مقالات

بين التخبط السياسي و المأزق الاقتصادي : أردوغان في الطريق الى الهاوية !

باقر الكردو

 تواصل الليرة التركية  تراجعها لتبلغ مستويات قياسية مقارنة مع الدولار، وذلك في أعقاب الأزمة الدبلوماسية بين أمريكا وتركيا في ظل تشبث الحكومة التركية بإيقاف القش الامريكي.ورغم زيارة الوفد التركي  مؤخرا إلى واشنطن  بغية تهدئة الأمور لكنها رجعت بخفي حنين ولم يتم الافراج على أي من الملفات العالقة بين الطرفين الشئ الذي أدى لتدهور الليرة التركية لتفقد 70% من قيمتها منذ بداية العام.  

فما هي محددات سعر الصرف ؟

يمثل سعر الصرف قيمة عملة وطنية  ما في سوق الصرف العالمي. إذ، يتم تحديد سعر صرف العملات حسب قانون العرض والطلب على العملة. نظريا، هناك عدة عوامل تحدد سعر الصرف للعملة.

الميزان التجاري : 

يلعب الميزان التجاري لبلد ما دورا محوريا  في تحديد قيمة العملة.  فإن كان  الميزان التجاري لبلد ما في حالة عجز فذلك يعني أن اقتصاد هذا البلد يستورد أكثر مما يصدر، وبالتالي ينخفض سعر العملة  تدريجياً. حسب النظرية الاقتصادية الكينزية، إذا كان لبلد ما  فائض في الميزان التجارى بالتالي ينعكس على العملة إذ تجعلها قوية. 

نسبة التضخم :

تلعب نسبة  التضخم دورا مهماً في تحديد سعر العملة، ارتفاع نسبة التضخم يرفع في  قيمة السلع وبالتالي تفقد المنتوجات المحلية قدرتها التنافسية أمام المنتجات الأجنبية، مما يؤثر على الميزان التجاري وبالتالي انخفاض سعر الصرف المحلي.

نسبة الفائدة  : 

تلعب قيمة الفائدة ايضاً دورا مهما  في تحديد قيمة سعر صرف العملة،  إذا كانت نسبة الفائدة مرتفعة في اقتصاد ما،  فان ذلك يزيد من ارتفاع عدد رؤوس الأموال في البلد مما يزيد من ارتفاع الطلب على العملة المحلية.الاستثمار الأجنبي المباشر : ويقصد بذلك تحركات رؤوس الأموال الدولية الباحثة عن الاستثمار في شركات أجنبية عبر شرائها نسب في الخارج. ازدياد الاستثمارات الأجنبية يزيد من الطلب على العملة المحلية مما يزيد من ارتفاع سعر الصرف العملة المحلية.-استراتيجية البنك المحلي :  بحسب الاقتصاديين الليبراليين  فإن تدخل الحكومة في سياسات البنك المركزي يزيد خلق جو من عدم الثقة مما يساهم في  تدهور العملة المحلية. 

عامل الثقة في  الدولة: 

لا يقل أهمية عن النقاط السالفة الذكر، فإنعدام الثقة في  سياسات الدولة وفي مؤسساتها يؤثر على مؤشرات الاقتصاد الكلي.

بالنسبة لليرة التركية، هناك عدة عوامل مهمة  في هبوط الليرة التركية،  إذ تعتبر المشاكل البنيوية والهيكلية التي تعاني منها الاقتصاد التركي من الأسباب المباشرة لتدني سعر صرف الليرة . يعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير خاصة في السنوات الماضية على القروض والعقارات كمحرك للاقتصاد المحلي إذ شكل الربح السريع هاجسا للمستثمرين بالإضافة إلى اشتراك بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية مع رجال الأعمال في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الخدماتية الضخمة والفنادق ومراكز التسوق ومراكز المؤتمرات، ذات الربح السريع مع تقليص الاعتماد على الاقتصاد الفعلي كقطاع الصناعة. تدخل أردوغان في السياسة النقدية للدولة التي هي بالأساس من المفترض أن تكون بيد البنك المركزي هي  إحدى الأسباب الرئيسية لتدني الليرة التركية  وامتناع أردوغان عن زيادة سعر الفائدة رغم تصاعد الأصوات المطالبة بارتفاع سعر الفائدة  آملين بأن ينعكس ذلك على ارتفاع الليرة التركية.

