مقالات

حقيقةُ الانتصارِ في الرقة

دلبرين فارس

الانتصار الكبير الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية وبكافة تشكيلاتها العسكرية؛ وفي مقدمتهم وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ إضافة إلى المشاركة البارزة من وحدات حماية المرأة في شنكال، والتي ألقت على عاتقها مهمة الانتقام للكرديات الايزيديات اللواتي كانوا سِلَعَاً في يومٍ ما في أسواق النخاسة في العاصمة المزعومة للخلافة الإرهابية، ولا ننسى العديد من المقاتلين والثوار الأمميين الذين امتزجت دماؤهم مع دماء مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في روج آفا وشمال سوريا، وعلى طولِ خطوط المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي، وبعد معارك ضارية دامت لأكثر من أربعة أشهر؛ شهدت خلالها العديد من الملاحم البطولية في مقارعة التنظيم الذي هدد العالم بأسره.

 تمكنت قوات سوريا الديمقراطية وتحت قيادة الـ “YPJ”  من القضاء عليه في عاصمته؛ والتي كانت في وقت سابق مركزاً لتجمع كافة إرهابيِّ العالم.

تنظيم داعش الذي بسط سيطرته وسطوته الإرهابية على مساحات واسعة من سوريا والعراق، واستطاع خلال يومٍ واحد من السيطرة على الرقة والموصل، تهاوى اليوم على يد ثوار الحرية.

لا شك إن هذا النصر الكبير الذي تحقق في كوباني واستمر في منبج والطبقة ومن ثم الرقة قد أعطى للثورة وللمقاومة وللبطولة معانٍ ومضامين مغايرة عرفتها العالم على الصعيد الثوري، إن أولى مؤشرات هذا النصر الذي أنطلق من كوباني يكمن في إن الشعب المقاوم والباعث للحرية والتسامح، والذي يمتلك الإرادة هو الذي يمتلك القوى وزمام النصر اليوم.

 لقد شكل الانتصار في الرقة كما كوباني مرحلة مفصلية على عدة أصعدة، فعلى الصعيد السوري نستطيع القول لولا وجود وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة لكانت سوريا اليوم جزءً من أراضي خلافة الشر، ولأصبح لويثانً يهدد العالم الحر بأسره، بالطبع هذا ما كانت تتمناه بعض الأنظمة التي اتخذت من داعش وجماعات الإرهاب امتداداً لايديولوجيتها الفاشية ولمشاريعها الاستعمارية، وأخصُّ بالذكر النظام التركي الحاضن والراعي الاقليمي والدولي للمجموعات القاعدة في العالم حتى في الصومال، والتي نالت نصيبها من شرور حكومة الشر في تركيا.

 المدينة التي تحررت أمس الثلاثاء/ 17/ أكتوبر – تشرين الأول/ 2017 لم تكن كغيرها من المدن التي خضعت طواعية أو عنوة لتنظيم داعش الإرهابي، إنها المدينة التي طبق فيها التنظيم الإرهابي كل أساليب وإيديولوجية الإرهاب، وشهدت أبشع أدوات الإرهاب والترهيب في التاريخ الحديث والمعاصر بحق السوريين عموماً وبحق  الرقاويين  خصوصاً.

النصر الكبير الذي تحقق لم يكن نصراً للكرد وللعرب وللسريان وللشركس وللتركمان…، مسلمين ومسيحيين وإيزيدين وعلويين… فقط، بل هو نصر لعموم العالم الحر، كون المدينة كانت عاصمة للإرهاب العالمي.

 نستطيع القول وفي ظل التطورات المتسارعة على الساحة السورية والعراقية؛ إن زمن داعش قد ولى، ومن كان يراهن على داعش وداعميه حتى الأمس يجب أن يُدرك إن مصيرهم كمصير داعش إلى مزبلة التاريخ هذا إن كان لهم فيها فسحة.

