مقالات

لا مستقبل لسوريا بدون الكرد

دوست ميرخان

 يُعَدُّ الشعب الكردي من مؤسسي الوطن السوري والدولة السورية وهي حقيقة لا يمكن انكارها، ونضالهم في سبيل الحفاظ على  التراب السوري والوحدة الوطنية السورية في اصعب مراحلها بارز لا غبار عليه.

من هذا المنطلق لا يمكن فصل الشعب الكردي عن سوريا كما لا يمكن فصلهم عن كرديتهم فالشعب الكردي في سوريا جزءٌ من تاريخ وحضارة هذه الأرض.

تعايش المكونات السورية إلى جانب الكرد منذ آلاف السنين وساهموا معاً في بناء الوطن السوري جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، وللشعب الكردي تأثير على كل مفاصل الحياة في سوريا من ديريك في أقصى الشمال الشرقي إلى درعا والجولان في أقصى الجنوب ومن الجزيرة إلى الساحل وله سجلٌ حافل بالنضال والمقاومة والبطولة يشهد له القاصي والداني.

لكن وكما بقية الأجزاء التي يقطنها الكرد فهم لم يسلموا من جور الأنظمة التي سلطت على المنطقة عموماً.

 واليوم هناك بعض الأطراف التي لا تنتمي إلى سوريا أصلاً تُنكر على الكرد كرديتهم وسوريتهم أيضاً، هذه الأطراف لم يكونوا سوريون يوماً لا في ثقافتهم ولا في سياستهم ولا حتى في انتمائهم بكل أشكال الانتماء، لهم منهجهم التكفيري الخاص بهم، وثقافتهم قائمة على أساس نفيّ وإنكار هويَّة الآخر، وتاريخ المنطقة عموماً حافل بأمثالهم سواء أكانوا أفراداً أو تياراتٍ سياسية وأنظمة شوفينية.

مع بدء الأزمة في سوريا بدت هذه التيارات أكثر دوغمائية وشوفينية تقبل الخنوع والخضوع والذل لقوى الشر والهيمنة في سبيل ألّا يكون للكُرد وجودٌ أو دورٌ في سوريا وفي المنطقة عموماً، ونحن نعلم وكل السوريون يعلمون تماماً الدور المنوط بهؤلاء، وكيف أنهم تاجروا بدماء الشعب السوري وبقضيته العادلة في المحافل الدولية، بالطبع هؤلاء التجار المرتزقة ليس لهم أي انتماء وطني أمثالهم يتاجرون بقضية الشعب الكردي أيضاً.

 لا شك بأن الأزمة السورية قد جذبت قوى دولية وإقليمية لها مصالحها ومشاريعها الخاصة في المنطقة عموماً وخصوصاً في سوريا التي تُعتبر مركزاً استراتيجيا لكل القوى المتصارعة؛ فالتغيير في سوريا يعني حتماً التغيير والتحول في الشرق الأوسط عموماً، ومن هنا فأن روسيا كقوة وقطب عالمي انتهزت هذه الفرصة (الأزمة السورية) لتعود من جديد وعبر سوريا إلى الساحة الدولية والاقليمية لذا فالسياسة الروسية تجاه سوريا وكدولة مؤثرة وأساسية داخلة في الأزمة السورية بكل قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية وتتقرب من السوريين وفق مصالحها ووفق ما يتناسب مع استراتيجيتها الجديدة في المنطقة والعالم عموماً، الأمر كذلك بالنسبة لسياستها وعلاقاتها مع الشعب الكردي والقضية الكردية في سوريا كلنا نعلم بأن اللقاءات بين الروس والكرد لم تنقطع منذ بدء الأزمة وحتى قبلها، لكن هذه العلاقة شهدت نوع من الفتور والتنديد من قبل الكرد والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال سوريا، فالعلاقة بين الروس وتركيا من طرف قد أثرت على العلاقة بين الروس والكرد خاصة عندما غلب النظام  الروسي مصالحه السياسية والاقتصادية على مصلحة الشعب الكردي و تراجعت عن مواقفها ووعودها تجاه الكرد في عفرين وفي المناطق الأخرى في غرب الفرات، نحن نعلم لولا الضوء الأخضر من روسيا لما تجرأت الدولة التركية وأقدمت على احتلال عفرين، ولولا التوافقات الدولية عموماً لما تجرأت تركيا على احتلال شبرٍ من الأراضي السورية، السياسة الروسية بشكلٍ عام تجاه سوريا لم تكن تصب في مصلحة الشعب السوري.