تدخل الحكومة في السياسات النقدية يخلق جو من عدم الثقة وخصوصاً لدى الأسواق المالية والمستثمرين الأجانب. على صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي، تواجه تركيا ارتفاعا في معدل التضخم والذي يصل إلى 16% وهو أعلى ارتفاع مسجل بالإضافة الى تواصل عجز الحساب الجاري ،وارتفاع الديون الخارجية. وبالتالي يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة التركية. كما تعاني الشركات التركية من تفاقم ديونها الخارجية التي هي بالأساس بالعملة الصعبة -الدولار-  وأدى إرتفاع البنك المركزي الأمريكي لقيمة  الفائدة الأمريكية إلى ارتفاع في سعر الدولار مما جعلت تكلفة اقتراض الشركات التركية أكبر ،تراكم هذه الأزمات جعلت من الاقتصاد التركي هشا وغير مستقر. على المستوى السياسي، يؤدي تخبط أردوغان في سياسته الخارجية إلى تدهور سعر الليرة. هناك مشاكل وأزمات حقيقية  بين الجانب الامريكي والتركي، فقرار تركيا بشراء منظومة s400  الروسية أغضبت واشنطن التي تعتبر القرار التركي مخالفا لبنود حلف الناتو،  وهناك أيضا أزمة ديبلوماسية بين أردوغان وواشنطن ناجمة عن دعم أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها واشنطن حليفاً استراتيجية وعنصرا فعالا في محاربة الإرهاب و إقامة السلم في المناطق المحررة شرقي الفرات. في حين يواصل أردوغان حلمه المتمثل بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية عبر تدخلاته العسكرية وإحتلاله للمزيد من الأراضي السورية بدءا بجرابلس والباب مرورا باحتلال عفرين وتهجير أهلها الكورد و دعمه للفصائل الإرهابية في الشمال السوري علوة لدعم النصرة في ادلب وأخيرا سعيه إلى ضم حلب إلى سلطنته.هناك أيضا قضايا أخرى شائكة كتلك المتعلقة بالعقوبات الأمريكية  على إيران وإعلان تركيا عن عدم استجابتها للعقوبات.

وبالتالي مواصلة تخبط أردوغان  في علاقته مع واشنطن يؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي وهذا ما ينعكس سلبا على سعر الليرة أيضا.ففي ظل مخاوف من تزايد سيطرة ونفوذ قبضة أردوغان  على الوضع السياسي وعلي السياسات النقدية في تركيا ، تفاقمت سعر الليرة  وبالتالي يمكن أن تقذف هذه السياسات بالاقتصاد التركي إلى الهاوية.  يبرر أردوغان فشله برمي اللوم على جهات أجنبية  معتبرا أن هنالك حرب اقتصادية ضد بلده في محاولة منه  للهروب الى الامام. إلقاء الخطابات الحماسية الرنانة  لن تحل من أزمة الليرة التركية ولن تحل من مشاكل البنيوية للاقتصاد التركي.

تركيا تدفع ضريبة تخبط أردوغان في السياسة الداخلية والخارجية ولن يكون الخروج من هذا المستنقع بالأمر الهين  فحتى لو راجع  أردوغان  حساباته في السياسة النقدية والمالية لن يجدي ذلك نفعا لأن تغيير بنية الاقتصاد يتطلب مجهودا مضاعفا على الآمد البعيد وإعادة الثقة إلى المستثمرين يمر عبر إصلاحات سياسية وإلى إعادة تركيا إلى الحكم الديمقراطي التى تأخذ فيه مؤسسات الدولة دورها

الأساسي، وهذا يخالف مشروع أردوغان المتمثل في تنصيب نفسه سلطانا على تركيا وعلى الشرق الأوسط وإعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية عبر بوابة الشمال السورية!

زر الذهاب إلى الأعلى