ أن تنتقل أو تغيّر وجهتها من دروب الشقاق إلى طريق التوافق الذي أحد أكبر تجليّاته الاستمرار في منع إيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في سوريا على اعتبارها القضية الوطنية واعتبار حلّها مفتاح دمقرطة سوريا والمنطقة؛ فنعلم حينها؛ والمتناقضون أيضاً يعلمون؛ بأن كورد الإدارة الذاتية وعربها وسريانها وبكل تكويناتها: هم الطرف الأقوى.

تتثبت هذه القناعة أيضاً فيما يحدث هذه اللحظات على تخوم منبج التي تفشِّل نوايا سوداء لأكبر تحشيد يتحضّر بغية إفشال مستقبل تاريخنا من خلال اجتياح الجراد بقيادة سلطان يخشى أو يحرص ألّا يقف وحيداً -وجهاً لوجه- ومشاكله أو أزماته الداخلية المستعصية على الحل.

إنها قوة الحل في مواجهة أسباب الأزمات والدمار والانسداد في عموم منطقة الشرق الأوسط: قوة الأمة الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى