مقالات

شنكال من الإبادة الى منبع للإرادة الحرة

في الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة شنكال يمكن التأكيد أن ما حصل وسيحصل مستقبلاً من مقاومة ضد المؤامرات التي تحاك في الأقبية الاستخباراتية هي نتيجة حتمية سيخوضها الشعب الكردي في شنكال، وأن انتصار هذه الإرادة الصاعدة ضد هذه المؤامرات هو نتاج وعي المجتمع الشنكالي لما تُحاك ضدَّه من مخططات قذرة تستهدف إرادته وفهمه لواقع المتغيرات والمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية ورغبته في استكمال ما بناه بدماء أبنائه.

التجربة المريرة لمأساة الشعب في شنكال وتبنيهم لإرادتهم الحرة التي تكللت في الإدارة الذاتية لشنكال وقواها المقاومة لن تسلّم قدرها لأحد بعد الآن فالانتصار الحقيقي في شنكال لم يعد انتصاراً أو تحريراً عسكرياً فَحَسبْ بل أصبح انتصاراً لإرادة الوعي المجتمعي ورغبة صلبة في استرجاع أصالة شنكال وكرامتها التي فُقِدت نتيجة الهيمنات السلطوية والعقليات العشائرية الفئوية المنفعية.

لقد مرَّت شنكال في الثالث من آب عام 2014 بمجزرة يندى لها جبين الانسانية وهذه الإبادة الجماعية ليست الأولى من نوعها ولكنها حسب التسلسل التاريخي تُعدُّ الفرمان الثالث والسبعين، وذلك حسب ما يرويه لنا تاريخ هذا الشعب مما يدل بأنه قد بقي مع اثنين وسبعين فرماناً وإبادة وجهاً لوجه أدت إلى تشتت جزء كبير منهم؛ أما بالنسبة إلى الباقين؛ فهم تمركزوا كما هو معلوم حول المكان المقدس لالش وانطلاقاً من هذا السرد المأساوي للمجازر والقتل والاستهداف الجماعي الذي هبَّ على شنكال تحت اسم الفرمان الــ73فهو يُعد استمراراً لما عاناه هذا الشعب العريق سابقاً.

دون شك فإن ما واجهه الشعب الكردي الأيزيدي قد خلّف أثراً عميقاً لا سبيل لزواله في تاريخهم أو ماضيهم بعد أن تُركوا وحدهم يواجهون مصيرهم الأسود؛ فلقد احتموا ولاذوا  بجبل أجرَدٍ يُذوِّبُ أشلاءهم؛ مما جعلهم يحييون مع الموت والخوف والخشية من الفناء والاندثار يوماً بعد آخر ولم يكن مستغرباً أبداً عندما بدأت الهجمات الارهابية (الفرمان 73) في شنكال, أن يهموا بالاستعداد للهجرة بدافع التفادي من المرور بإبادة جماعية، وهذا الأمر كان مخططاً له بشكل ممنهج ودقيق من قبل أقبية الاستخبارات الاقليمية فقد أرادوا إنهاء الوجود الكردي في شنكال وسهل الموصل لكن الشيء الذي تحوَّلَ إلى مفاجأة كبيرة لهم وأعطاهم الأمل من جديد هو وصول قوات وحدات المرأة الحرةYJA-STAR, قوات حماية الشعب HPGبالإضافة إلى وحدات حماية الشعب والمرأة YPG –YPJ، وتمكنت من فتح ممرِّ الأمل بين شنكال وروج آفا بأرواحهم وأجسادهم وأنقذت قرابة مائتي ألفٍ من الشعب الكردي في شنكال جُلُّهم من النساء والأطفال.

