ثقافة

في الذكرى الثانية والثلاثون لرحيل ” سيدا ” جَكر خوين

jeker-xoin-%e2%80%ab%e2%80%acدوست ميرخان

 إذا كتبت بلغة الآخرين فان لغتي ستضمحل إما إذا كتبت بلغتي فان الآخرين سيحاولون قراءة وكتابة لغتي، هذا ما قاله سيدا الذي أرعب رجال الأقطاع، وأربك رجال الدين الجهلاء، بسعة علمه وطلاقة لسانه .

 من كان يدري أن شيخ موس الطفل الذي  ولد سنة 1903 في قرية هسـارىِ الواقعة في باكوري كردستان  “شمال كردستان” ضمن أسرة فقيرة والذي فقد أباه وهو في الخامسة عشر من عمره , وعاش يتمياً  تارةً عند أخيه خليل وتارة عند أخته أسيا الذين يكبراه ، سيكون هو جكرخوين كما أسمه.

 من كان يعلم أن الذي يرعي بالماشية في صباه سيكون أحد أبرز الشعراء الكرد في العصر الحديث.

جكرغوين الذي عمل خلال فترة شبابه كعامل في سكك الحديد بدأ بتعلم القراءة والكتابة على يد أحد المشايخ الكرد في تلك المنطقة، حيث كان على كل كردي أن يبدأ حياته بتعلم الطرق والتعاليم الدينية بأي شكلٍ كان فالخارج عن المألوف آنذاك كان يعتبر في نظر الوسط المحيط شاذاً في ذاك المجتمع القروي البسيط، الذي دجنه العثمنة الدينية، وأغرقه بالأفكار البالية الجاهلة، تلك الأفكار التي كانت تحث على الخنوع والخضوع وعلى الجهل والتفرقة والكراهية حتى في أصغر وحدة في المجتمع ألا وهي الأسرة، إن سيطرة الاقطاعيين المتخاذلين مع السلطات وبماركة وتشريعٍ من رجال، على كل مقدرات البلاد آنذاك وفي عموم كردستان،  كرس التخلف والجهل والصراعات العشائرية والقبلية والأسرية حتى بين أبناء العشيرة والبيت الواحد، هذا الواقع المرير، والذي رفضه ووقف بوجه وحاربه  جكرخوين عبر كتاباته، وفي كل مجلسٍ حضره وخطب فيه، حتى وفاته في بلاد الغرب، شيخموس حسن الذي أصبح ملا ” مقام ديني ” ترك  قريته وتوجه إلى سهول ديار بكر بحثاً عن العمل وهناك اكمل تعليمه وتحصيله العلمي.

بدأ بالتنقل بين مدن وقرى كوردستان وتعرف وأطلع عن قرب على وضع شعبه الكردي الواقع بين مطرقة الدين و سندان الأقطاع في كل مكان.

تزوج عام 1928 وحصل على لقب سـيدا “مرتبة علمية ”  بسبب تقدم دراسته في مجال العلوم الدينية والدنيوية.

في بداية الثلاثينات تمرد جكرخوين على الأفكار الدينية الرجعية, ونزع عنه  لباس الصوفية ( الجـبة والعمـامة) وبدأ بثورته ضد نمارد عصره،  بشعره الثوري الذي دعا فيه إلى النهوض من السبات والغفلة، والتمرد على الواقع الذي فرضه المحتل بين أبناء شعبه،  الذي نهب وسلب منه كل مقدراته الاقتصادية والثقافية والفكرية والتاريخية.

غادر جكرخوين منطقته في باكورِ كردستان وتوجه إلى عامودا واستقر في قرية تل شعير في البداية ، والتقى هناك في عامودا بعض الشباب الوطنيين وأسسوا معن ( نادي الشباب الكردي) وسرعان ما اعتقله سلطات الاحتلال الفرنسي، في عام 1946 ينتسب جكرخوين إلى حركة “خويبون” الكردية التي تأسست عقب فشل ثورة شيخ سعيد بيران، ويبدأ بالعمل النضالي المنظم إلى جانب أعضاء خويبون  ، تنحل حركه خويبون وتتحول إلى جمعية تحرير وتوحيد كوردستان فيمابعد.

في عام 1949 يصبح جكرخوين أحد  المناصرين ورفيقا للحزب الشيوعي، مدافعا عن حقوق المظلومين مناهضاً الإقطاعيين, بعدها يبدأ نضاله الأليم حيث الاعتقال والسجن والتعذيب.

أصدر مع رفاقه في أول تشكيل سياسي في سورية ( الحزب الشيوعي السوري ) مجلة( كلستان ) عام 1968 والتي اهتمت بالأدب والشعر والترجمة ، إلا أن هذا التنظيم السياسي انحل وانشق جكرخوين عن التنظيم المنحل.

في عام 1958 قام جكرخوين ورفاقه بتأسيس حركة آزادي وبعدها تتحد الحركة مع الحزب الديمقراطي الكردي، ويصبح عضو في اللجنة المركزية للحزب.

في عام 1959 يكلف الحزب جكرخوين بتدريس اللغة الكردية في جامعة بغداد ، لكن بعد تجدد القتال  بين الأكراد في شمال العراق والحكومة العراقية عام 1962 يعود جكرخوين من بغداد إلى عامودا.

عام 1969 يعود جكرخوين إلى باشورِ كردستان من جديد، بعدها يسافر إلى لبنان ويبقى حتى عام 1975 حيث يطبع وينشر ديوانه الشعري الثالث (kime ez) في بيروت.

 عام 1979 يغادر جكرخوين بيروت إلى أوروبا ( السويد) فيمضي أخر سنوات عمره هناك, إلى أن توافيه المنية عام 1984 وينقل جثمانه إلى قامشلو,و يدفن في منزله، في موكب مهيب ويتحول ضريحه إلى مزار لأبناء الشعب الكردي.

يعتبر جكرخوين مدرسة خاصة قلدها الكثيرين من الشعراء والأدباء الكُرد كتب الشعر الكلاسيكي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر, وبرع في تجسيد الحياة الكردية ومعاناة الشعب الكردي, التزم بقضايا أمته وكان مصراً على كتابة  أشعاره باللغة الكردية رغم أنه كان يتقن يجيد اللغة العربية والتركية .

كان لترحاله المستمر بحثاً عن العلم والمعرفة سعياً للتزود بكل ما يرفع من إمكاناته وقدراته المعرفية، والتي أهلته ليكون جكرخوين الشاعر والمناضل الثوري لخدمة وطنه وأبناء شعبه ، وضع كتاب ( قواعد اللغة الكردية ) وكذلك ألف قاموساً في الكردية من جزأين، كما نظم المخطوطة التاريخية ( شرفنامة ) والتي كانت مكتوبة بخط ( الملا عبد الهادي ديركا جياي مازي ) عام 1942.

خلف جكر خوين  ثمانية دواوين شعرية فلسفية عن الواقع الكردي  والتقلبات السياسية التي عاشها الأكراد خلال فترة حياته، جكرخوين  كان يفتخر بانتمائه الكردي، ويشير إلى ذلك في خطبه السياسية والتي كانت تحمل العديد من الدلالات السياسية والإنسانية والثورية والفكرية، يفسر ذلك سر الكلمات والمفردات الخشنة الجزلة التي احتشد بها شعره على حساب استعمال الألفاظ الرقيقة.

استقي جكرخوين لغته من خلال ثقافاته المتنوعة ، حيث درس الفلكلور الكردي وقلد القدامى من شعراء الأكراد أمثال الملا أحمد خاني وأحمد الجزيري ، ولتفادي ضياع قصائده كان يتعمد تذييل آخر بيت من كل قصيدة بكتابة اسم .

 ومن الجدير بالذكر أن جكرخوين يعد من الرعيل الاوائل الذين قادوا النهضة الكردية على كافة الصعد الثقافية و الاجتماعية و السياسية في سورية ، بدأ حياته النضالية معتمدا على أيمانه العميق بحق شعبه في الحرية و الانعتاق ، وحارب بثبات كافة أشكال التخلف الذي كان يخيم على المجتمع ، وتحول الى منارة شامخة تضيء للأجيال الناشئة دروب التحرر ، وتحدى بعزيمة و صلابة الحكام و الطبقات الرجعية في المجتمع التي لم توفر جهداً في محاربة أفكاره.

له أكثر من 37 كتاب، و 8 دواوين ( النار و اللهيب 1945 ، ثورة الحرية 1954، و من أنا 1973 ، ،و السلام 1984…..) و بعد وفاته أصدر أولاده بعض أعماله الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى