ثقافة

عن تجربة مشعل عثمان الثقافيّة

يُعدّ مشعل عثمان من الشعراء الكرد المعاصرين، ومن الشعراء المعدودين الذين حافظوا على تقاليد القصيدة الكردية المعاصرة، والتي كتبت على يد أبرز الشعراء المطورين والمجددين للشعر الكردي في روج آفاي كردستان كجكرخوين وتيريزTîRêJ ويوسف برازي …. انفتاحه واطّلاعه الواسع على آداب الثقافات الأخرى، كالثقافة العربية والعالمية المترجمة إلى اللغة العربية أثّر في توجّهه الشعري والخروج من الأفق الشعرية الضيقة، وولّد لديه تجربة شعرية مميزة. له العديدُ من الأعمال الشعرية والأدبية باللغة العربية والكردية، ورغم محاولته الابتعاد عن الأضواء، إلا أن له حضورٌ مؤثرٌ على الساحة الثقافية في روج آفاي كردستان. شاعرنا يُعرَف بمواقفه الثابتة من السياسية والصراع السياسي على الساحة الكردية. ينبذ التحزبية في الواقع الثقافي، وبنفس الوقت يقدّر كلَّ جهدٍ يخدم قضية شعبه والقضايا الإنسانية بشكلٍ عام. كَتبَ للوطن وللنضال وللحبّ وللحرية وللثورة….، جال وصال في مدن روج آفا، والتقى بالعديد من المفكرين والأدباء الكرد. منهم أثروا في تجربته الشعرية وكانوا بالنسبة له المعلمون الأوائل. شاعرنا ساهمَ إلى جانب رفاقه في الميدان الثقافي الكردي للمِّ الشتات الثقافي المتشرذم نتيجة الواقع الكردي المضطهد، فأسّس مع رفاقه تجمّعاتٍ أدبية عدة، بعضها لازالت مستمرة حتى يومنا هذا.

في لقاءٍ لصحيفتنا مع مشعل عثمان الشاعر الكردي الذي يغلب عليه طابع الهدوء والإصرار على ديمومة الحياة الحرة الكريمة وخلقها من واقع الحرمان والإنكار ومنحها طابعاً يختلج فيه الإحساس بالجمال والعنفوان فتح لنا أبواب مسيرته الشعرية.

اللقاء كان كالتالي:

 بداية لو تعرِّف قراءَنا بك، وما تحتفظ به ذاكرتك حول بداياتك بدءاً من خويتلا، القرية التي انطلقت منها؟

  • أُدعى مشعل عثمان عثمان، ولدت في سنة 1970في قرية خويتلا الواقعة على طريق الدرباسية الحسكة، لم نكن من الطبقة الملاكة للأرض في القرية وكنّا من المحرومين من الجنسية إن جيز استخدام هذا المصطلح، لذا وكالكثير من العائلات الكردية عانينا كثيراً في حياتنا، واضطرنا كعائلة أن ننتقل من مكانٍ إلى آخر لكسب المعيشة، خاصةً بعد أن توفي والدي في وقتٍ مبكر من طفولتي تاركاً خلفه عبئاً ثقيلاً، هنا كان عليّ أن أعمل منذ الصغر لأعيل عائلتي، لكن بقية الحياة في نظري جميلة بكل مشاقها.

لم يمضِ وقت طويل حتى هاجرنا من خويتلا إلى مدينة الحسكة، والتي لم نطيل فيها الإقامة حتى انتقلنا إلى مدينة عامودا والتي ستكون انطلاقتي نحو عالم الفكر والأدب والشعر، هذه المدينة التي كانت قلب روج آفاي كردستان الثقافي، صغيرة بمساحتها لكنها كبيرة بمثقفيها وتاريخها.

في عامودا درستُ المرحلة الإعدادية والثانوية، وكنت أرغب في إتمام دراستي الجامعية، لكن وكما قلت كنت محروماً  من الجنسية السورية وبذلك كنت محروماً من حق امتلاك الشهادة الجامعية السورية.

