مقالات

لا تضعوا الملح على الجرح

يقول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الشهير <سيكولوجيا الجماهير> “الجماهير تحركها العاطفة ولا تؤمن بالمنطق” وبالمقارنة مع الأزمة السورية نستخلص إن ردة الفعل الملاحظة لدى الكثيرين سواء من الجماهير أو من المتابعين والسياسيين في سوريا تؤكد ما ذهب إليه لوبون، فالجموع وهي تتابع الأحداث المتكررة لا تتابع غالباً حيثيات ما جرى من الناحية المنطقية وإنما تكتفي بنتائج هذه الأحداث التي تُعرض في سياق نشرات الأخبار أو على شبكات التواصل الاجتماعي.

خلال الثورات عادة ما ينطلق جيل جديد من جميع المكونات والأطراف السياسية يقبل بالشراكة ويرفض الاستبداد السياسي داخل الأنظمة والأحزاب، ويرفض أن يكون مجرد وقود في صراع إيديولوجي وثاراته السياسية التي تقيد العمل السياسي.

وبالنسبة للوضع السوري وخلال الأزمة المديدة، أظن أن السوريين قد انتبهوا لذلك ورفضوه ــ وإن ظل البعض بوعي لا سياسي ولا وطني ــ يروِّجون للطائفية السياسية بشكل أو بآخر. مصرِّين على خلق صراع مذهبي لمصالح سياسية أو لإرضاء أطراف خارجية لا تؤمن ولا ترغب بالاستقرار داخل المجتمع السوري.

اليوم الحاضن الجماهيري المؤمن بالمجتمع الديمقراطي والحياة المشتركة أصبح كبيراً والنخب التي تسعى إلى التغيير بدأت بالانتشار وأصبح صوتها هو الأعلى، واجتمعت كلمة السوريين على محاربة الإرهاب بكل أشكاله.

فأصبح من الصعب اليوم وبعد أن دخلت الأزمة السورية مرحلة الجدية في الحل، أن ينقلب أي طرف على رغبة الشعوب السورية بالتغيير والتحول لأن المجتمع السوري اليوم أصبح غنياً بالنخب السياسية الراغبة بالتحول والرافضة لكل القيود والسيطرة الإيديولوجية أو حتى المناطقية.

حقيقة القول، أنا نفسي ربما تأثرت نوعاً ما بالوسائل التي تجعل الفرد يشك حتى بنفسه أحياناً ..لكن حينما راجعت نفسي بابتعادي عن الأجواء المشحونة سلباً وتجنبت وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام لفترة محدودة، أيقنت أننا كسوريين قد حققنا المستحيل ونحن في الطريق لإكمال بقية أهدافنا بعد أن صارت أسهل وأكثر قابلية للتحقيق، ووجدت أن سوريا بفضل شبابها الموجود في الساحات لا الموجود في وسائل التواصل الاجتماعي، قد حققت الكثير انطلاقاً من الإيمان بالتنوع وصولاً إلى تقبل الآخر والدعوة إلى حياة مشتركة، وهذا ما  قد يشكل عنصر قابل للدعم والتأييد من قبل كل المكونات الساعية إلى الديمقراطية والسلام. لكن تبقى الأخطار على الثورة موجودة والمتربصون منتظرون عبر عدة وسائل ويجب العمل بكل جهد على إنهائها، وأن تتكاتف كل القوى لوصول بالمجتمع إلى بر الأمان بأقل الخسائر. وأقول للجميع لن يستطيع أحد القضاء على أي طرف موجود أو إلغائه أو تقليل جمهوره بطريقة التركيز على أخطائه. لكن يمكن تحويل هذا الطرف أو ذاك إلى شركاء في مجتمع تعددي وديمقراطي. ولنتوقف قليلاً عن وضع الملح على الجراحات الصغيرة التي رافقت الأزمة الجمعية ولنتجه نحو الحلول والمنطق.

أتمنى أن ينال موضوعي هذا نصيب من القراءة والتمعن.

زر الذهاب إلى الأعلى