 إن الانتصار الذي تحقق؛ ورغم تكراري الكثير لهذه  الكلمات ربما لا تفي للتعبير عن مشاعر النصر والحرية والانتقام  للألاف ممن فصلت رؤوسهم عن أجسادهم، للمئات الذين حُرِقوا وبترت أشلاؤهم، لآلاف الشهداء والجرحى، لآلاف النساء اللواتي خُطِفْنَّ واغتصبنَّ وقُتِلنَّ وعُذِّبنَّ بين براثن غربان العصر، ولمئات ضحايا التنظيم في عموم العالم.

 الانتصار كان للحجر وللشجر وللبشر في شمال سوريا وفي أي بقعة مرت بها سحابة الظلام، الانتصار للكنائس للجوامع وللمراقد، للمنازل ولعشرات المواقع الأثرية.

 الانتصار كان لثقافة التعايش والديمقراطية، ثقافة الخير والتي تحظى بالانتصار دوماً على ثقافة الشر.

بالطبع هناك من يطمر رأسه في الرمال، يحزن على فقدان شريكه في الشر والدمار، وآخرون فقدو ملايين الدولارات، وأهم مركزٍ لتجارة أعضاء البشر، فقدوا أهم مصدرٍ لجشعهم لخبثهم ورزالتهم.

حقيقة الانتصار الذي تحقق في الرقة غَيَّرَ كل المفاهيم والمصطلحات في الثورة والمقاومة والحرب والبطولة، وانقلبت الموازين السياسية والعسكرية راساً على عقب، لتؤسس لمرحلة جديدة مرحلة ما بعد الانتصار.

 وحقيقة ما بعد الانتصار هو ما بدا للعالم اجمع في  كوباني وتل أبيض ومنبج.

إن التحدي الحقيقي الذي سيواجه الرقة المنتصرة هو إمكانية أهلها بعربها وكردها وبكافة مكونات هذه المدينة التي تشهد اليوم رايات بيضاء وصفراء وخضراء وزرقاء والمعبرة عن حقيقة  فسيفساء هذه المدينة الجميلة، عوضاً عن رايات السواد.

  إن ما يقع اليوم من مسؤولية في التنظيم والبناء على عاتق مجلسها المدني من أبناء الرقة، يقع على عاتق هؤلاء الذين تركوها لقمة سائغة لخفافيش الظلام ولجأوا إلى شركاء داعش، إنها فرصة حقيقية لهؤلاء ليُكَفِّروا عن أنفسهم، وليساهموا في حماية وإعمار مدينتهم، والالتحاق بركب التعايش الأخوي.

تحرير الرقة على يد قوات سوريا الديمقراطية، ومساندة التحالف الدولي لم يكن هزيمة عسكرية  لتنظيم ما سمية بالدولة الإسلامية داعش فقط    عسكرياً، وإنما هي إعادة النظر في عموم الأزمة السورية والأزمة الحاصلة في الشرق الأوسط. علاقة كلِّ طرفٍ بما يحصل، وبما يراهُ على الصعيد السياسي والاجتماعي والعسكري، فالنظام لايزال مُصراً حتى هذه اللحظة بأن السلطة خطفت من يديه؛ وعليه إعادة السلطة تحت أبطه ومهما كان الثمن، بينما الطرف الآخر والذين يدعون أنفسهم بالمعارضة؛ فهم كانوا ولازالوا في نفس الدوامة؛ دوامة الارتزاق والمراهنة على قوى الاحتلال والإرهاب، بطبيعة الحال لم يعد خافياً على أحد أجندة هؤلاء المرتزقة، والذين جروا الاحتلال التركي إلى داخل التراب السوري، ولم يكونوا سوى سماسرة في عمليات البيع والشراء تلك.

 إن حقيقة الانتصار في الرقة تكمن في إعادة بناء  سوريا حرة فيدرالية ديمقراطية لكل أبنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى