مقالات

حقيقة الحرب في عفرين

 سليمان عرب- بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسيطرة القطب الواحد الذي أصبح القوة المهيمنة المركزية في العالم , ظن الكثير أن الحداثة الرأسمالية قد فرضت سيادتها على الارض ومفاصل الحياة  في الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية , وأصبحت تتحكم بمصير البشرية من خلال التطور الهائل في العلم والتكنولوجيا , ومن خلال سيادة تلك المفاهيم والافكار أدت الى الاستسلام الكامل لها , وكأنه أصبحت الحداثة الرأسمالية كل شئ , فتغللت في مسامات الحياة الى حد التأثير على تفاصيل الحياة في خيمة صغيرة بعرض الصحراء .

وكأنه أصبحت ( حاشا ) كن فيكون ولاتوجد دونها قوة أخرى , وأن الحداثة الرأسمالية أصبحت إله العصر الحالي ( يعبد كما تعبد الآلهة ) , فترى كيف يعبد الإنسان الفيسبوك مثالا ويبدي الطاعة والخشوع للهاتف اللمس , فإذا كانت الشرائع قد فرضت على الانسان العبد طقوس معينة وأوقات محددة وشروط خاصة لعبادة الإله الأحد , فإن عبادة الإله النت على ساحة الشاشات المتطورة والحديثة ببرامج منوعة وجذابة ولفترات طويلة ولمرات كثيرة بات يلعب دورا سلبيا أكثر من الدور الأيجابي الذي يمكن أن يؤديه .

ولهذه الآلهة أمثلة كثيرة في هذا العصر نعم إنه الإله يتبدل ويتغير حسب الزمان وله جاذبية ورونق لا يضاهى ويحقق القناعة والإيمان ولابد أن تقضي الآلهة الجديدة على الآلهة القديمة ومقدساتها ( الدولة المقدسة والعَلَم المقدس والجيش المقدس والرئيسس المقدس والحدود المقدسة وغيرها ……… ) التي فقدت بريقها وتعرت ولا يبالي أحد بأمرها أمام الآلهة الجدد .

هذه التطورات والمتغيرات جعلت الإنسان في المجتمع يفقد الى حد بعيد الكثير من قوته وإرادته , وأصبح بعيدا عن الفلسفة وروح المجتمع وتاريخه وإرادته ومقاومته في الدفاع عن قيم الحضارة والإنسانية , فظن الكثير أن الولايات المتحدة الأمريكية هي سيدة العالم ولها الأمر والنهي , فأرتبط كل شيئ بها وأصبح الذي يحالفها أو يصادقها المدلل والمنتصر ولكن الأحداث الأخيرة في الشرق الاوسط أثبتت عكس ذلك , والى جانبها روسيا دخلت على الخط وأصبحت تلعب دور رئيسي في العالم وكسرت سيادة القطب الواحد وأصبحت القطب الثاني , كما أصبح إقليم عفرين في منطقة النفوذ الروسي , وتجرأت على إشعال الضوء الأخضر لتركيا في هجومها الوحشي الإرهابي فإدعت الآلهة أن عفرين لا تقع ضمن منطقة نفوذها لذلك لا تستطيع المداخلة ضد مجازر تركيا وتجاوزها لكافة القوانين الأخلاقية والإنسانية والدولية .

كما ظن البعض أن الفلسفة إنتهت ولم يعد للإنسان وفكره ومعنوياته أي قيمة , بل أصبح كل شيئ من خلال المادة وبشكل خاص الإله الجديد الدولار ( $ ) , فأصبح الإنسان يعمل بمقياس الدولار ( الإله ) فهو أصبح يجلب كل شيئ حتى الحظ , فترك كل شيئ وبدء بعبادة الإله الجديد فهو هاجسه قياما وقعودا .

من زاوية أخرى ظن البعض انه إذا وصل أرض أوربا فإنه ستفتح له الأبواب على مصراعيها ويضمن المستقبل والحياة الأبدية وسيقطف زهرة الخلود , ولايعلم أنه سيغير أولا هويته ولغته وأصدقاءه وطريقة مشيته ولباسه وكل شيئ في كيانه الثقافي والإجتماعي ليبدء الإنصهار والإنحلال نحو اللاوجود .

ولكن في خضم هذا الصراع الألوهي والعالمي في المفاهيم والقوة والضعف والتطورات المتسارعة , والتطور التكنولوجي العظيم في العالم , فإن الفلسفة ما زالت موجودة وأثبتت عفرين صحة هذه الإرادة وحقيقة المقاومة والإرتباط بالارض ,وأن هذه الحرب بين مشروعين احدهما العاق شوفيني وعنصري ودكتاتوري ودولتي , وآخر ديمقراطي وحر وعادل ويمثل قيم الحياة والاإنسانية ,لهذا عفرين أثبتت أنها أقوى من تكنولوجيتهم وأسلحتهم وطائراتهم ودولاراتهم التي يجندون بها العبيد ضد الأحرار , قالها أوجلان أنها ليست نهاية التاريخ حسب ما يدعون وأنه سيكتب فلسفة تضاهي علمهم وتطورهم وفعلها في كوباني ويثبتها اليوم في عفرين ليبرهن أن إرادة الشعوب وأخوتهم والمرأة الحرة ومعنى الحياة والإرتباط بالطبيعة والحفاظ على البيئة , أقوى من مصالحهم وأجنداتهم وصمتهم وأن عفرين ستنتصر وستحرر بنصرها الإنسانية وتقضي على الآلهة غير المقنعة الجدد , وستبني الحياة الحرة والمجتمع الأخلاقي السياسي والديمقراطي .

زر الذهاب إلى الأعلى