خلال هذه المرحلة ، العديد من الأشخاص وبعضهم كانوا من أساتذتي في المدرسة أثروا في حياتي الفكرية وتوجُّهي الشعري، منهم الشاعر والأستاذ محمد عفيف حسيني، والشاعر جميل داري، والأستاذ الشاعر محمد نور، تتلمذت على يد هؤلاء الشعراء، وبالطبع بدأت بقراءة الشعر والأدب  الكردي والعربي والعالمي واطّلعتُ مبكراً على أركان الشعر، ومن هنا بدأتُ بأولى خطواتي بكتابة الشعر باللغة العربية كَون اللغة والثقافة الرسمية والسائدة كانت العربية، وبدأت بمراسلة مجلة الحرية عن طريق الكاتب دحام عبدالفتاح، والتي كانت تطبع وتصدر في قبرص وتصل أعداد منها إلى روج آفاي كردستان، وتقريباً وصلت القصائد التي نشرت لي في مجلة الحرية إلى (11) قصيدة، وأتذكر إن أولى القصائد التي كتبتها كانت عن الشاعر الكردي وأبو الشعر الكردي الحديث جكرخوين. طبعاً المجلة كانت تصدر باللغة العربية وكان العديد من الشعراء الكرد يكتبون فيها، ذلك كان في عام 1987.

 أّما الشعورُ الذي راودني عندما نُشِرت أولى قصائدي في المجلة المذكورة فلا يوصَف، حينها كنت في موسم الحصاد، أخبرني أحد الأصدقاء بذلك حينها، حقيقةً تلك اللحظة لها تأثيرٌ عميق في ذاكرتي.

أما فيما يتعلق بكتابة الشعر باللغة الكردية فلها قصة أخرى في مسيرتي الشعرية ، كنت أسمع الكثير عن قصائد جكرخوين وأستمع كثيراً إلى أغاني أسطورة الغناء الكردي محمد شيخو، والكثير من الفنانين الكرد والعرب، وبدون شك شكّل ذلك أرضية مناسبة للأحاسيس الشعرية بالإضافة إلى الموهبة والتي لا يملكها أي إنسانٍ كان، وهنا أريد القول بأن الشعرَ موهبة ومزيجٌ من الأحاسيس والمشاعر الجياشة والمعاناة، والتي تشكل بالنتيجة ثوراناً للنفس الشاعرية، فالأحاسيس وحدها لا تكفي ليكتب الإنسان شعراً يحمل  في طياته ذوقاً رفيعاً وجمالية للفن والأدب.

بالعودة إلى بداياتي في كتابة الشعر باللغة الكردية ، فقد تعلمت الكتابة والقراءة بلغتي الأم على يد شخص ثوري كان قد التجأ إلى روج آفاي كردستان في مدينة عامودا إبان ثورة البارزاني في باشور(جنوب) كردستان ، هذا الشخص والذي كان يدعى دلدار شكو كان من باكور(شمال) كردستان، وكان من الثوار والمناضلين في ثورة البارزاني، وفي عامودا كان منزله إلى جورانا ويوماً بعد يوم تتلمذت على يده. علمني اللغة والتاريخ والجغرافيا ، ذاك الشخص كان له الفضل في صقل ثقافتي وذلك كان عام 1987.

بعد أن تمكنتُ من الكتابة والقراءة، وأصبحتْ لديّ بنية ثقافية كردية، والتي كان الفضل يرجع كما أسلفت إلى معلمي دلدار شكو، بدأت بكتابة الشعر باللغة الكردية، وأولى المجلات التي نشرت فيها قصائدي الكردية كانت مجلة ZANîN) ) والتي كانت تصدر من قبل كل من المفكرين الكرديين عبد الباقي حسيني، وفرهاد جلبي.

هل لك أن تطلعنا على الدواوين الشعرية التي قمت بكتابتها، وهل هنالك أعمال أدبية أخرى عدا الشعر؟              

بالطبع تمتدّ تجربتي في الشعر على مساحة حياتي منذ انطلاقتي من قريتي التي لم أكن أملك فيها شيئاً سوى ذكريات طفولتي، بالنسبة لدواوين الشعر المكتوبة باللغة العربية فهي:

  • ك والطلاسم المنسوجة بجدائل الفجر، وهو ديوانٌ شعري تناولت فيه قضايا الثورة والوطن والحبّ.
  • ديوان هل ينام البنفسج والأرجواني؟

كما كتبتُ دراسة بعنوان “الصحافة الكردية المكتوبة في جنوب غرب كردستان في النصف الثاني من القرن العشرين”، تناولت في هذه الدراسة واقع الصحافة الكردية خلال الفترة المذكورة وذلك وفق المنهج العلمي للبحوث الاجتماعية، والذي كان له الفضل في تعلمي وتتدربي على المنهجية في كتابة الأبحاث والدراسات هو الأستاذ خالد جميل محمد. هذه الأعمال لم تنشر بعد رغم إنني قمت بطباعة عددٍ واحد لكل عمل، لكن سأقوم بنشرها ما إن تتهيأ الظروف لي.

فيما يتعلق بأعمالي الأدبية والشعرية باللغة الكردية فهي كالتالي:

  • دراسة بعنوان “Hunermend MIHEMED şêxo jiyan û huner”

هذه الدراسة الوثائقية والتي أخذت وقتاً طويلاً من البحث والتدقيق والتوثيق لحياة الفنان محمد شيخو ولأعماله الفنية ، هذا العمل الوثائقي المكتوب والذي تشاركنا في إعداده وتوثيقه أنا والشاعر إبراهيم عبدي، والذي أردنا من خلاله تسليط الضوء بشكلٍ توثيقي على حياة هذا الفنان الذي كرّس حياته وفنه في خدمة شعبه وقضيته. بالطبع تحملنا أنا وإبراهيم عبدي كل المسؤولية والأعباء في التأليف والبحث واللقاء مع كل من كان على صلة بالفنان الراحل، أردنا من هذا العمل أن يكون وثيقة تاريخية راصدة لحياة الفنان ولفنه وللشعراء الذين كتبوا كلمات أغانيه، ويكون بمثابة تقدير وتكريم لحياة الفنان الذي لم يُكافأ في حياته.

وبالنسبة لدواوين الشعر، فلديّ ثلاثة دواوين                “Hestên westiyayî” – koçbrî – peyala Nêvî- لكن الديوان الأخير – peyala Nêvî فهو تحت الطباعة وسينشر ريثما يصبح جاهزاً.

كذلك لدَّي تجربة مع النصوص المسرحية، رغم أنني لم أعمل في هذا المجال، لكن طلبَ مني بعض الأصدقاء الذي يعملون في المجال المسرحي ترجمة بعض النصوص المسرحية إلى اللغة الكردية ، وعلى إثر ذلك قمت بترجمة النصوص المسرحية وهي: şorşa miriyan –kûçikê Axê – Lîska Kiboxa.

طبعاً هذه الأعمال المسرحية شاركت في مهرجانات المسرح في روج آفاي كردستان ونالت الفرقة المسرحية التي لعبت أدوار هذه المسرحيات الجوائزَ.

هذه الأعمال الأدبية التي أنجزتها حتى هذه اللحظة، طبعاً هناك العديد من القصائد الشعرية والتي لازالت غير مجموعة في ديوان، سأحاول في المستقبل جمعها في ديوان شعري.

لديك تجربةٌ وباعٌ في لمّ شمل المثقفين من شعراء وأدباء ومثقفين، هل لك أن تحدثنا عن هذا الجانب ؟

طبعاً كشاعر شاركت في العديد من الأمسيات الأدبية والمهرجانات الشعرية والثقافية، إحدى مشاركاتي كانت في مهرجان الشعر الكردي في سنة 1992والذي أقيم في مدينة عفرين، آنذاك كنت عضواً في لجنة المهرجان ، ثم انتقلت هذه الفعالية إلى  مدينة قامشلو.

في عام 1991تم تأسيس منظمة ثقافية باسم ( (komelî jiyanî kurdî في مدينة الحسكة وذلك بتكاتف جهود العديد من المثقفين الكرد في مدينة الحسكة، كنت أنا والشاعر سيف الدين قادري وإبراهيم حاج صبري، وإبراهيم عبدي من مؤسسي هذا التجمع،  وفي تلك الفترة قمنا ببعض الفعاليات الثقافية، أتذكر منها أننا قمنا بتصميم روزنامة عليها صورة الشاعر الكبير   Seydayê Tîrêj وذهبنا إليه وقدمنا له هذا العمل كتكريمٍ له ، طبعاً التجمّع بقي لمدة سنة تقريباً، بعد ذلك قمنا نحن نفس المجموعة  بتأسيس “تجمّع الحسكة للثقافة الكردية” ووقتها انضمّ العديد من الشعراء إلى هذه التجمع كالشاعر محمود بادلي و خوشناف سليمان  وخالد عمر….وآخرون، وفي تللك الفترة قمنا ببعض الفعاليات الثقافية، منها كتابة أربعة دواوين شعرية للشاعر Seydayê Tîrêj في موقع   Tîrêjname الألكتروني والذي خصص فيه زاوية لمجموعتنا في مدينة الحسكة، وبالطبع كل ما قمنا به خلال تلك الفترة كان بدون أي مقابل ، وكان هدفنا الأول والأخير هو تطوير الواقع الثقافي بشكل يخدم واقع الثقافة الكردية.

بعد تلك الفترة قمنا بتأسيس اتحاد كتاب الكرد في مدينة الحسكة، وانضم حينها بالإضافة إلى شعراء ومثقفي التجمع مجموعة أخرى من الشعراء والأدباء، منهم الشاعرة وجيهة عبدالرحمن  وجيندا محمد ، والشاعر محمود صبري، سالار علو، حسين معمي، حسين شاكر، آخين ميرخان، محمود حسن الحاج …… وآخرون أعتذر لعدم مساعدة ذاكرتي في هذه اللحظة  في ذكر أسمائهم ، وخلال تلك المرحلة طبعاً ساهم أغلب أعضاء الاتحاد في العمل في ميدان الثقافة الكردية في مدينة الحسكة.

بعد ذلك أردنا أن نوسّع مظلة الاتحاد فقمنا بتشكيل لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص ليتواصلو مع بقية مدن روج آفا ، وبالفعل وبعد جهودٍ كبيرة تم تأسيس اتحاد كتاب الكرد نتيجة للجهود الكبيرة التي قام بها الكاتب والباحث  الكردي ديلاور زنكي، والذي قام بدوره بالتواصل ولعب دور الوسيط  بيننا وبين رابطة الكتاب والصحفيين الكرد. قمنا نحن بدورنا بضم أصواتنا لديلاور  لكي يرأس الاتحاد وبالفعل أصبح ديلاور وخلال المؤتمر الأول الذي انعقد في قامشلو رئيساً للاتحاد ، لكن بعد فترة وجيزة انسحبت مجموعتنا من الاتحاد لأسباب يطول ذكرها ، وقمنا بتأسيس تجمع أدباء الكرد والذي لايزال قائماً رغم إن العديد من الأعضاء انسحبوا منه وانضموا إلى اتحاد كتاب كردستان سوريا برئاسة وزنة حامد.

بعد ذلك تم تأسيس” اتحاد مثقفي روج آفاي كردستان” في مدينة قامشلو والذي أصبح المظلة التي تضم أغلب المثقفين من أدباء وشعراء  وفنانين وصحافيين و…. في روج أفا كردستان والخارج، ربما لم نتعمق في التفاصيل، لكن هذه الخطوط العريضة لمسيرة من المعاناة والعمل والتضامن والتقدم على الصعيد الثقافي وعلى الصعيد الشخصي، وهنا أ تذكر أنني عندما كنت عضواً في اتحاد المثقفين الكرد قمنا بتوثيق حياة وأعمال الشاعر الراحل يوسف برازي، وقدمنا له هذا العمل الوثائقي المصور وهو على فراش المرض، وهذا العمل والتقدير من جهتنا ترك عنده انطباعاً مفرحاً وهو في تلك الحالة.

 في النهاية بماذا تختم هذا اللقاء ؟

في الحقيقة أتقدم بالشكر إلى كل من يساهم في تطوير الواقع الثقافي الكرديّ، وأودّ القول هنا ومن خلال صحيفتكم بالخصوص: إن الكاتبَ عليه أن لا يكونَ جزءاً من الصراع الحزبي والسياسي، بل عليه مسؤولية كبرى، ألا وهي  تنوير المجتمع. وأمنيتي التي لطالما نوّهتُ إليها هي تكريمُ المثقف الكردي والذي يخدم ويضع جلّ حياته في خدمة ثقافة شعبه قبل موته وليس بعد أن يموت ونتقاتل على جنازته.

دلبرين فارس

زر الذهاب إلى الأعلى