 فالمقاومة العظيمة التي أبدتها وحدات حماية الشعب والمرأة YPG -YPJ و قوات حماية الشعبHPGبشكل خاص لم تكن إلا تلبية لنداء الواجب وإيذاناً  بانبلاج فجر الحرية من جديد وهو يوزع خيوطه على جبال شنكال وهذا ليس بغريب على من يحمل فكر وفلسفة القائد أوجلان هذا المنبع المنبثق للتضحية والمقاومة وهو الذي يقول في استذكار ملحمة درويش عبدي في كتابه المعنون (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية) بكل وضوح: “آه لو كنت ودرويش عبدي على ذُرى سنجار أعدو به سهل سنجار! أعدو به سهل الموصل على صهوة حصان أبيض متسلقاً جبال كردستان ودرويش الجريح على ظهري وأقول انظر, هاك الآلاف من عدولة والاثنا عشر نم قرير العين على قمم الجبال التي عرشها الإلهات تعتلي لا تغتم فأهلاً بالموت أين وكيفما جاء ما دامت الكردايتية والحياة الحرة حلتنا, وغدتا حقيقة أبدية”

لقد استشرى الأمل من جديد في كيان المجتمع الكردي الايزيدي ويمكننا التأكيد أن هذه المقاومة أعادت الاعتبار لعموم الشعب الكردي بعد أن خذلهم أدعياء القومية وأصحاب المصالح الشخصية والمنافع العائلية العشائرية لتبدأ حقبة جديدة من النضال والمقاومة بوجه جميع القوى الظلامية والمخططات المعادية التي استهدفت الشعب الكردي في شخص الشعب الايزيدي في شنكال بحيث يمكننا القول أن حملة إعادة الحياة والتنظيم بدأت بإعلان  تشكيل وحدات مقاومة شنكال YBŞ- ووحدات حماية المرأة في شنكال yjş, ومنه فإن قوات ال- yjş-YBŞ هي نتيجة حتمية وموقف لرفض  الإبادات التي مرَّ بها ليبدأ المجتمع في شنكال بترسيخ ملامح ثورته الوجودية الخاصة به لذلك يمكننا القول بأن وحدات حماية المرأة ومقاومة شنكال وإعلان الإدارة الذاتية فيها هو أكبر جواب على تلك الهجمات والمخططات الرامية إلى إنهاء الوجود الكردي في شخص شنكال، وهنا يكمن الفرق الكبير بين ما واجهه الشعب الإيزيدي سابقاً وما يواجهه حالياً ففي السابق أو بالأحرى الإبادات أو الفرمانات السابقة التي مرَّ بها؛ كانت الطريقة الوحيدة لحماية وجوده هي الهرب والهجرة، أما الآن فإنه لجأ إلى روح المقاومة والنضال, وتبنِّي أسباب وجوده وتاريخه ووعيه وذاكرته الحضارية الضاربة جذورها في عمق التاريخ الانساني،

ومن هنا يكمن الخوف والهلع الذي أصاب النُّظُم الغاصبة والمحتلة لكردستان وعلى رأسها المحتل التركي الذي بات يهدد بشكل يومي التجربة الديمقراطية الفتية في كل من شنكال وروج آفا اللتان تعتبران أحد أهم الرموز الانسانية في مقارعة الاستبداد والعنصرية والإرهاب العالمي المموَّل والموجَّه، وأهم القلاع النضالية في مقاومة الشعوب ضد الظلم والاستعباد.

أجل لقد تخطى المجتمع الشنكالي مرحلة الفناء والاستسلام للقدر، وبات يمتلك إدارته وإرادته الحرة وقواه الذاتية للدفاع والمقاومة والصمود وكذلك بات يمتلك الوعي السياسي الذي بات يؤرق جميع القوى التي كانت تستغلهم في السابق وأصبح قادراً على إدارة شؤونه بنفسه ككيان مجتمعي ومدني متماسك ومترابط بفكر وفلسفة الحياة الحرة التي تؤهله لنيل حقوقه المشروعة في ظل عراق اتحادي فيدرالي لا مركزي وهذه هي الحقيقة التي يتوجب على المجتمع الدولي والقوى الإقليمية والداخلية إدراكها واستيعابها.

زر الذهاب إلى الأعلى