كما نعلم إن سياسة روسيا في المنطقة تقع في إطار المواجه غير المباشرة مع السياسة الأمريكية والوجود الأمريكي في المنطقة والعالم، لذا لا يمكن التعويل على الدور الروسي كثيراً في مجمل القضايا المتعلقة بحل الأزمة السورية ومن ضمنها حل القضية الكردية في سوريا على أساس العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والأمم.

إن المعايير الأخلاقية المنبثقة من الروح الوطنية والتي يتبناها الإدارة الذاتية الديمقراطية وكما يتعامل وفقها تثبت الهوية السياسية السورية التي لا تخضع للسياسات أو الولاءات الخارجية ولا تتعامل وفق الإملاءات التركية أو الروسية أو أية قوى أخرى، فمنذ أن نشأت الإدارة الذاتية الديمقراطية تبنت سياسة واضحة تجاه الأزمة السورية وتجاه الصراع الدولي والاقليمي القائم على الأرض السورية وفي المنطقة عموماً، ولم تكن أداة بيد الآخرين، الإدارة الذاتية الديمقراطية وكل مكوناتها السياسية والمجتمعية وفي مقدمتهم الكرد يؤمنون بأنها إدارة فريدة من نوعها في سوريا إذ تمثل كل الأطياف السورية في شمال سوريا على الأقل، وليست هناك مقارنة إن اتخذنا المقارنة كمقياس بينها وبين القوى التي أدعت أنها تمثل الشعب السوري والثورة السورية يوماً ما، هنا نسأل أين هؤلاء اليوم بعد ثمان سنوات من الحرب والصراع، وماذا قدموا لسوريا وللشعب السوري..؟ ألم تساهم تلك القوى التي تعددت تسمياتها وتوجهاتها وكانت سبباً في تدمير سوريا وتشريد ما يقارب خمسة ملايين سوري؟؟ ألم يكونوا أبواقاً لنظام أردوغان الفاشي؟؟ ألم يكونوا على ظَهرِ المدرعات والدبابات التركية  في جرابلس وعفرين والباب واعزاز، حقيقة لا أحد  يستطيع إنكار أن الائتلاف هو الوجه المتمدن السياسي للمجموعات الارهابية كداعش والنصرة وأخواتها من الجماعات الإرهابية التي عملت على أسلمة الثورة السورية ومن ثم أخونتها وتدعيشها فيما بعد، ألم يكن مشروع البغدادي هو نفسه مشروع الائتلاف ومشروع النظام التركي، ولو كان الاختلاف بالمسميات والشكليات.

اليوم نرى هؤلاء وبعد أن خسروا معظم أوراقهم يحاولون نقل بقايا إرهابهم وتصدير فشلهم إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والقول بأنهم نجحوا بذلك في عفرين باحتلالها ونهبها وتهجير سكانها حقيقة تكشف مدى الضعف والرِّجس الذي وصل إليه هؤلاء المرتزقة بشقيه العسكري والسياسي، حقيقة إن محاولات النظام التركي وروسيا وأطراف أخرى لتغطية فشل سياساتهم في سوريا  قائمة على أساس زعزعة الاستقرار في شمال وشرق سوريا، وضرب المشروع الديمقراطي الوطني السوري الوحيد الذي يشكل  الكرد فيه النواة إلى جانب بقية المكونات التي لم تتخلَّ عن هويتهم وثقافتهم الأصيلة في سوريا.

من هنا وبعد فشل كل السياسات والمحاولات في أبعاد الكرد عن سوريا وفصلهم عنها تبين بأن لا مستقبل لسوريا ديمقراطية موحدة بدون الكرد، وبأن المشروع الديمقراطي الذي تبناه الكرد قبل الأزمة وحتى وقتنا الراهن هو الضامن الحقيقي لمستقبل سوريا عموماً.

زر الذهاب إلى الأعلى